alexametrics
أفكار

بدم بارد

مدّة القراءة : 3 دقيقة
بدم بارد
طالما سألت نفسي كيف لا يشعر منتسبو حركات الإسلام السياسي بقيمة الوطن ويثبتون بالمناسبة وبدونها ولائهم للخارج الذي يكون دائما مقر إقامة القيادات الدولية للتنيظيمات التي يدينون لها بالولاء.
 
كانت وجهة النهضة أول الأمر مصر لأن الإخوان وصلوا للسلطة ثم تحولت لقطر وتركيا لأنها أصبحت مقرا لقيادات الإخوان بعد أحداث رابعة.
 
وبعد تجربة حكم النهضة طيلة 10 سنوات في تونس تأكدت أن حركات الإسلام السياسي لا تدين مطلقا بالولاء للوطن بل يكون همها الوحيد البحث عن مركز ثقل دولي ترتمي في أحضانه وتعرض خدماتها مجانا لمصلحته على حساب بلدها لأنها لا تعترف ببلدها.
 
عندما لا يشعر الإسلاميون بالإنتماء للوطن ولا يشعرون أن الشعب إلى جانبهم ولا يأمنون ولاءه وطاعته فهم يندفعون للاستعانة بطرف خارجي حتى يستقوون به على الداخل لأنهم لا يشعرون بالقوة في الداخل وهذا الداخل يشكله الشعب وكذلك كل الخصوم السياسيين وكل المنظمات الوطنية. وقد ذهبت حركة النهضة بعيدا مع الإتحاد العام التونسي للشغل في أيامها الأولى من وصولها للسلطة تجاوز العنف إلى تأسيس إتحاد موازي هو الآن في عداد الأموات.
 
هذا ما أثبته راشد الغنوشي خلال العشر سنوات في السلطة من خلال تنقلاته الفجئية حتى وهو على رأس البرلمان إلى تركيا للقاء أردوغان بعد كل أزمة وكيف حمد الله علنا بعد سقوط قاعدة الوطية في ليبيا بين يدي الجيش التركي وهنأ السراج بهذا النصر العظيم وقد كان هذا ربما مقبولا لو سقطت على يد الليبيين.
 
المهم وبالرجوع إلى تاريخ صراع الحركات الإسلام السياسي مع الأنظمة القائمة كان صراعا على السلطة للوصول إلى الحكم ومن أدوات هذا الصراع هو التحشيد والدمغجة يبدأ بمعادات الدولة وأجهزة الدولة لينتهي إلى معاداة البلد كله دولة وأجهزة وشعبا وفصلا حادا بينهم وبين بقية الناس لأن هؤلاء الناس كانوا متواطئين مع النظام ولم ينصروهم وتركوهم لوحدهم يدفعون ضريبة التصدي للدكتاتورية بحسب توصيفهم وأدبياتهم.
 
من هنا يصبح الفصل بين حركات الإسلام السياسي ومحيطهم الإجتماعي فصلا حادا ترجمته حركة النهضة عند وصولها للحكم بالإستيلاء على كل شيء والسعي لوضع يدها على مؤسسات الدولة والإستئثار بكل المناصب والمنافع التي نوفرها السلطة.
 
لذلك لم تفكر النهضة يوما في الشعب وفي مشاغل الشعب ومطالب الشعب الذي كان الوحيد الذي ثار على المنظومة السابقة ليكتشف بعد 10 سنوات أن المنظومة السابقة كانت فاسدة لكنها أفرزت منظومة أفسد وأعفن منها وان الوضع الإجتماعي تحت المنظومة السابقة كان رخاء مقارنة بحكم الغنوشي وجماعته وان الهم الوحيد للغنوشي وللنهضة لم يكن تحقيق الشغل والحرية والكرامة الوطنية بل كان همها الوحيد هو عقد التحالفات التي تمكن النهضة من ربح الوقت والتسلل لمفاصل الدولة والمؤسسات حتى الإستيلاء عليها كلها وبعدها يسهل التخلص من كل التحالفات وتبرير هذه الإستراتيجية الماكيفيلية بالتكتيك - لذلك يسمون الغنوشي بالتكتاك - وكذلك تبرير التحالف حتى مع الشيطان بضغط الواقع وضيق الخيارات.
 
علاقة هذه الإستراتيجية بالسؤال الأول هو أن هذه الحركات لا تؤمن بالوطن ولا بالمواطنة ولا بكل مصطلحات القاموس السياسي الحديث لأنها ببساطة لا تؤمن إلا بنفسها فقط.
 
فالحقوق التي يضمنها القانون المدني هي في عرفهم حكرا لمنتسبيهم ومن والاهم والواجبات هي حمل يتحمله الشعب. ليكون خراجه إليهم وإلى السلطة التي يمسكون بتلابيبها ومتى تمكنت من الحكم واستحكمت بمفاصل الدولة تخرج وجهها الفاشي وتحكم مثل ما تحكم طالبان، يعني من لم يكن معي فهو كافر يجب قتله وتنسحب هذه القاعدة على الأصدقاء والحلفاء قبل الخصوم، لأن الأمور عندها تكون قد إستقرت على حكم شمولي.
 
لكن حساب الحقل ليس حساب البيدر.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter