alexametrics
آراء

المغاربة كالتونسيين والعرب عامة .. كلّهم منافقون

مدّة القراءة : 6 دقيقة
المغاربة كالتونسيين والعرب عامة .. كلّهم منافقون

 

كان يفترض أن تكون مباراة عادية في كرة القدم لا تخرج عن نطاق ما هو متعارف عليه في نواميس اللعبة .. لكن بسبب أخطاء تحكيمية  أصبح للأسف الشديد شعبان شقيقان يتبادلان الشتائم بأنواعها على مواقع التواصل الإجتماعي .. فقد تجاوزت المسألة مجرد تشابك بالأيدي بين لاعبين أو فريقين، لنصل بنا الأمر بسبب بعض التصريحات غير المسؤولة من هنا وهناك إلى اتهامات جارحة ومؤسفة بين شعبين .. ولا نستبعد أبدا أن يتطور الوضع لأسباب انتخابوية ويتم توظيف الحادثة سياسيا مما قد يخلق أزمة دبلوماسية بين البلدين .. لكن ما المانع في ذلك إذا كان هذا سيضع حدا لنفاق متواصل منذ عقود .. حرب فعلية يخرج الجميع منها خاسرا لكنها قد توضح بعض الأمور وتعطي انطلاقة جديدة للعلاقات الثنائية على أسس متينة وأقل نفاقا .. انظروا كيف صارت العلاقات بين فرنسا وألمانيا بعد 45 سنة ..  

 

بالعودة إلى مجريات الأحداث فإن الحكاية بدأت يوم الجمعة 24 ماي بالدار البيضاء يومها خرج الترجي الرياضي، أعرق الجمعيات الرياضية التونسية، متعادلا بنتيجة هدف من الجهتين في لقاء جمعه بفريق الوداد البيضاوي وهو تعادل ثمين جدا في ذهاب نهائي أمجد البطولات القارية في إفريقيا .. كان الشعور بالمرارة كبيرا لدى المغاربة صحيح أنهم تفادوا كارثة أكبر في صورة الهزيمة لكنهم اعتبروا أنهم كانوا ضحية هفوات تحكيمية فادحة وجسيمة .. حتى أن الحكم المصري الذي أدار تلك المباراة تمت معاقبته من قبل الإتحاد الإفريقي لكرة القدم "الكاف" بعد أن أقصى قائد فريق الوداد في الدقيقة 49 ورفض للمغاربة هدفا وضربة جزاء بسبب (أو بفضل) تقنية "الفار".

 

يوم الجمعة 31 ماي بملعب رادس كان لقاء العودة بدوره زاخرا بالتقلبات والأخطاء التحكيمية .. قرر الفريق الضيف مغادرة الميدان  بعد أن رفض الحكم هدفا بداعي التسلل .. طالب لاعبو ومسيرو الوداد بمراجعة تقنية "الفار" للتثبت من مدى صحة الهدف غير أن هذه التكنولوجيا كانت خارج الخدمة فتم الإعلان عن تتويج الترجي بطلا لإفريقيا للمرة الثانية على التوالي بعد ساعة ونصف من النقاشات والمفاوضات العقيمة.

 

كان يمكن أن تتوقف المسألة عند هذا الحد إلا أن المغاربة كان لهم رأي آخر فهم يعتبرون (ربما على حق) أنهم كانوا ضحية أخطاء تحكيمية متكررة، متهمين الترجيين بشراء طاقم التحكيم (وهذا مستبعد جدا وغير صحيح)، رغم أنهم وافقوا قبل بداية المباراة على اللعب دون تقنية "الفار" بسبب عطل في التجهيزات قم قاموا بإجراء احتراز ضد قرار الحكم. وبعد أن تم الإعلان عن فوز الترجي، ترجع الكاف وأعلن يوم 5 جوان أن المباراة ستعاد ومن بين الأسباب المذكورة انعدام الأمن في الملاعب التونسية .. ومن هنا ابتعدنا عن الساحة الرياضية لندخل في مسائل تتعلق بالشرف .. فالقضية لم تعد تعني الترجي الرياضي وأنصاره بل صارت تمس بالأمة قاطبة وبصورة البلاد .. اعترض التونسيون على القرار وتعهّد رئيس الحكومة شخصيا بالدفاع عن ملف الترجي الرياضي .. كل هذه الأحداث أشعلت الحرب على مواقع التواصل الإجتماعي (خاصة تويتر وفايسبوك) حيث يشتم الكل الجميع بلا حسيب ولا رقيب وظهر كل جانب (توانسة ومغاربة) على حقيقته .. للأسف الشديد أو من حسن الحظ ؟ سيكشف لنا التاريخ ذلك . 

 

رسميا وعبر اللغة الخشبية التي يتداولها البلدان منذ عقود فإن تونس والمغرب بلدان شقيقان توحدهما اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا .. فالشعبان، حسب الخطب الرسمية واللغة الخشبية، يتبادلان المشاعر ذاتها ويتوقان إلى الوحدة (مثل الأروبيين) .. لكن يبدو أن السياسيين لم يستوعبوا رغبة الشعوب ولا نية لهم في توحيدنا .. كلكم على علم بهذا الخطاب الرسمي الذي تتداوله وسائل الإعلام ورجال السياسة في كل اللقاءات الإقتصادية والرياضية والسياسية والثقافية بين مسؤولين أو ممثلين عن البلدين.

 

عمليا وبالملموس التونسيون والمغاربة ليسوا أشقاء ولا أصدقاء فنحن  لسنا سوى بلدين متنافسين لا يتأخر كل منهما في عرقلة الثاني وافتكاك الأسواق منه .. فما الذي يوحدنا ويجعل منا أشقاء باستثناء محتلين إثنين فرضا علينا لغتيهما العربية والفرنسية والدين الإسلامي وثقافتيهما؟ قد يقول البعض منكم إن هذا ليس بالشيء القليل .. لكن الواقع مخالف تماما ولا يعكس هذا الحديث عن أواصر الأخوة وغيرها من الشعارات .. فلا نجد في التاريخ ما يدل على زيجات بين تونسيين ومغربيين مثلما كان الشأن بين بعض الأمراء في أوروبا والأميرات من كبرى العائلات الملكية الأوروبية.

 

فالملك الراحل الحسن الثاني لم يكن دائما في توافق مع الزعيم الحبيب بورقيبة، هذا المناضل الكبير والسياسي المحنك الذي كان يمقت الأنظمة الملكية ونظام التوريث للحكم بداعي القرابة الدموية دون أي استحقاق أو مؤهلات تخوّل لصاحبها اعتلاء العرش الملكي.. كذلك الشأن بالنسبة إلى زين العابدين بن علي الذي لم تكن تربطه علاقة متينة بمحمد السادس نجل الملك الحسن الثاني .. فالرئيس التونسي الأسبق كان يدرك جيدا أن المغاربة منافسون وخصوم لنا كما أنه كان يحرص على عدم تنفيذ القرارات المعلنة بمناسبة اللجان العليا المشتركة .. فالإتفاقات الإقتصادية والتجارية كانت بالعشرات بل بالمئات ولكن تونس مثل المغرب تماما كانا يفضلان فرنسا وأوروبا ويمنحانها مزايا سياسية واقتصادية أكثر مما يعلنانه في ما بينهما. 

 

بعد الثورة كان يمكن تغيير الأمور مع وجود منصف المرزوقي في قصر قرطاج وهو المعروف بعشقه للمغرب حيث دُفن أجداده ويعيش بعض أفراد أسرته غير أن حقيقة الميدان غلبت المشاعر الشخصية ليقتصر الأمر وقتها على التصريحات الرسمية ..

 

من الحقائق التي لا يجب إنكارها أو إخفاؤها أن الفسفاط التونسي قضي عليه على يد المنافس المغربي .. فبعض الحركات الإحتجاجية والإضرابات التي شهدتها مناجم الفسفاط التونسية لم تكن تونسية صرفة بل حركتها أياد الللوبيات المغربية، وفق ما يهمس به بعض سياسيينا في عهد الترويكا أو مابعدها.

 

ألم تطعن المملكة المغربية سياحتنا في الظهر ؟ .. اسألوا أصحاب الفنادق التونسية عن الطعنات التي تلقاها القطاع بأيدي المغاربة..

 

فالمغرب كانت ترقب بارتياب شديد الثورة التونسية (على غرار جل البلدان العربية) كيف لا وقد قال الشعب لرئيسه "إرحل" فرحل وهذا غير مقبول في نظام ملكي يتحكم فيه العاهل ومخزنه الملكي على اقتصاد البلاد .. أما الديمقراطية فإلى الجحيم يمكنها أن تنتظر قليلا فهذا زمن المحاباة والمحسوبية

 

عندما كنا نتلقى ضربات الإرهاب، كان ينظر للتونسيين على أنهم مصابون بالطاعون فور وصولهم إلى مطار محمد الخامس حيث يعاملون بإهانة مقيتة في طوابير يقفون فيها لساعات طوال تقام خصيصا للتونسيين دون سواهم.

 

لكن لو انعكست الآية ماذا كنا نحن فاعلون ؟ ماذا لو أن الثورة اندلعت عندهم هناك في المغرب أما كان أصحاب القرار في تونس والقائمون على شؤون الفسفاط سيحاولون افتكاك حصص من سوق "أشقائنا" المغاربة؟ وكذلك الشأن بالنسبة إلى القطاع السياحي وهو ما نحن بعد بصدد القيام به.

 

لماذا يفضل وكلاء بيع السيارات في تونس اقتناء بضاعتهم من أوروبا وآسيا عوضا عن المصانع الجديدة والحديثة في المملكة وبالتحديد في القنيطرة وطنجة؟

 

هل نسينا ما فعلناه بالمغاربة حين بعنا لهم بنك الجنوب وهو في حالة يرثى لها قبل أن تتحول إلى البنك التجاري الذي أصبح بفضل المغاربة ثاني أفضل بنك في تونس؟.

 

لو أن الترجي الرياضي التونسي هو الذي وقع ضحية أخطاء تحكيمية في الذهاب كما في الإياب وتمت إهانته أمام جمهوره، هل تعتقدون أن جماهير الأحمر والأصفر كانت ستكتفي بقبول الهزيمة دون اللجوء إلى الكنفدرالية الإفريقية للتظلم؟

 

الواقع مُر لكن تلك هي الحقيقة .. لم يكن المغاربة يوما رحماء بنا ولا نحن أيضا فقد وجهوا لنا ضربات تحت الحزام ومثلهم فعلنا .. فالخطابات الشعبوية لمنصف المرزوقي وجماعته وبعض وسائل الإعلام والتي تتحدث عن شعبين شقيقين متحابين هراء في هراء .. هذا هو الخطاب ذاته المتداول بين الدول العربية ولا وجود لما هو أكثر نفاقا من الحديث عن الأخوة العربية .. عن أي أخوة يتحدثون وشعوب هذه الدول تتنقل بواسطة "الفيزا" من بلد عربي إلى آخر مع إجراءات ديوانية تذكرنا بالستينيات والسبعينيات ؟ تتحدثون عن شعوب شقيقة ؟ وهذا أيضا مجلبة للضحك والأستهزاء .. فالشعوب العربية تكره وتنقم على بعضها البعض .. فشعوب منطقة الخليج ينظرون إلينا على أننا فقراء ومحتاجون وملحدون ولسنا أهلا للعروبة أصلا، أليست معظم نكاتنا موجهة ضد الليبيين ؟ فالحديث عن الأخوة لا ينطبق حتى على التونسيين في ما بينهم إذ أن سكان الجهات الداخلية يغارون من أهالي المناطق الساحلين كما أن أصيلي العاصمة يعتبرون القادمين من داخل البلاد "من وراء البلايك" .. الصفاقسي الحر يرفض قطعيا أن يزوج ابنته لرجل غير صفاقسي كما أنه من المستحيلات السبع أن يتزوج تونسي (بلدي من العاصمة) فتاة أصيلة الشمال الغربي (اختلاف حتى في اللهجة) .. هذه هي حقيقتنا التي لا علاقة لها بالخطب والشعارات الكاذبة عن الأخوة.

 

بعيدا عن لغتنا الخشبية .. خاضت فرنسا وألمانيا حروبا ضارية في ما بينهما وانتهى بهما المطاف بتوقيع سلام الشجعان وقد أصبح البلدان قاطرتي أوروبا وسبب تشييدها من جديد بعد خمس سنوات من الحرب بعد التوقيع في ماي 1950 على مشروع تأسيس الإتحاد الأوروبي في مجال الفحم والفولاذ .. ورغم هذه الروابط الوطيدة فإن البلدين لا يتحدثان أبدا عن علاقات أخوة فكل منها يبحث عن مصالحه الإقتصادية والتجارية ليس أكثر وفي الأعمال لا مكان للأخوة وللمشاعر.

 

تونس والمغرب لا يعقدان صفقات عمل بل يكتفيان بالشعارات واللغة الخشبية حتى العلاقات التي تجمع بينهما لا تختلف عما يربطهما من علاقات مع باقي الدول العربية.. مجرد عبارات منمقة تلقى أما الصحفيين لكنها خارج السياق تماما وفي قطيعة تامة عن الواقع فلا وجود لروابط أخوية سواء بين البلدين أو الشعبين .. العرب لا يزورون تونس ولا المغرب في إطار السياحة كما لا يتسوقون منهما فهم يتعاملون مع أوروبا وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية .. فالتونسي يفضل منتوجا أوروبيا على أي منتوج آخر صنع في الإمارات أو سلطنة عمان حتى وإن كان الأول أرفع ثمنا.. فعن أي أخوة عربية يتحدثون ؟ هذا وهم وسراب يروّج له بعض القوميين الطوباويين الذي يكذبون على أنفسهم بالحديث عن الإنتماء والهوية وكلاهما في علاقة بغزاة الماضي .. نحن لسنا أشقاء العرب ولا الشعوب المغاربية ولا المغرب الأقصى ولا حتى أشقاء أنفسنا كتونسيين ..  

 

فلنبدأ بتسمية الأشياء بمسمياتها ولنواجه حقيقتنا وواقعنا .. حينها فقط قد يمكننا إحراز بعض الخطوات على درب التقدم المنشود.

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0