alexametrics
الأولى

حين يشكك البعض في سيادة الدولة بمناسبة عيد الإستقلال

مدّة القراءة : 3 دقيقة
حين يشكك البعض في سيادة الدولة بمناسبة عيد الإستقلال

 

تحتفي تونس يوم 20 مارس بالذكرى الثالثة والستين لعيد استقلالها، هذا الحدث البارز في التاريخ المعاصر للبلاد .. احتفالات هذه السنة ستكون فرصة، على غرار الأعوان السابقة، لإطلاق الجدل الدائم والمتجدد في مثل هذه المناسبة حول مدى تحقيق تونس لاستقلالها الإقتصادي والمالي.

 

لكن بعيدا عن كل أشكال الجدل والإختلاف، تبقى هذه الذكرى عنوانا بارزا لحدث غيّر مسار تاريخ بلادنا التي تخلصت يوم 20 مارس من عام 1956، من ربقة الإستعمار والتبعية السياسية. فقد استعادت تونس سيادتها الوطنية وحريتها، بفضل نخبة من الأبطال ناضلوا وكافحوا في سبيل تحقيق حلم شعب بأسره.

 

لذلك صار الإحتفال بذكرى 20 مارس من كل سنة، موعدا متميزا لتخليد أمجاد أبناء بررة جمعوا بين العمل الميداني والمقاربة الدبلوماسية وهو ما أعطى لتاريخ البلاد ما هو عليه اليوم.. إنجاز بطولي تحقق على أيادي مجموعة من الوطنيين وأصحاب الكفاءات الذين ضحوا بأرواحهم وأغلى ما يملكون، من أجل أن تنعم الأجيال الحاضرة والقادمة بنسائم الحرية، لتنطلق بذلك ملحمة بناء الدولة الحديثة.

 

مع ذلك تتعالى أصوات البعض في مثل هذه الأجواء الإحتفالية، للتشكيك في مدى تحقق هذا المكسب الثمين، ألا وهو الإستقلال، وتذكيرنا بأن تونس ما زالت تعيشة حالة من التبعية المالية والإقتصادية تجاه المؤسسات المالية الدولية.. فعديدة هي الأحزاب السياسية والنقابات التي تشكك في السيادة الفعلية للبلاد، باعتبار أن تونس، حسب رأي المدافعين عن هذا الطرح، وبالنظر إلى الأزمة الإقتصادية التي تتخبط فيها حاليا، مجبرة على الخضوع لتعليمات تلك المؤسسات وعلى رأسها بالخصوص، صندوق النقد الدولي.

 

لكن بعيدا عن هذه الإنتقادات التي لا تخلو من التوظيف السياسي والإعتبارات النقابية البحتة وبعض الأجندات الخاصة، يبرز تحليل عقلاني وموضوعي لتلخيص هذه التوجهات وهي القراءة التي قدمها الخبير الإقتصادي والمالي، توفيق بكّار، الوزير الأسبق ومحافظ البنك المركزي سابقا الذي يعتبر أنه لم يتم التفاوض بالشكل المطلوب عند الإتفاق مع صندوق النقد الدولي.

 

يقول توفيق بكار في هذا الصدد: "أنا لا أتحدث عن مضمون الإتفاق، فقد كان حتميا، حسب رأيي، بالنظر إلى البدايات السيئة التي عرفها منذ 2011، التعامل مع الملفات والمسائل الإقتصادية والمالية وتهميشها منذ فترة حكم الترويكا، بل من حيث البرمجة الزمنية وشروط تنفيذ ذلك الإتفاق الذي وجب التذكير بأنه كان محل نقاش مستفيض من قبل الإدارة والحكومة التونسية، قبل إحالته إلى مجلس نواب الشعب الذي صادق عليه".

 

كما علينا أن نقر بأن الحكومات المتعاقبة إبان الثورة، ارتكبت أخطاء عديدة، ولاسيما منها حكومات الترويكا .. من ضمن تلك الأخطاء، وفق رأي المختصين بالإجماع، هو السعي، بأي ثمن، إلى القطع مع الماضي، رغم ما تحققت خلاله من نقاط إيجابية، على المستوى الإقتصادي بالخصوص.

 

غير أن التفاوض السيء مع المؤسسسات المالية الدولية لم يكن الخطأ الوحيد الذي ارتكبته حكومات ما بعد الثورة، فبالخوض في بعض التفاصيل نلاحظ بجلاء وجود عديد الزلات والهفوات.. نذكر من بينها على سبيل المثال ذلك الهوس المتمثل في تمويل مصاريف  من ميزانية الدولة، في مناسبات متكررة، بعنوان الزيادات في الأجور وغيرها من الإنتدابات في الوظيفة العمومية، عن طريق اللجوء إلى موارد مالية متأتية من بعض عمليات الخوصصة أو كذلك تحرير نسب الصرف، دون التفكير في الضمانات المناسبة لحماية الدينار التونسي.

 

كما علينا التذكير بذلك القدر من اللامبالاة عند السماح بالتخفيض من الترقيم السيادي في ست مناسبات دون القيام بأي تحرّك يتناسب مع خطورة الوضع.. وكثيرة هي القرارات والمقاربات غير الصائبة التي اتخذت في فترات سابقة لم تخل أيضا من سوء التقدير، في حين أن تونس تزخر بالكفاءات ذات السمعة الجيدة والمعترف بها على الصعيد الدولي، وهو ما دفع بالخبراء إلى التأكيد في عديد المناسبات على أن بلادنا تدفع ضريبة هذه الإرادة في القطع مع إيجابيات الماضي.  

 

على صعيد آخر، لابد من الإشارة إلى أن ارتهان مستقبل البلاد وبالتالي استقلاليتها، يعود إلى عجز كل الحكومات المتعاقبة، منذ 2011 وإلى يومنا هذا، عن فرض احترام دولة القانون والمؤسسات وتطبيق القوانين، وهي من المبادئ الأساسية في أي ديمقراطية كانت.. وهنا لا نملك أن لا نستحضر كيف أن الباجي قايد السبسي وحركة نداء تونس اتخذوا من "استرجاع هيبة الدولة" أحد شعاراتهم وأهدافهم لخماسية 2014-2019 .. لكن لا شيء تحقق من ذلك كله .. وكيف لهم أن يلتزموا بتعهداتهم ووعودهم والحال أن كل الحكومات أهدرت وقتها في الصراعات والتجاذبات، دون التمكن من فرض دولة القانون، بقوة القانون.

 

وكان من البديهي طبعا أن تأتي النتائج على عكس الوعود والشعارات، من خلال تعاقب التنازلات أمام التحركات الإجتماعية والمطالب المتأتية من كل حدب وصوب، حتى تلك الصادرة عن مجموعات ضئيلة الحجم، دون أن ننسى بطبيعة الحال المطالب النقابية في مختلف القطاعات، بما فيها الوظيفة العمومية والتعليم والحوض المنجمي والطاقة ولا يخفى على أحد اليوم كم كانت كلفة تلك الإحتجاجات والمطالب التي أثقلت كاهل خزينة الدولة.

 

لذا فإن هذه الأسباب مجتمعة هي التي أجبرت السلطة على أن تجد نفسها في حلقة مفرغة، عبر اللجوء إلى الإقتراض بكل السبل، للإستجابة لمتطلبات الجميع وهو ما أدى بالحكومات إلى الوقوع تحت رحمة المؤسسات المالية الدولية، لتصبح بالتالي خاضعة لأوامرها وتعليماتها.

 

لكن رغم كل ما تقدّم ذكره، فإن عيد الإستقلال سيظل في نظر التونسيات والتونسيين، مبعث فخر واعتزاز وحدثا فارقا ومفصليا بالنسبة إلى مستقبل وطننا العزيز. وبقطع النظر عن كل الصعوبات والمشاكل القائمة، فإن تاريخ 20 مارس يجب أن يكون فرصة ومناسبة للتفكير في مستقبل البلاد وفي آفاق التنمية فيها، سيما خلال الأزمة الحالية التي يُعاب فيها على الحكومة والدولة بصفة عامة، غياب الرؤية الصائبة والبرامج الملائمة. 

 

 (ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter