alexametrics
أفكار

عندما تعتمد تونس بروتوكول إيبولا لدفن موتى الكوفيد-19: تقنين الهذيان في بروتوكول صحّي

مدّة القراءة : 6 دقيقة
عندما تعتمد تونس بروتوكول إيبولا لدفن موتى الكوفيد-19: تقنين الهذيان في بروتوكول صحّي

 

نضال بن الشيخ*


ما أثار اهتمامي عند سماع خطاب رئيس الحكومة في إطلالته الأخيرة، تفرّده بخطاب مختلف عن الحكومة السابقة في مجال التعاطي مع كل المسائل التي يطرحها الكوفيد-19 والتي لخّصها في مفهوم "عدم الاستثمار في الخوف" وهو طرح مركزي يُمكن أن يُفضي إلى بناء رؤية جديدة لمقاومة جائحة فيروس الكورونا المستجد باعتماد خطاب عقلاني متّزن يرتكز على دلائل علميّة وبيانات وتجنُّب الخطابات والمنابر الإعلامية التي تُغَذي شعور الخوف لدى المواطنين والتي أدّت إلى ما نشاهده الآن من ترُومَا وهستيريا جماعيّة.

ولايُمكن تَمعُّن ما آلت إليه الأوضاع في تونس من غياب مفزع للعقلانيّة والحس السليم في تفاعل المواطنين مع الجائحة دون قَرنها بآثار البروتوكول المتعلق بشروط دفن المتوفين نتيجة الكوفيد-19 على نفسيّة العائلات حيث زعزع طقوسها الجنائزيّة المتوارثة منذ مئات السنين ومنعها من توديع موتاها وشوّه مرحلة الحداد.  وحتى وإن قرّرت وزارة الصحّة في الأسبوع الفارط مراجعة هذا البروتوكول فإنه من المهم أن نبيّن للرأي العام مرجعيّاته ومدى خطورته على الصحّة النفسيّة للتونسيين.

1. عندما يغيب الحسّ السليم ويستشري الهذيان

لكن قبل المرور إلى تقديم بعض البيانات والمعطيات الثابتة حول مرجعيّات هذا البروتوكول وبيان أسباب الصرامة الموغلة في إرشاداته والتي تُحيلنا في بعض الأحيان إلى بعض أفلام الخيال العلمي والحروب البيولوجيّة والجرثوميّة، أودّ الإشارة إلى مقال صدر بجريدة لوموند بتاريخ 19 أفريل 2020 تناول البروتوكول التونسي بصفة خاصّة على أساس تطرّفه في زعزعة الطقوس الجنائزيّة[1]. وما صدمني في هذا المقال هو الحوار الذي دار بين الصحفي وأستاذين مبرزين في الطب يصفان فيه الأسباب التي جعلتهم يتخذون إجراءات صارمة بخصوص إجراءات دفن موتى الكوفيد-19 ومن بينها تجنّب انتقال العدوى إلى الطبقة المائيّة ... يعني أن الفيروس سيبقى حيّا ونشطا لأيّام وسيُغادر الجثّة في رحلة، مُعلنا بداية موسم هجرته أمتارا عديدة تحت الأرض، بحثا عن مجاري مياه الطبقة المائيّة.

لم يتركوا لنا إلا السَّبحنة والحوقلة وإن لَزم الأمر الحَسْبلة لتفادي كل التشنجات إزاء غَرائبيّة ما نعيشه منذ ظهور جائحة فيروس السارس كوف 2.

دون مواربة وبكل وضوح، ومع استغرابي صدور هذا الكلام من أطبّاء مشهود لهم في تونس يدركون جيّدا كيفيّة انتقال العدوى، تَوضَّحَ لي أنّ البروتوكول المعتمد حاليّا تمّت صياغته في جوّ من الهذيان الهستيري المرضي وأستغرب كيفيّة تمريره والموافقة عليه من طرف كل أعضاء المجلس العلمي.

بدأت بالتذكير بهذا المقال فقط لتوصيف حالة الهلع التي سادت في ذلك الوقت أي خلال شهري مارس وأفريل 2020 نتيجة هذا البروتوكول والتي هيّأت الرأي العام لقبول إجراءات الإغلاق الشامل لكنها أدت كذلك إلى وصم خطير للأشخاص الحاملين للفيروس ونزع الإنسانيّة عنهم... وما تزال هذه الأفكار مترسّخة لدى غالبيّة التونسيين وتضفي صعوبة أكبر في التعامل مع مرضى الكوفيد ... فمن الطبيعي جدّا أن المواطنين من كل الفئات الاجتماعيّة دون استثناء والذين تصلهم مئات الصور والفيديوهات وبشكل متكرر يوميّا حول ظروف دفن مرضى الكوفيد-19 ومشاركة جرافات في هذه العمليّة تفاديا للمس الصندوق، سيتساءلون أنه إن كان التعامل مع ميّت بهذه الطريقة، فكيف هو الأمر بالنسبة للأحياء ؟  وأدّى ذلك إلى تفاقم سلوكيّات رفض مرضى الكوفيد-19 ما عقّد إلى حد كبير إجراءات التكفل بهم وساهم بدرجة عالية في ارتفاع جنوني لكلفة التداوي بالقطاع الخاص ... ولم نسمع أو نرى مسؤولا واحدا بمجلسنا العلمي في وسائل الإعلام، التي أصبحت دار مقامهم، يحاول تفكيك الآراء المغلوطة حول الكوفيد-19 والتقليص من التهويل المبالغ فيه كالقيام بمقارنات بين نسب الوفيات المقدّرة للجائحة المستجدّة والتي تتجاوز بقليل النسب المقدرة للأنفلونزا الموسميّة.

 

يتعيّن عليهم أن يفهموا أنهم بهذه القرارات الموغلة في الرداءة والإستغباء قد فتحوا علبة بندورا للخوف والآن سيصعب كثيرا إغلاقها ...

لكن الأمر الأغرب والأخطر هو ما سنأتي على بيانه في الفقرات التالية ...

1. البروتوكول الخاص بفيروس إيبولا لدفن وفيّات الكوفيد-19 بتونس

بعد بحث في الدلائل الإرشاديّة بموقع المنظمة العالمية للصحة بخصوص الطقوس الجنائزيّة التي يُتوجه الاستئناس بها لدفن مرضى عدد من الجوائح تبيّن أن البروتوكول الساري حاليا بتونس مستوحى بنسبة كبيرة من بروتوكول فيروس إيبولا ولكنّه أشدّ صرامة وتقييدا (للاطلاع على الدليل، الرابط متوفّر)، وهنا تكمن الغرابة وقمة تعبيرات الهستيريا عندما تتملّك عقل الإنسان[1]

 

الصورة 1: تحضيرات الدفن بالنسبة لموتى فيروس إيبولا

 

 

[1] Comment inhumer sans risque et dans la dignité les personnes décédées de maladie à virus Ebola suspectée ou confirmée. OMS, Octobre 2014

 
 
 

وتتمثل أوجه الغرابة في تطبيق بروتوكول خاص بفيروس الإيبولا الذي تتجاوز نسبة وفيّاته 70 بالمائة في حين لا تتعدّي نسبة الوفيات المقدّرة حاليا للكوفيد-19 في أقصى الحالات 0.5 بالمائة. والأغرب من ذلك كلّه هو أن الدليل الإرشادي الذي صاغته المنظمة العالميّة للصحّة   OMSبخصوص الإيبولا يحث المسؤولين المحليين على احترام المتوفى والأسرة والسكان بشكل عام. كما قامت منظمة الصحة العالمية بمراجعات أثناء جائحة الإيبولا بخصوص تغيير إجراءات الدفن والتوصية بـ "الدفن الكريم والآمن" (DHS) إلى احترام الممارسات الثقافية والدينية بالاتفاق مع أسر الموتى.

وبخلاف ذلك وفيما يتعلق بجائحة فيروس كورونا المستجد، أصدرت منظمة الصحة العالمية دليلا إرشاديّا بتاريخ 24 مارس [1]2020 أتبعته بتحيين صدر يوم 4 سبتمبر 2020[2] ويحثان كلاهما على احترام الطقوس الدينيّة والثقافيّة في دفن موتى الكوفيد-19 والتشديد على احترام كرامة الميت وضرورة الحداد والوداع بالنسبة للعائلة مع التعجيل بالدفن واحترام شروط السلامة. كما يقر ذات الدليل الإرشادي للمنظمة العالميّة للصحّة أنه لا توجد حتى الیوم أي بیّنة على إصابة أشخاص بالعدوى نتیجة التعرض لجثة شخص توفي بسبب الإصابة بكوفید- 19.

 

 

 
 
 

بالرغم من كل هذه الدلائل والأدبيّات العلميّة الصادرة عن المنظمة المرجعيّة في مجال مقاومة الجوائح وهي المنظمة العالمية للصحة والتي تخالف تماما ما يتم تطبيقه في تونس من دفن للموتى في ظروف مهينة وتدنيس حُرمة الموت والزيادة في عذاب العائلات، فإنه يحق لي التساؤل عن أسباب مكابرة أعضاء المجلس العلمي رغم كل المطالبات والانتقادات ومواصلة الهروب إلى الأمام في الهذيان والهستيريا ... لاتُدار الدول بهذه الطريقة.

 

1.    المقترحات

1. الرجوع إلى العادات والنواميس الجنائزيّة المتعارف عليها مع تطبيق قواعد السلامة الصحيّة والتباعد الجسدي الدارجة الآن خلال المراجعة المُتوقعة والمُعلن عنها لبروتوكول دفن موتى الكوفيد-19 الذي أوغل في إهانة كرامة الميت وتدنيس حرمة الموت والدوس على كل النواميس الجنائزيّة التي اعتمدها الإنسان منذ البدايات الأولى للوجود الإنساني على الأرض حتى يتسنى له توديع من يحب والدخول في فترة الحداد. وسيترك البروتوكول الحالي آثارا نفسيّة عميقة على العائلات التي حرمت من توديع موتاها علاوة على التعقيدات البيروقراطيّة الكفكاويّة التي آنضافت وزادت في عذاب العائلات التي عليها أن تنتظر يومين أو ثلاثة صدور نتائج التحاليل لدفن موتاها ...

2. يتعيّن تشريك علماء ومختصّين في الأنتروبولوجيا وعلم النفس والديمغرافيا وعلم الاجتماع والإقتصاد في اتخاذ القرارات المصيريّة التي تتجاوز الدائرة العلاجية والوقائيّة لقطاع الطب كتحديد بروتوكولات دفن موتى الكوفيد-19 وقرارات الإغلاق الشامل وحظر التجول؛

 

من أنتم حتى تسمحوا لأنفسكم مصادرة حق الإنسان في الحزن وتوديع من يحب؟

 

ربّما نعيش هذه الأيام أحلك فترة من فترات الوجود الإنساني على هذه البسيطة وسيزيدها تعقيدا وجود أشخاص عديمي الكفاءة غالبا ما ينتظرون صدور نتائج مداولات المجلس العلمي الفرنسي لاتخاذ قرارات ...وما منع استعمال دواء الكلوروكين وعدد آخر من القرارات الغبيّة لأحسن وأبلغ ترجمة على ذلك.

إن لم يتم إحداث تغييرات على مستوى طريقة اتخاذ القرار بخصوص مقاومة هذه الجائحة المستجدّة فإننا نتجه نحو إرساء دكتاتوريّات صحيّة تعتمد تكريس الخوف والترهيب واستغباء المواطنين بعيدا عن كل مقوّمات العقلانيّة والحس السليم ...

 


*اقتصادي -استشاري في الحماية الاجتماعية


[1] الوقایة من العدوى ومكافحتھا في الإدارة السلیمة لجثث الموتى في سیاق جائحة كوفید-19apps.who.int/iris/bitstream/handle/10665/331538/WHO-COVID-19-lPC_DBMgmt-2020.1-ara.pdf?sequence=25&isAllowed=y 
[2] https://www.who.int/publications/i/item/infection-prevention-and-control-for-the-safe-management-of-a-dead-body-in-the-context-of-covid-19-interim-guidance

https://apps.who.int/iris/bitstream/handle/10665/149397/WHO_EVD_GUIDANCE_Burials_14.2_fre.pdf


[1] https://www.lemonde.fr/afrique/article/2020/04/19/en-tunisie-le-coronavirus-bouscule-les-rites-funeraires_6037080_3212.html

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter