alexametrics
الأولى

بين التهديد والترهيب والتجريم..عودة سياسة قمع حرّية الإعلام من جديد !

مدّة القراءة : 5 دقيقة
بين التهديد والترهيب والتجريم..عودة سياسة قمع حرّية الإعلام من جديد !

بعد سنوات من الديكتاتوريّة في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي عاش فيها قطاع الإعلام تعتيم كُلّي تحت سياسة التّرهيب والتخويف وكتمان الأصوات وحتى التعذيب لكلّ صحفي أو مؤسّسة إعلاميّة لا تتماشى مع ميزاج السّلطة، اعتقدنا أنّ هذا الكابوس والقمع انتهى بعد ثورة الحرّية والكرامة وأنّ حرّية التعبير والصحافة  عادت. هيْهات بين ما توقّعناه وما نعيشه اليوم من إقحام للسياسيّين أنفسهم في شؤون وسائل الإعلام وضغط الأمن على الصحفيّين وسوء تصرّف مؤسّسات السيادة مع الإعلام. 

الالتزام بحرية الصّحافة الذي تعهّدت به تونس منذ الثورة وفق منظمة مراسلون بلا حدود قد حقّق ثماره فقد قفزت البلاد من المرتبة 164 في المؤشر العالمي لحرية الصحافة سنة 2011، إلى المرتبة  72 في سنة 2019 وهو مكسب من المفترض المحافظة عليه وتطويره وليس العكس. 

 

منذ أن تولّى قيس سعيد منصب رئاسة الجمهوريّة تعرّض الصحفيّين إلى سياسة القمع والشتم والإعتداء من قبل أنصار قيس سعيد، على الرّغم من أنّه عبّر في لقائه بممثّلي قطاع الإعلام في تونس عن رفضه القطعي لحملات التشويه والتحريض وخطابات الكراهية ضدّ الصحفيّين وشدّد على أنّهلا  داعم للصحافيين ولوسائل الإعلام المختلفين معه قبل الموافقين له، وأنه الضامن للحريات التي نص عليها الدستور وفي مقدمتها حرية التفكير والتعبير والصحافة. هذا لم تجسّده مصالح الإعلام والإتّصال برئاسة الدولة التي  تعمّدت تجاهل الصحفيّين في العديد من المناسبات وحجبت عنهم المعلومة، زيارة الرئيس التركي إلى تونس الفجئيّة لم يعلم بها الرأي العام التونسي إلاّ من وسائل الإعلام الأجنبيّة وتمّ منع الصحفيّين من تغطية لقاء سعيد بأردوغان وقام الحرس الرئاسي بحجر البطاقات الإحترافية لفريق تلفزيون العربي وحرروا ضدّهم محضرا أمنيا. 

نقابة الصحفيّين التونسيّين في بيان لها يوم 25 ديسمبر 2019، عنونته بـ "تواصل سياسة التعتيم في رئاسة الجمهورية" اعتبرت ذلك سياسة تعتيم تنهجها رئاسة الجمهورية منذ تولي قيس سعيد الحكم  مستنكرة التمييز بين وسائل الإعلام وغياب الشفافية والآنية في الإعلان عن نشاطات رئاسة الجمهورية وغياب التنظيم المحكم للتغطية الإعلامية القائم على المساواة بين كل المؤسسات الإعلامية، إضافة الى انعدام رؤية واضحة للمشهد الإعلامي وكيفية التعامل مع الصحفيين وغياب سياسية اتصالية واضحة تكفل لكل المؤسسات الإعلامية الحق في المعلومة. كما ندّدت منظّمة مراسلون بلا حدود في بيان لها يوم الخميس 26 ديسمبر 2019 بذلك التصرّف وبمنع سبعة مؤسسات أجنبية، هي "الجزيرة" و "الحرة" و "العربية" ووكالة الأنباء الألمانية "دوتش برس" و "الميادين" ووكالة الأنباء "رويترز" ووكالة "سيبوسا" الأمريكية من تتغطيّة اللّقاء. مستشارة رئيس الجمهورية للإعلام والاتصال رشيدة النيفر إدّعت أنّ هذا المنع يعود لأسباب أمنية تتعلق بطبيعة الزيارة الغير معلنة وما رافقها من إجراءات أمنية استثنائية وبالتالي لم يسمح إلاّ لعدد محدود من الصحفيين بتغطية المؤتمر. غياب الشفافية والإعلان المرتجل عن أنشطة رئاسة الجمهورية هي عوامل تنتهك حرية الصحافة التي تعتبر المكسب الأهم للثورة التونسية.

 

هناك حملة ممنهجة من قبل بعض الأطراف المجهولة ومن قبل  السياسيين لإهانة الصحفيّين والعمل على تقزيم أعمالهم وإهانتهم والتشكيك في صحة معلوماتهم، واتّهامهم بمحاولات التشويه و"حياكة المؤامرات في الخفاء". على الرّغم من دعوة الهيئة العليا المستقلة للاتّصال السمعي والبصري يوم 27 نوفمبر 2019، رئاسة الجمهورية وأعضاء مجلس نواب الشعب إلى احترام قيم ممارسة مهنة الصحافة الحرة والنزيهة وقواعدها والالتزام بحماية الصحفيين مع إعلان الإدانة الصريحة لكلّ خطابات الثلب والتحريض على العنف والكراهية وطالبت كافّة الصحفيين والعاملين بالقطاع الإعلامي إلى التضامن والتصدي لكل محاولات الترهيب وإلى التمسك بأخلاقيات المهنة الصحفية وقواعدها، بقي السياسيين وغيرهم يتعرّضون للصحفيّين وللمؤسّسات الإعلاميّة. حملات تشويه طالت  قناة  الحوار التونسي وصحفيّيها وصل ذلك إلى تعنيفهم والزجّ بصاحب القناة في السّجن، بالإضافة إلى اتّهام رئيسة تحرير بيزنس نيوز سندة طاجين بالعمالة لإسرائيل. كما تعمّد النائب عن ائتلاف  الكرامة عبد اللطيف العلوي وصف الإعلام بـ "الإرهاب الإعلامي" وقال إن بعض وسائل الإعلام تشكل "مرتعًا للكراهية والعنف يهددان السلام الاجتماعي في البلاد" وتعمّد سب وشتم صحفي وصحفيات بيزنس نيوز ووصفهم ''بالعاهرات'' ولكنّ المؤسّسة خيّرت عدم متابعة أيّ أحد قضائيا. أيضا  النائب عن ائتلاف الكرامة يسري الدالي دعا إلى الاعتداء على الصحفيين، معتبرا أنّ علاقة مجلس نواب الشعب مع الإعلام ستكون في إطار "حرب كسر العظام" ودعا إلى "تتبعهم وضربهم على اليد التي تؤلم وقطع دابرهم" في دعوة مباشرة إلى الاعتداء عليهم وهو ما يهدد السلامة الجسدية للصحفيين التونسيين.

 

بالإضافة إلى كلّ هذه السياسة القمعيّة الخطيرة  ضدّ الإعلام، أصبحت المؤسّسات الإعلاميّة مقيّدة وغير حرّة في اختيار خطّها التحريري وحتى في نوعيّة البرامج التي تقدّمها وأكبر دليل على ذلك قناة الحوار التونسي التي أرغمتها حركة النهضة بالتراجع عن بثّ وثائقي يتعلّق بكشف أسرار النهضة ومصادر تمويلها. أيضا التلاعب بالسلطات القضائيّة لإبقاء سامي الفهري في السجن على الرّغم من إقرار محكمة التعقيب الإفراج عنه يوم الأربعاء 29 جانفي 2020. وقد أكّدت الهيئة المديرة للجامعة التونسية لمديري الصحف في بيان لها اليوم الاثنين 10 فيفري 2020، تعرض مجموعة من الصحفيين والمديرين للهرسلة من خلال قضايا وإجراءات عدلية، وإنهاك أغلب مؤسسات الإعلام وخاصّة الصحافة المكتوبة حدّ  الإندثار بإغراقها في الديون وحرمانها قصدا من الإشهار والاشتراكات العمومية وعدم تنفيذ التزامات أُعلنت لفائدتها، واعتبرت ما يجري خنقا لحرية التعبير ومحاولة منع المؤسسات الإعلامية ومسؤوليها وصحافييها من إبداء رأيهم بالحرية المطلوبة.

تهديد حريّة التّعبير قد زاد عن حدّه بشكل لافت من خلال الأبتزازات المختلفة بالقتل والاعتداء بالعنف والسعي إلى كبت أي رأي مخالف وذلك خاصّة من خلال ازدياد عدد القضايا المرفوعة ضدّ العاملين في القطاع بهدف الترهيب والتخويف والابتزاز. يوم الأربعاء 12 فيفري 2020، قرّرت  المحكمة الإبتدائية بقرمبالية الحكم بعدم سماع الدعوى وتبرئة الصحفي بقناة الحوار التونسي التابع لفريق برنامج ''الحقائق الأربع''  أسامة الشوالي، من كلّ التّهم على إثر إتّهامه بالإعتداء على العملة بمركز المسنين بقرمبالية أثناء القيام بتحقيقه. وآخر ما تمّ في حقّ انتهاك عمل الصحفيّين، توجيه استدعاء لفريق  إعداد الفيلم الوثائقي "غرف سوداء" للبحث لدى فرقة العوينة يوم الاثنين 17 فيفري. الصحفي مهدي جلاصي أفاد أنّ الفريق لا يعلم من قدّم في حقهم الشكاية لكنها تتعلق بالفيلم الوثائقي الذي يروي قصة الغرفة السوداء بوزارة الداخلية والتي أثبت القضاء وجودها. ووفقا للصحفي بقناة تونسنا مراد السليمي فإنّ حركة النهضة قدمت قضية بفريق عمل وثائقي " الغرف السوداء " عن الجهاز السري لحركة النهضة والاغتيالات السياسية الذي عرض في جوان الماضي على قناة تونسنا بعد أن رفضت 3 قنوات خاصة معروفة بثه.

 

هذه الممارسات اللاّقانونيّة واللاّأخلاقيّة ضدّ الصحفيّين والمؤسّسات الإعلاميّة يعتبر إنذارا بالعودة إلى مربّع التضيّيق على حرية الصحافة وضرب مبدأ التعدّدية الإعلامية وحرمان المواطن من حقّه في المعلومة، لا للترهيب لا لتكميم الأفواه من جديد.

يسرى رياحي


تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter