alexametrics
الأولى

رانية العمدوني ضحية القمع والفكر الظلامي المُعادي للآخر المُختلف

مدّة القراءة : 4 دقيقة
رانية العمدوني ضحية القمع والفكر الظلامي المُعادي للآخر المُختلف

أصدرت محكمة الناحية بمنفلوري حُكما يقضي بسجن  المناضلة النسوية الكويرية رانية العمدوني بـ 6 أشهر مع النفاذ العاجل من أجل تهمة هضم جانب موظّف عمومي أثناء أداء مهامه، وذلك بالتجاهر بما ينافي الأخلاق الحميدة وكانت رانية قد توجهت لمركز الأمن بباب بحر كمُتضررة لتقدّم شكاية ضدّ النقابات الأمنية التي قامت بهرسلتها.

 

تحوّلت رانية العمدوني من موضع شاكية إلى مُشتكى بها ومُتّهمة، في بلاد ترفُض الشخص الآخر المُختلف الذي لا يُشبه أحدا لا في الشكل ولا في الفكر ولا حتى في التعامل مع الواقع المعقّد الذي تعيشه تونس. تمّ يوم الإثنين الفارط  تحويل إصبع الإتّهام إلى العمدوني ووضعها في قفص الإتّهام وتمّ إصدار  بطاقة إيداع بالسجن في حقّها لتُقرّر محكمة الناحية اليوم سجنها وقمعها بستّة أشهر. 

 

تمّ اليوم سجن رانية العمدوني وافتكاك حرّيتها على الرّغم من حملة المُساندة التي حظيت بها من قبل أنصار الحرية الذين يحترمونها ويدافعون عن حقّها في الإختلاف والذين رفعوا شعار "سيب رانية"، يوم الإثنين الفارط، من ممثلي منظمات المجتمع المدني ومجموعة من الشباب في وقفة احتجاجية أمام المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة  للمطالبة بإطلاق سراح العمدوني، ورفع المحتجون شعارات على غرار " تمشي تشكي تصبح في بوشوشة وحريات حريات  دولة البوليس وفات، ونسويات كويريات في دولتنا مضطهدات ".

 

تمّ استهداف رانية العمدوني من قبل قوات الأمن والنقابات الأمنية منذ المسيرة التي شهدتها تونس العاصمة في أواخر شهر جانفي الفارط، حيث خرج مئات الشباب في مسيرة حاشدة منادين بإطلاق الشباب الذين تمّ إيقافهم على خلفية الإحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في شهر جانفي ونادوا بإطلاق سراح الشبان اللّذان تم إيقافهما والحكم عليهما بـ 30 سنة سجنا على خلفية استهلاكهم لمادة القنب الهندي بأحد الملاعب بولاية الكاف. هذه المسيرة شهدت صدامات بين أعوان قوات الأمن بشارع الحبيب بورقيبة والمتظاهرين بعد محاولة منعهم من الوصول الى شارع الحرية والكرامة.

 

الناشطة الكويرية والنسوية رانية العمدوني، أصبحت بعد تلك المسيرة محلّ تتبّع من قبل قوات الأمن الذين قاموا بالتشهير بها ونشر صورها على صفحات النقابات الأمنية واستهزءوا من شكلها وافتعل أعداء الإختلاف وأعداء الحريّات الفردية حملات تحريض وهرسلة ضدّ العمدوني وصلت إلى درجة تكفيرها بسبب اختلافها ووصلت حملات التحريض إلى حدّ تهديدها بالقتل. انطلقت صفحات النقابات الأمنية والصفحات المقربة من الإسلاميين وحتى بعض النواب مثل الاسلامي سيف الدين مخلوف في السخرية من شكلها واتهامها بالـ"تشبّه بالرجال" وبأنها "ذكر متحول جنسيا''. 

 

حملات التحريض جعلت من رانية العمدوني تخاف الخروج من منزلها وأصبحت تتنكر للخروج لقضاء حوائجها الخاصّة، ذنب رانية هو الإختلاف هو أنّها كويرية ومبدأها الحريّة والمساواة ونبذ سلطة القمع والترهيب. الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والعديد من المنظمات والشخصيات الوطنية تضامنوا مع رانية العمدوني ضد حملات التشويه والهرسلة التي تهاجم كل ماهو مختلف وخارج عن مقاييس الجمال المعيارية المُتخلّفة المخصصة فقط للنساء- والتي تحدد لهن مسبقا الطول والوزن والشكل المسموح به ليكُنّ جميلات.

 

كما كتبت الزميلة سيماء المزوغي فإنّ رانيا العمدوني الناشطة الحقوقية، المتهمة بخدش الحياء، والتي تواجه حكما بسلب الحرية،  اختارت الحرية رغم كل شيء، اختارت أن ترفض قتل ما يحلّق داخل نفسها وأنّ تتشبث بأجنحتها رغم كل شيء، وأن ترى نفسها بعينيها لا بعيون الآخرين، فلا تقارن نفسها مع أحد..اختارت رانيا الحرية، أن لا تقف على حائط المبكى أبدا وترفض أن تكون ضحية أو أن تلعب دورها، فحتى لكمات الحياة، هي صمودها لا ندوبها، ربما الحرية هي أن تعيش حكايتها التي لا تشبه حكايات أحد، مع أنها حكاية كلّ أحد، بعيدا عن الحكايات التي تجد أحكاما جاهزة وقوالب جاهزة وإرثا من الأفكار العقيمة تحاصر الزمان والمكان وتحشر العقل في كومة من الخرافات والأوهام والنماذج الخانقة.. بعضنا يبحث عن الحرية في الخارج وينسى أنها داخله منذ البداية.

 

قرار سجن الناشطة  الكويرية النسوية رانية العمدوني، أثار غضب أهل الحقوق والحرّيات والرأي العام وأدانوا هذا الحُكم غير العادل، واعتبروا أنّ التونسيين باتوا اليوم يعيشون في سجن كبير تقمع فيه الحريات الفردية وتكمّم فيه الأفواه الناطقة بالدفاع عن حريّة الآخر المختلف. وأطلقت مجموعة ''فلڤطنا'' رفقة العديد من المنظمات الحقوقية دعوة لخوض مسيرة احتجاجية يوم السبت المقبل للمناداة بحرية رانية العمدوني وسيتمّ رفع شعارات ''سيّب رانية''، ''تسقط الدولة، يسقط البوليس''، ''سيبوا أولاد وبنات الشعب، الشارع شارعنا والبلاد بلادنا ويا أحنا يا قتالين خواتنا، سراقين بلادنا''. 

 

أصبحنا اليوم نواجه خطر الدكتاتورية من جديد، الشعب ازدادت رُتبته في أسفل السافلين والطبقة السياسية في عليّين، قمع واستبداد وتكميم للأفواه، قتل للأطفال والسجن للشباب ومضايقة وتعنيف الصحفيين والصحفيات واستعمال أسلوب الترهيب والتهديد مُقابل تمتّع السياسيين بامتيازات التحكّم في السلطة والتهرّب من العقاب وأصبح الشعب كبارا وصغارا في نقمة على وطن يحكُمه خونة وتُجار دين وسياسة. 


جريمة رانية العمدوني أنّها وُلِدت في دولة لا يحترِم فيها الشعب الآخر المُختلف، لتتعرّض لكلّ أشكال التنمّر والهرسلة في الشارع وعلى صفحات مواقع التواصل الإجتماعي وحين تتوجّه للمطالبة بحقّها وتطلب حمايتها تجِد نفسها في قفص الإتّهام وفي ركن مظلم مغلق بالقٌضبان. رانية اليوم هي ضحية القمع والإستبداد للحريات الفردية وضحية الفكر الظلامي المُتشدّد المُعادي للآخر المُختلف.


 يسرى رياحي 

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter