alexametrics
أفكار

"سكاي نيـــــــــوز عربيــــة!"

مدّة القراءة : 4 دقيقة

 

السيدات والسادة المحترمون في ديوان سيادة رئيس الجمهورية،

 

أتوجه اليكم بكل لطف  واحترام لأؤكد لكم حقيقة لا أعتقد أنكم تجهلونها ولم تعد تقبل الشك أو الجدل، وهي أن السياسة الاتصالية لمؤسسة رئاسة الجمهورية وتغطية نشاطات رئيس الدولة اليوم لا تختلف كثيرا عن الحالة المزرية التي عليها قطاع الإعلام، العمومي والخاص، في بلادنا من حيث إنها سياسة انتقائية ومنغلقة في شكلها ومضمونها، ولا ترتقي الى ما يصبو اليه التونسيون من المهنية والنضج والتعامل مع الرأي العام باحترام وشفافية وصراحة، سيما في الظروف العصيبة التي تمر بها بلادنا منذ إقرار رئيس الجمهورية الإجراءات الاستثنائية لإدارة الدولة يوم 25 جويلية.

 

أليس من المفروض والبديهي أنكم أيها السيدات والسادة، ومن منطلق مواقعكم في الدولة والمسؤوليات التي تتحملونها في خدمة التونسيين ورئيسهم، أول من يعلم أن وسائل الإعلام السمعية البصرية، الوطنية بدرجة أولى، تمثل المصدر الأساسي والأكثر انتشارا الذي تعتمد عليه شرائح واسعة من التونسيين للوصول إلى المعلومة ومتابعة مجريات الأحداث على الساحة الوطنية، لما تتميز به عن باقي الوسائط المكتوبة أو الرقمية من قدرة على تجاوز العوائق التي تواجه فئات عدة في المجتمع التونسي، مثل الأمية وضعف مهارات استعمال الحاسوب والأجهزة الرقمية الأخرى؟

 

سوف لن يجادلكم عاقل أو عارف بأوضاع قطاع الإعلام في بلادنا في أن حرية الرأي والتعبير التي اكتسبها التونسيون منذ 2011 لم تتجسد على أرض الواقع في وسائل إعلامهم بالمواصفات والقيم المهنية المطلوبة وبتقديم مضمون يرتقي بالذوق العام ويرسخ لديهم روح المواطنة والمسؤولية ويروج لقيم الحرية والعدالة والعمل وقبول الآخر، ويتصدى إلى الفكر الأحادي المنحرف الداعي الى التطرف والإقصاء والنعرات.

 

لكنكم تعلمون أيضا أن الإعلام العمومي في بلادنا لم تتوفر له أبدا الإرادة السياسية والإمكانيات المادية والبشرية الضرورية لإصلاحه وتأهيله على مستوى التشريعات والهياكل والموارد وآليات التسيير والتحول من منوال مُسَير وموجه من قبل الدولة، أو خاضع تماما لإرادتها ونزواتها، إلى منوال مستقل ومنفتح على كافة شرائح وقطاعات المجتمع والاقتصاد الوطني، ويضع الأمن القومي للبلاد فوق كل اعتبار بعيدا عن كافة أشكال النمطية والأحكام المسبقة والولاءات الضيقة.

 

فالسلطة السياسية لم تُبْد منذ 2011 أي اهتمام بإصلاح القطاع، إذ لا يهمها من المشهد الإعلامي العام سوى التحكم، اللصيق أو عن بعد، في كافة مفاصل الإعلام العمومي وشراء الذمم المتاحة في الإعلام الخاص، من أجل الهيمنة بكل ثقلها وعنهجيتها على المضمون الإخباري إلى درجة تتجاوز أحيانا في صفاقتها واستهتارها بقيم المهنية ومواثيق الشرف وبالرأي العام عموما ما كان سائدا في عصر الحزب الواحد والقناة الواحدة.

 

على صعيد آخر، لا يخفى عليكم أيها السيدات والسادة، أن الثورة التي طرأت على قطاع الاتصال في العالم جعلت من وسائل الإعلام والتواصل أدوات فعالة ترتكز عليها المخططات الإستراتيجية والتوسعية في القوى الكبرى ولدى الدول التي تمتلك موارد مالية ضخمة.

 

فقد استوعبت تلك الدول، ومن بينها دول عربية شقيقة تربطها ببلادنا علاقات وثيقة، مثل السعودية والإمارات العربية وقطر، أن استثماراتها في الإعلام يمكن أن تصنع لها نفوذا واسعا يتجاوز بكثير حدودها الجغرافية ووزنها الإستراتيجي، وأن النظام العالمي الجديد باتت وسائل الإعلام تسيطر فيه على الأفكار والمشاعر والسلوكيات بما يُمكن أن يخدم توجهات معينة بهدف التحكُم في الرأي العام وفي أنماط التفكير والسلوك المختلفة للأفراد والجماعات.

 

لذا أيها السيدات والسادة، فإن حالة الارتباك والانفلات و"اللخبطة" السائدة في المشهد الإعلامي الوطني، العمومي والخاص من وداخل الدوائر الإعلامية للعديد مؤسسات الدولة وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، لا يجب أن تكون مبررا لبعض الخيارات العشوائية غير محسوبة العواقب في السياسة الاتصالية لمؤسسة مرموقة مثل رئاسة الدولة التي يُفترض أن تبقى على نفس المسافة من وسائل الإعلام العاملة في بلادنا ولا تعطي الأفضلية في التعامل مع إحداها على حساب البقية إلا عند الضرورة القصوى.

 

كما لا يجب أن يتكرر ما رأيناه خلال الأيام القليلة الماضية من تفضيل قناة "سكاي نيوز عربية" لإجراء مقابلة حصرية مع مستشار رئيس الجمهورية تناول فيها مسائل جوهرية دقيقة تتعلق بانتظارات التونسيين بشأن تطورات المرحلة المقبلة، أو الحضور الحصري لهذه القناة بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة لتغطية جولة رئيس الجمهورية، قبل أن تنضم اليها القناة الوطنية، حيث خصَّهُما السيد الرئيس بتصريح مطول.

 

ما هكذا أيها السيدات والسادة يُفترض أن تُغطى نشاطات رئيس الدولة في هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية من تاريخ بلادنا. فمن بديهيات وقواعد الاتصال السياسي أنه عندما يكون رئيس الجمهورية بصدد مخاطبة مواطنيه في المباشر أو المسجل عبر قناة وطنية عمومية وبشأن موضوع وطني، لا يجب أن يظهر إلى جانب ميكروفون تلك المؤسسة أي مكروفون آخر...

 

ومن بديهيات الاتصال السياسي أن السبق الإعلامي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمسألة وطنية دقيقة، يكون للرأي العام الوطني عبر وسيلة إعلام وطنية، سيما وأن السيد المستشار وليد الحجام لا يبخل بالظهور في الإعلام الوطني وكان من ألأجدر به منح سبق التصريح حول الدستور للإعلام الوطني. 

لقد وجهتُ من هذا المنبر وبحكم عملي السابق في الإعلام القطري، بعد مرور أربعه أيام فقط على إعلان رئيس الجمهورية الإجراءات الاستثنائية، وعندما تبين لي أن تغطية وسائل الإعلام القطرية أو التي تمولها قطر في الدوحة وفي الخارج مثل قنوات شبكة "الجزيرة" و "العربي الجديد" وغيرها تفتقر إلى المهنية والنزاهة والموضوعية، وتنتهج التحريض والمبالغة والاصطفاف مع الذين لفظهم التونسيون، رسالة الى أمير قطر رجوته فيها إلزام الشبكات الإعلامية القطرية بقيم المهنية والتوازن والموضوعية وتحكيم العقل، لكن يبدو أن الرسالة لم تصل إلى صاحبها، إذْ ما زالت وسائل الإعلام القطرية تُصر على التعامل مع الشأن التونسي برعونة وغوغائية...

وفي نفس هذا السياق، فإن من حقي اليوم عليكم كمواطن قضى 40 عاما من حياته يعمل في الإعلام العربي والدولي، ومن حق كل التونسيين على دولتهم وعلى مؤسسة رئاسة الجمهورية وعلى سيادة رئيس الجمهورية، أن ندعوكم بأعلى أصواتنا إلى مراجعة عاجلة للسياسة الاتصالية لرئاسة الجمهورية بما يتلاءم مع متطلبات هذه المرحلة المفصلية والدقيقة جدا من تاريخ بلادنا، والتي لا يجب أن نخرج منها منكسرين بانتكاسة أخرى.

 

كما ندعوكم الى الابتعاد تماما عن الانتقائية والمحاباة أو التودد في التعامل مع وسائل الإعلام العربية والدولية المعتمدة لدينا، بقطع النظر عن مواقفها من التطورات الأخيرة في بلادنا، حتى لا نكون قد خرجنا من جلباب "الجزيرة" وأخواتها لندخل تحت جلباب "سكاي نيوز عربية" أو غيرها من القنوات التي معظمها مجرد أدوات في خدمة اجندات ومصالح البلدان والجهات التي تمولها وتوجهها...

 

لا أريد أن أقول الخروج من جلباب قطر والدخول في جلباب الإمارات أو السعودية...لأن هذا ليس موضوعنا وإن كان في جوهر المسألة. فكلهم أشقاءنا نكن لهم كل المودة والاحترام والتقدير، وإن حاد بعضهم عن طريق الأخوة، ولأن مصلحة هذا الوطن يجب أن تبقى فوق كل المصالح الانتهازية والحسابات الآنية الضيقة. والله من وراء القصد.       

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter