alexametrics
أفكار

هل يمكن أن يُجهزّ دستور قيس سعيد البلاد إلى حكم عسكري ؟

مدّة القراءة : 4 دقيقة
هل يمكن أن يُجهزّ دستور قيس سعيد البلاد إلى حكم عسكري ؟

 

 سعيدة خماسي*

*صحفية مستقلة

 

صباح يوم الخامس والعشرين من شهر جويلية 2022، كان لي موعد مبكر مع مهمة ملاحظ متنقل في مكاتب الاقتراع بأحد مراكز ولاية بن عروس. وقد كانت مهمتي ضمن فريق جمعية عتيد ( الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات) المكوّن من بضعة أفراد لا يتعدون العشرة انفار. 

حينما وصلت مبكرا على الساعة الخامسة والنصف صباحا، كان باب مركز الاقتراع لا يزال موصدا، ولم أتبيّن غير عدد من عناصر الجيش، بعضهم مسلح كانوا مكلفين بحراسة المكان وتأمينه. 

وباعتبار صفتي كصحفية  ايضا، كان لابد ان اوثق اللحظة، حالما تبقى على حلول الساعة السادسة صباحا بضع دقائق، بتصويري لباب مركز الاقتراع الذي لا يزال مغلقا، ثم بعد ذلك فتح، ليس للاقتراع… وإنما انشغل رئيس المركز صحبة عدد من أعضاء المكاتب بتعليق لافتات كبيرة ترشد المارة بتحوّل المكان إلى مركز تابع "للهيئة العليا المستقلة للانتخابات" مخصص للاقتراع على الدستور الذي عرضه الرئيس قيس سعيد على الشعب التونسي للإستفتاء.

 

كان هاتفي المحمول بيدي أوثق عن قرب في كلّ التفاصيل، وكنت منتبهة جيدا لحركات وسكنات منتسبي الجيش الوطني من حولي، وسمعته جيدا يقول لزميله: "انها تصور ال… (كلمة لاذعة)" ! فهمس إليه زميله المسلح انه يعتقد ان القانون لا يمنع التصوير.

 

لم التفت للعونين وتظاهرت بعدم سماع ما قيل… لكن وقعُ ما حصل كان شديدا  في نفسي. ذلك أنني انخرطت خلال العشرية السابقة في عمل هيئة الانتخابات، وتعاملنا داخل المراكز مع مجندي جيشنا الوطني حيث كانوا على درجة كبيرة من المرونة والوطنية والانضباط في حراسة ونقل وتأمين العملية الانتخابية… وقلت في نفسي:"ما الذي تغير يا ترى"؟!

 

يومها رفض رئيس مركز الاقتراع قبولي كملاحظة تابعة للجمعية رغم استظهاري "بشهادة اعتماد ملاحظ محلي لاستفتاء 2022"، كنت قد تلقيتها من هيئة الانتخابات قبل موعد الاستفتاء بيوم. بل المثير للدهشة ان ممثل هيئة الانتخابات رفض الاعتراف بتسليم  مثل تلك الشهادة خلال اتصال هاتفي معي ومع رئيس مركز الاقتراع !! فاضطررت للمغادرة دون أن انجز عملي !

 

 

دستور قيس سعيد لم يشر الى "كفاءة" رئيس الحكومة.

 

هذا دستوركم قد مر أيها التونسيون بنسبة تجاوزت التسعين بالمائة من المقترعين! وسيكون طبق فصوله رئيس الجمهورية هو "الفاتق الناطق". 

لكن أكثر من سبعين بالمائة من الجسم الانتخابي التونسي كان إما مقاطعا او شارك وصوت ب "لا" او لم يكترث لنداء رئيس الجمهورية بضرورة التصويت! 

هذا الجسم الاجتماعي الضخم  سيحمل قيس سعيد مسؤولية الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فضلا عن تصرفات واخطاء وزراء حكومته وافراد عائلاتهم، بل، وخاصة تصرفات أعوان وزارة الداخلية والجيش الوطني، على اعتبار انه "القائد الاعلى".

 

ان دستور قيس سعيد الذي وافق عليه المقترعون، أسند مهمات ضخمة لرئيس الحكومة، الذي سيعينه  بنفسه (الفصل 101). لكنه لم يتطرق الى خلفية ودرجة كفاءة الشخص الذي سيتولى هذه الخطة!  

وعلى اعتبار حالة الاحتقان السياسي في البلاد، والتحدي الامني الذي سيكون على رئيس الجمهورية السيطرة عليه، لا بد ان يكون لرئيس الحكومة "موهبة" أمنية ، قبل أي كفاءة ادارية أخرى..

إن أي رئيس حكومة في قادم الايام والسنوات يمكن ان يضطلع بصلاحيات رئيس الجمهورية كاملة او مجزءة ، حسب نص التفويض الذي يحصل عليه (الفصل 104). فيما لم يشر الدستور الى شكل وظروف سحب ذلك التفويض. 

 ان رئيس الحكومة المستقبلي لن يكون مسؤولا أمام  مجلس نواب الشعب، فاذا حصل على تفويض من رئيس الجمهورية ، لأي سبب كان، وأصبح هو نفسه رئيسا للجمهورية عمليا، لن يكون بمقدور مجلس نواب الشعب حتى تقديم لائحة لوم ضد حكومته!! 

ومن مهام رئيس الحكومة اقتراح التسميات في الوظائف العليا المدنية والعسكرية في الدولة وكذلك تأشير الاوامر الترتيبية (الفصل 105). 

فماذا لو كان رئيس الحكومة ذو خلفية أمنية عسكرية؟!

 

حالة من الالتباس!

تأتي الفصول 107 و 108 و 109 على دراسة حالات "تعذر ممارسة المهام" من قبل رئيس "الوظيفة" التنفيذية، دون ذكر شكل ذاك التعذر (الفصل 107) حيث يكلف بأمر، رئيس الحكومة ، الحائز على الثقة التامة، بمهام الرئيس (على الدولة والحكومة معا بما فيها القوات المسلحة).

 

ويفترض الفصل 108 أن يقوم رئيس الجمهورية بإعلام مجلس نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم بتفويضه "المؤقت" لرئيس الحكومة. ولا نتبين هنا أهمية ذلك الإعلام والحال أن لا سلطة للمجلسين على الحكومة ولا على مهام رئيس الجمهورية التي سيضطلع بها !!

وبما ان الدستور لم يوضح "حالة التعذر" تلك، فان الالتباس يتعقد اكثر في الفصل 109، المخصص " لحالة الشغور" !  اذ أن تولي رئيس الحكومة مهام رئيس الجمهورية ليست "حالة شغور". 

 

فماذا لو كان رئيس الحكومة ذو خلفية عسكرية يفرضه الوضع الامني في البلاد؟ خاصة في ظل رفض جل الطوائف السياسية للمسار الذي سلكه قيس سعيد منذ البداية، وكذلك حالة الارتياب التي تعاملنا بها الدول ذات الانظمة الديمقراطية وتوجسها من سقوط تونس في مربع الاستبداد؟؟

 

حينئذ يمكننا ان نتصور وضعا سياسيا يكون فيه رئيس الحكومة مكلفا بمهام رئيس الجمهورية ثم طالت كثيرا حالة "المؤقت" لأي سبب من الاسباب!

لا أحد يمكن ان يزحزح "الرئيس المكلف" من منصبه … وذاك طريق يؤدي البلاد الى المجهول!!

 

لا يمكن لرئيس المحكمة الدستورية اثبات حالة شغور منصب رئاسة الجمهورية (حسب الفصل 109) اذا ما اظلع بها رئيس الحكومة ، ودخل رئيس الجمهورية في ظرف  صحي صعب لا يمكنه خلالها التصرف بتغيير أي شيء!

تذكرت هنا حوارا قصيرا دار بيني وبين أحد كبار الاطباء حين زرته في عيادته وعلم انني  صحفية، اذ تساءل "من الذي يشجع رئيس الجمهورية على التحرك في كل الاتجاهات الى حد تغيير نظام الحكم يا ترى" ؟! اجبته ، بابتسامة:"لست أدري"!

يذكر ان الدستور لا يفرض على القائم بمهام رئيس الجمهورية وهو رئيس الحكومة، ان يؤدي القسم القانوني التزاما بارجاع امانة الحكم الى الشعب او ممثليه في المجلسين.

ان الفصل 109 لا يخص حالة تولي رئيس الحكومة مهام رئيس الوظيفة التنفيذية، اذ هو يتطرق الى وضع مختلف.

ان الفصل 110 (الذي يعنى بالحصانة المطلقة لشخص رئيس الجمهورية وبتطبيق آجال سقوط الدعاوى ضده بالتقادم، وعدم محاسبته عن الاعمال التي قام بها في اطار آدائه لمهامه) يمكن ان ينطبق على رئيس الحكومة اذا ما تولى مهام رئيس الجمهورية وبتكليف منه… خاصة في ظل غياب أي ضوابط دستورية في هذا الصدد!!

 

التحديات ضخمة! 

 

كل فرد من افراد الشعب التونسي يحب بلاده بطريقته وينظر اليها من الزاوية التي يختار.

غير ان دروس التاريخ التي حفظناها عن ظهر قلب لم تكن غير تضاريس من الاحداث: مرتفعات ومنخفضات ومنعرجات واهتزازات ومياه عميقة ومحيطات… فضلا عن المعارك والحروب الاهلية والمجازر والسقوط المدوي والوقوع بين مخالب الاستعمار بسبب اخطاء الحكام وجهلهم وانانيتهم وكذلك تضخم الانا الفرعوني لديهم.

مامن مواطن تونسي لا ينتظر انفراجا اقتصادي وارتفاع في دخله الشهري وتوفر لقمة عيش لابنائه وسقف يأويه من الخوف ومن غدر الزمان. فهل سيكون هذا الهاجس في برنامج أي رئيس حكومة قادم؟ 

وكيف ستتفرغ الحكومة للشأن المالي والاقتصادي والاجتماعي فيما التحديات الامنية الوطنية والاقليمية والدولية تبدو جمة في مستقبل الشهور والسنوات؟

ان قوة منصب رئيس الحكومة ،حسب الدستور الجديد، وتمتعه بمجال من حرية التصرف وعدم المساءلة امام الشعب ،برغم انه غير منتخب ، ستجعل مقاومة اخطائه وزلاته الكبرى والصغرى ذات منحى عنيف على المستوى الشعبي والسياسي ايضا. أما اذا تحصل على "التكليف" المشؤوم وكانت له خلفية عسكرية فتلك المصيبة الكبرى!!

سيحتاج التونسيون للامن كما سيحتاجون للقمة العيش، واتمنى ان لا تتم مقايضتهم بالامن مقابل تنازلهم عن حرياتهم السياسية وعن اشكال احتجاجهم…

فلتعش تونس على مر الزمان حرة أبية.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter