alexametrics
أفكار

يوم من حياتي في دولة المختار (2)

مدّة القراءة : 2 دقيقة
يوم من حياتي في دولة المختار (2)

 

سيماء المزوغي


ذهبت إلى دولة المختار، أقصد إلى عيادة طبيبي النفسي، سميته كذلك لأني اخترته بين المعبّرين والمفسّرين وكل المختارين، وهو بمثابة الدولة داخل رأسي، عندما لا أجد بوصلتي، يدلّني على الاتجاهات ويبيّن لي الشمال من الجنوب.. وهذا لا يعني أنّي أعيش في دولة سميتها أيضا دولة المختار.. وأيّ مختار!

كنت في طريقي إلى العيادة أستمع إلى الراديو، وأغيّر من إذاعة إلى أخرى، لم أكن أرغب في الاستماع للأخبار ولا للنقاشات.. الموجة الإذاعية الأولى تتحدّث عن تغيير الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وردود الأفعال على ذلك وما قد يحمله أبعاد خطيرة،  موجة إذاعية أخرى تتلو ما تيسر من برامج ومواعيد حكومية، وموجة إذاعية أخرى وأخرى وأخرى  تتحدّث عن دبارة اليوم.. كانت آخر موجة تتحدّث عن المسلسلات لتعقبها الأخبار التي تتحدّث عن فوز ماكرون وعن محاكمة أشخاص بتهمة الإفطار العلني في رمضان.. نزعت السماعات عن أذني وجلست أمام المختار..

في الحقيقة أتمنى في العديد من الأحيان أن أقذف هذا الطبيب بحجر، يستفزني إلى أبعد الحدود، ماكر يستطيع أن ينزع عنّي أقنعتي بسؤال مراوغ وهذا ما لا يرضاه خيالي المريض، ولا أقبله سريعا، لأنّي أدعي معرفتي المطلقة لنفسي، ربما هذا نسبي ولا يخلو من غرور..

كنت مرتبكة ومربكة ومشوشة كالتغيرات المناخية تماما ! حتى أنّي أستاء وأغضب وأحزن في الوقت نفسه، ثم أتكلم باستهزاء ولامبالاة وتكبّر، وتحاصرني صور عنيفة كأن أضغط على زر قاذفة صواريخ على منصاتها وأطلقها على الجميع، وكأن أحمل رشاشا برصاصات لا تنتهي أوجهه حيث أشاء وضد من أشاء.. وأكون في تلك اللحظة مثل شرشبيل المشعوذ الشرّير، بين قوسين كم أكره السنافر! تحاصرني الصور العنيفة وأتمنى لو كنت في بعد آخر حتى أفعل ما يحلو لي.. كما تحاصرني أسئلة لا حصر لها كأن "لما كل هذا الصمت؟ لماذا سكت الجميع فجأة؟ ما الذي يحدث حقا؟ ما هذا العبث؟ أين نحن من نحن؟ وأين أنا من الذي يحدث؟ وما هذه السكون واللامبالاة العامة بكل شيء وفي كل شيء؟ هل تهسترنا جميعنا بأشكال مختلفة؟ 

 ثم أصرّ أنّ بي مس من البارانويا ينتابني من حين إلى آخر، نهرني المختار عندما شخّصت نفسي، ليسألني سؤالا لئيما مثله، هو الجواب نفسه :" ألا ترين أن هذه الصور والانفعالات تتكرّر بمظاهر مختلفة عند موعد دورتك الشهرية؟".

تمنيت مرّة أخرى أن أرميه بحجر! استدرك وسألني: "ماذا عن أحلامك مؤخرا"؟ في الحقيقة، في عالم الأحلام، كل يفعل ما يريد، وما يحلو له، غير أنّ حلمي هذا لم أكن لأريده، وأبدا لم أختره وكم أزعجني وكم أكرهه! نعم أكرهه ..

رأيت أنّ عصفورا نقر رأسي فأصبحت أفكّر بنمط تفكير عجيب، يجعلني لا رأى إلا لونا واحدا وعميت عن الألوان أو أراها خافتة للغاية، ثم فقدت ثقتي بكل الناس، كنت أرتاب كثيرا من رؤيتهم وأشعر بخطر شديد يتربّص بي، ويكنّ لي العداء ..وكنت أعيش في قلعة عالية جدا بعيدة عن الجميع، وكنت منعزلة في أغلب الأحيان.. لأني لا أثق بأحد، وتتراءى لي خصومات مع أشخاص لا أراهم وكنت دفاعية وعدائية في آن، ولا أقبل النقد أبدا، كأنه مسامير في صدري، وحملت شعورا عميقا بالإهانة.. ثم رأيت طاولة أمامي ومعادلات وكنت لا أقبل بالحلول الوسطية أبدا ولا أستطيع أن أسامح أو أتسامح لأجل هذا .. وكنت أناجي ربّي في الحلم بما أحمله من صدق وإيمان داخلي أن يتحسّن شأني..

لا أدري كيف تحملت كل تلك الأحاسيس المرّة في الحلم؟! وفجأة أصبحت رئيسة لفصيلة ما ..رئيسة للعالم، نعم للعالم الذي كان في حلمي.. وهل في هذا عيب ما؟ ولكني طوال الحلم لم أفرح كثيرا لما أصبحت عليه، كنت مستاءة طوال الوقت وأشعر بحزن شديد، أما الشعب الذي أحكمه فلم تكن فيه نساء أبدا، هكذا ! فأمرت حينها بصنع دمى بأسماء النساء ووضعتها في كل مكان.. ثم حدث أمر عجيب، إذ تحوّلت وجوه بقية الشعب الكريم إلى صورة عن وجهي، تحديدا يشبهون ملامحي في أسوء صورة من صور نفسي.. صورة الغضب .. ثم حملت رشاشا وصوبته على من يعترضني .. فمات الجميع..  وفجأة أصبحت الدمى النسائية حقيقة.. ولما نظرت  المرأة كنت أنا الدمية لأضرب المرآة برصاصة فتتطاير شظايا البلور على وجهي .. ومن هول الجروح التي كنت عليها أقوم مذعورة من الحلم ..

دوّن الطبيب حلمي الغريب وأخبرني أنّي قد أكون مجنونة بعض الشيء، ولكن لا شيء يدعو إلى الخوف والقلق والارتياب.. واتفقت معه على لقاء قادم..

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter