alexametrics
آراء

أزمة قيم

مدّة القراءة : 5 دقيقة
أزمة قيم

 

قرّائي الأعزاء، كل عام وأنتم بخير .. تمنياتي لكم بموفور الصحة والسعادة وخاصة الصحة فهي الأهم .. الصحة وحدها مسؤولة عن 90 بالمائة من مخزون إحساسنا بالسعادة، حسب شوبنهاور .. فلنحافظ عليها في زمن الكوفيد الذي يخلّف فيه المتحوّر "أوميكرون" عديد الضحايا في كل أرجاء العالم. 

 

نحن مقدمون لامحالة على موجة جديدة من وباء الكوفيد مع ما سينجرّ عنها من تزايد في عدد الوفيات وما سيتطلبه الوضع من إجراءات صحّية مقيّدة للحريات.

 

على الصعيد السياسي أمامنا استشارة وطنية واستفتاء شعبي وانتخابات تشريعية وربّما رئاسية .. على الصعيد الإقتصادي ستواجه الحكومة  أزمة مالية في علاقة بموارد ميزانية الدولة وتضطر عديد المؤسسات والشركات للإعلان عن إفلاسها في حين سيجد الشعب نفسه تحت وطأة تضخّم قد تكون نسبته من رقمين.

 

أليس من المفارقات أن أتمنى لكم عاما سعيدا ثم أعلن لكم مباشرة عن مؤشرات لا تدعو إلى التفاؤل ؟

 

هكذا هو حال البلاد نبدأ دائما بالأخبار السارة ثم بعد خطوات معدودات نُلحقها بالأخبار السيئة.

 

هكذا كان الحال في 14 جانفي ثم 25 جويلية .. كنا نأمل في مشهد سياسي جديد تعقبه انتعاشة اقتصادية، لكن للأسف لم يكن القادم أفضل مما سبق .. من المسؤول عن انكساراتنا وخيباتنا ؟ السياسيون، القضاة، الإعلام، خبراء الإقتصاد، الدول التي تتربّص بنا شرا، الإسلاميون، العلمانيون ؟  الجواب يكمن في كلمة واحدة: التونسيون .. نعم كل التونسيين دون استثناء مسؤولون عما يحصل لهم .. لماذا ؟

 

لنأخذ على سبيل المثال آخر "حدث" في سنة 2021، أي إيقاف (أو اختطاف) وزير العدل الأسبق، النائب النهضاوي، نور الدين البحيري .. عدد مهول من الناس ابتهجوا لمصيبته وصفّقوا لرئيس الجمهورية الذي وضع حدا لصولات وجولات أحد أكثر الإسلاميين المنبوذين والمكروهين في البلاد.

 

هل علينا الإبتهاج لمصائب الآخرين ؟ لست مؤهلا لإعطاء الدروس لأحد فكل إنسان حر في مشاعره وأحاسيسه .. هل علينا الإبتهاج أو التشجيع على الظلم الذي يمكن أن يتعرّض له شخص ما ؟ بالطبع لا ! في مقالتها الأسبوعية فسّرت إخلاص لطيف هذا المبدأ والمخاطر التي يمثلها تجاهل عدم احترام الإجراءات القضائية من قبل الدولة ..

 

جميعنا يتذكّر كيف أن نور الدين البحيري تدخّل لتمكين شقيقه المتحرّش الجنسي بالأطفال، من عفو أمضى عليه الرئيس الأسبق منتصف المرزوقي .. كما نتذكّر كيف أن رئيس بلدية طبرقة الأسبق، جيلاني الدبّوسي، توفّي دون محاكمة فور خروجه من السجن في فترة حُكم البحيري .. سامي الدبوسي نجل الفقيد تقدّم بعديد الشكاوى ضد نور الدين البحيري .. كما نتذكّر جميعا كيف أن محكمة التعقيب أذنت بإطلاق سراح الإعلامي سامي الفهري وكيف أن النيابة العمومية رفضت هذا القرار بأمر من نور الدين البحيري .. ونتذكّر كذلك كيف أن زوجة نور الدين البحيري زارت سامي الفهري في زنزانته لابتزازه : إما أن يخفف من حدّة الإنتقادات على قناته التونسية أو أن يبقى داخل السجن .. ومن منا لا يتذكّر كيف أن البحيري ابتزّ عشرات القضاة ومن منا نسي مداخلاته وتدخلاته تحت قبّة البرلمان وتهديداته في البلاتوهات التلفزية.

 

خلاصة القول سواء كان نور الدين البحيري في السجن أو في المستشفى أو أن زوجته اُغمي عليها أو أصيبت بنوبة عصبية فهذا آخر اهتماماتنا لأن نور الدين البحيري يمثّل كل ما نمقته في الإسلاميين، لكن أن يُحرم البحيري من حقّه في محاكمة عادلة فهذا ما يشغلنا بالفعل وهو أمر يهمّنا .. لماذا ؟ لأنها مسألة قيم، لأن الدولة لا تسيّر بالمشاعر والأحاسيس ولأن العدالة غير موجودة للتفاعل مع رغبات المواطنين بل مجعولة لتطبيق القانون على الجميع دون تمييز.

 

إذا كانت 2022 تلوح سنة سيئة وإذا يتحمّل كل التونسيين مسؤولية ما يحصل لهم فذلك لأننا لا نحترم المبادئ والقيم .. بلا مبادئ أو قيم لن نختلف في شيء عن الحيوانات .. دون احترام قوانين بلادنا وعيشنا المشترك لن يكون هناك أي سبيل للإنقاذ.

 

من صفّقوا لاختطاف نور الدين البحيري بتعلّة أنه من حثالة المجتمع وبالتالي فقد نال جزاءه، هم أنفسهم من لا يحترمون إشارات المرور حينما لا يوجد شرطي عند مفترق الطرقات أو يلقون بالقمامة على الأرض ويزعجون راحة جيرانهم بضجيج تلفزيوناتهم ويبحلقون في صحنك في المطعم وفي مشترياتك في الفضاءات التجارية .. فلنحترم القيم الكونية ولنحترم قوانيننا وحينها ستصبح بلادنا شبيهة بسويسرا في ظرف خمس سنوات .. لكن في انتظار ذلك لا شيء يختلف فينا عن الشعوب المتخلّفة حتى لا أقول المتوحّشة.

 

رئيس هذا الشعب إسمه قيس سعيّد وهو منتخب بنسبة 71ر72 بالمائة من شعب هو يشبهه.

 

هو أيضا تحرّكه هذه الغريزة الوضيعة المتمثلة في الإبتهاج أمام مصائب الآخرين، بداعي الإنتقام .. كذلك الشأن بالنسبة إلى الرئيس الأسبق منصف المرزوقي وكيف أنه كان ينعت رموز النظام السابق ب"الأزلام" .. دارت الأيام وها أن المرزوقي يكتوي اليوم بنيران ما كان يفعله بالأمس. 

 

في كلتا الحالتين لابد من احترام دولة القانون .. رحل منصف المرزوقي وسيرحل يوما ما قيس سعيّد لكن الدولة باقية ويجب أن تكون هذه الدولة دولة القانون حتى نستطيع أن نعيش معا وإلا فإننا سنصبح في غابة .. وهذا ما يحدث منذ 25 جويلية: حالات من الظلم للوضع تحت الإقامة الجبرية دون حُكم قضائي .. الزج بعديد الأشخاص في السجن ثم إطلاق سراحهم، لأن القضاة لما يجدوا في الملفات ما يدينونهم به .. قرارات بالمنع من السفر ... بسبب روحه الإنتقامية، استعمل قيس سعيّد أجهزة الدولة لأغراض شخصية .. بسبب عدم احترام الإجراءات القضائية، حوّل منصف المرزوقي ثم نور الدين البحيري إلى ضحايا، في حين كثيرة هي التهم التي تدينهم.

 

قد يستحق نور الدين البحيري صدور حكم بالسجن بعشرين عاما في حقه، لكن يجب أن يصدر هذا الحُكم عن أحد القضاة في ختام محاكمة عادلة وليس عن "الأمير".

 

بإعطاء أوامره بالقبض على نور الدين البحيري، ليلة الإحتفال برأس السنة، فإن قيس سعيّد ضربه مسّ من المكيافيلية وهذا أمر مستغرب من طرفه.  

 

هذا "الشعب" الذي نصّب نفسه "الأذكى فوق الأرض" لا حديث له إلا عن هذا وتناسى وعده الرئاسي بإطلاق الاستشارة الوطنية .. لا أحد يهتم لكون هذه الاستشارة لم يتم إطلاقها، لأنه تم إيقاف البحيري.

 

هذا "الشعب" لن يرى كل الزيادات المفروضة في قانون المالية لسنة 2022 .. لا أحد يهتم بما أنه تم إيقاف البحيري.

 

هذا "الشعب" لن يرى كيف أن عديد الشركات ستعلن إفلاسها بسبب هذا القانون الذي تمت صياغته دون أي استشارة أو نقاش .. هذا لا يهم بما أنه تم إيقاف البحيري.

 

هذا "الشعب" لا يرى كيف أن الدولة لن تلجا للإنتدابات وستجبر الشركات على تسريح العمّال .. هذا لا يهم بما أنه تم إيقاف البحيري.

 

هذا "الشعب" لا يرى كيف أن الحكومة ليست لها موارد لتمويل الميزانية ولخلاص رواتب الموظفين وليست لها خطة بديلة في صورة ما يرفض صندوق النقد الدولي إقراضنا من جديد .. لكن هذا لا يهم بما أنه تم إيقاف البحيري.

 

هذا "الشعب" لا يرى كيف أن قيس سعيّد بصدد تقديم هدية من ذهب للإسلاميين وهي لعب دور الضحيّة .. وهو فن دائما ما أتقنوه .. الشعب لا يرى إلا ما أمام عينيه .. وهو وضع البحيري قيد الإقامة الجبرية في مكان مجهول وكذلك حين الزج ب"الأزلام" في السجون.

 

هذا "الشعب" لا يرى كيف أن قيس سعيّد بصدد إلهاء الرأي العام حتى يُنسينا أنه رئيس لا يلتزم بوعوده ورئيس بلا برنامج، يفضّل الهروب إلى الأمام، فضلا عن كونه لا يفقه شيئا في المسائل الإقتصادية وفي شؤون الدولة.

 

هذا "الشعب" لا يرى كيف أن قيس سعيّد يقول الشيء ونقيضه وهو بصدد تدمير الدولة التونسية.

 

هذا "الشعب" لا يرى كيف أن قيس سعيّد يتلاعب به .. وهنا عليّ أن أهنئه .. فقد ألهى الجميع يوم 31 ديسمبر بحكاية القبض على نور الدين البحيري .. حتى أننا كدنا ننسى أنه لم يقدّم لنا التهنئة بمناسبة حلول العام الجديد كما كدنا ننسى كيف كذب علينا قبلها حين أعلن أنه غير مسؤول عن التتبعات القضائية في حق منصف المرزوقي.

 

فماذا كانت نتيجة الإيقافات الجائرة والملاحقات القضائية بالجملة في 2011 ؟ ماذا كانت نتيجة التجاوزات الكبرى التي أتتها الترويكا وهيئة الحقيقة والكرامة والتكتل من أجل الجمهورية والإسلاميين ؟ عشرية من الكوارث .. هذا تماما ما يحصل اليوم في عهد قيس سعيّد، رغم مرور 11 عاما.

 

ليست سنة كارثية تنتظرنا .. إنها عشرية سوداء نستعد لها، بما أن هذا الشعب لا يحترم القيم الكونية التي تجعل منا بشرا متحضّرين وبما أن "الأمير" لا يحترم القانون الذي يجعل من دولتنا دولة القانون.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0