alexametrics
آراء

راشد الغنوشي يشرع في المناورة عبر الضغط على الأزرار

مدّة القراءة : 4 دقيقة
راشد الغنوشي يشرع في المناورة عبر الضغط على الأزرار

 

بالنظر إلى الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الأسبوع المنقضي يبدو وكأن التاريخ يعيد نفسه .. كأن الزمن عاد بنا إلى سنة 2017 حين كان يوسف الشاهد وهو على رأس الحكومة، في مواجهة حامية الوطيس مع حافظ قايد السبسي وحركة النهضة .. في ماي 2017 كان الشاهد يخضع للضغوط من كل الجهات من أجل توسيع حكومته لتشمل بعض الشخصيات وقد راهن الكثيرون وقتها على أن رحيله وشيك لا محالة وقد يغادر القصبة حتى قبل الصائفة. ففي شهر ماي من سنة 2017 اشتعلت قضية الكامور لتشتعل معها ولاية تطاوين تحت وطأة الاحتجاجات المطالبة بتنحية يوسف الشاهد من رئاسة الحكومة .. وفي ماي 2017 أيضا أعلن رئيس الحكومة السابق حربه ضد الفساد .. كان الشاهد حينها يخوض عديد المعارك والحروب في الوقت ذاته لكنه لم يجد من يسانده.. من راهنوا على فشله (النهضة والنداء) كان يعتقدون القضاء عليه بقضية الكامور، لكنه في الأخير هو من تغلّب عليهم بفوز ساحق كاد يوصله إلى قصر قرطاج.. بقية الأحداث يعلمها الجميع إذ أنّه متأثرا بنشوة الانتصار، انتهى به الأمر بأن خسر كل شيء.   

 

في جانفي 2020 بلغت الأزمة السياسية في البلاد أوجها .. فالنهضة عجزت عن فرض الحبيب الجملي، مرشحها لرئاسة الحكومة،  بعد أن حققت فوزا صغيرا في الانتخابات التشريعية.. وطبقا لنص الدستور فإن رئيس الجمهورية هو الذي يقترح على البرلمان شخصية أخرى يرشحها لرئاسة الحكومة فأتى بإلياس الفخفاخ، شخصية فاجأت الجميع لكن مجلس النواب كان وقتها أمام خيارين إما القبول بهذا الرجل أو حل البرلمان .. وحرصا منها على عدم مزيد تمديد الأزمة واستعجالا في رؤية الشاهد يغادر القصبة، حاولت حركة النهضة المناورة من خلال الموافقة في مرحلة أولى على الفخفاخ، ثم إقالته في غضون ستة أشهر، بعد عرض لائحة سحب الثقة منه في صورة ما لم يكن متعاونا مع خيارات الحركة ومتماهيا مع خياراتها.   

 

إلى غاية جوان 2020، يبدو أن إلياس الفخفاخ لا تتوفّر فيها هذه الخصال وعليه أن يخوض بعض المعارك .. فالنهضة تريد توسيع الحكومة وأزمة اقتصادية حادة تكاد تعصف بالبلاد في حين أن سنده ضعيف أمام هذه المحن .. من كل حدب وصوب تأتيه السهام قصد إضعافه وهو السيناريو الذي عاشه سلفه في القصبة.

 

مثلما حصل في ماي 2017، ها أن جماعة الكامور يطالبون برحيل الحكومة.

 

وكما حدث في ماي 2017، يضغط البعض على رئيس الحكومة من أجل تشريك بعض الشخصيات الحزبية غير المرغوب فيها.

 

ومثلما حصل في ماي 2017، يتم الشروع في فتح بعض ملفات الفساد.

 

وها أن البعض اليوم يتحدّثون عن لائحة سحب الثققة من الحكومة مثلما تم الإعلان عن ذلك منذ جانفي الماضي.

 

وانطلاقا من مبدأ أنه لا وجود للصدف في السياسة، يمكننا الإستنتاج بأن البعض انطلقوا في تحريك الأمور والضغط على الأزرار من أجل خلق مناخ ملائم لتأزيم الأوضاع وإفشال الحكومة.. ومن يحذقون الضغط على مثل هذه الأزرار ليسوا كثر فهم يعدّون على أصابع اليد الواحدة وعلى رأسهم راشد الغنوشي الذي لا يشقّ له غبار في هذا الاختصاص.

 

في جانفي 2020 حين تم اختياره من قبل الرئيس قيس سعيّد، كانت الظروف مواتية وفي صالح إلياس الفخفاخ فالرجل كما يقال باللهجة العامّية "داخل في الربح خارج مالخسارة" .. بعد أن خاض تجربة الانتخابات الرئاسية وخرج منها بنسبة تصويت في حدود 0.34 بالمائة (ما يعادل 11500 صوت) فإن التاريخ سيذكر كيف أن شخصية حققت هذه النتائج الهزيلة في الرئاسية تتمكّن من الحصول على منصب رئاسة الحكومة.

 

ما إن تم تعيينه لتحمّل هذه المسؤولية، اندلعت أزمة تفشي الكوفيد 19، ثم الحجر الصحي الشامل، تلته الأزمة الاقتصادية وما تبعها من مخلفات.. بخصوص فيروس كورونا وبالنظر إلى العدد المنخفض جدا لحالات الوفاة في تونس ونجاعة السياسة الصحية، فإن الفخفاخ يكون قد نجح إلى حد بعيد.. على الصعيد الاقتصادي قام بإصدار عديد المراسيم الرامية إلى إنقاذ الإقتصاد الوطني والمؤسسات التونسية. أما على المستوى السياسي فقد توفّق في لعب دور الموفّق بين مختلف الفرقاء والأطياف السياسية.

 

بالنظر إلى كل هذه النتائج، في ظرف لم يتجاوز المائة يوم منذ تعيينه رئيسا للحكومة، فإن إلياس الفخفاخ قد يخسر كل شيء إذا لم يستثمر في نجاحاته.

 

الإختبار الأول الذي عليه أن ينجح فيه يتعلّق بالإقتصاد الوطني.. فالمراسيم التي أصدرها، ظلّت رغم حسن النوايا، حبرا على ورق.. الإدارة التونسية وتلك اللجنة الشهيرة "لجنة الإحاطة ودعم المؤسسات المتضررة من تداعيات وباء كورونا"، أفرغا كل تلك القرارات الحكومية من مضامينها .. وتبعا لذلك فإن وعود إلياس الفخفاخ ووزيره للمالية، نزار يعيش قد تتحوّل إلى مجرد شعارات.. إذا لم يتحرّكا لإيقاف الإجراءات البيروقراطية البالية لتلك اللجنة، فإن مئات الآلاف من مواطن الشغل ستكون على المحك وقد يخسرها الاقتصاد الوطني إلى الأبد.

 

الاختبار الثاني يتعلّق بالسياسة.. حركة النهضة تطالب الفخفاخ بإدخال تعديل على حكومته وتشريك وزراء جدد، خاصة من حزب "قلب تونس". في حواره التلفزي الأخير، استبعد رئيس الحكومة هذه الإمكانية. بعد يومين فقط من موقفه هذا يكتشف التونسيون "بمحض الصدفة" أن الفخفاخ له أسهم في شركة متعاقدة مع الدولة بموجدة ثلاثة عقود وأن هذه المؤسسة تعيش بفضل تلك العقود. في دول أخرى غير بلادنا، كان يفترض أن تطلق هذه الحادثة نقاشا حول أخلاقيات العمل السياسي، لكن يتم استغلال هذه الاتهامات لأغراض سياسية وسياسوية .. بعد ذلك بيومين فقط اندلعت أزمة تطاوين من جديد ...

 

لا ليست صدفة بالمرة ..إنها إشارات وتحذيرات خفيفة موجّهة إلى قائد عليه أن يقدّر ويعرف حدوده جيدا.

 

إذا لم يقبل بالخضوع لرغبات راشد الغنوشي والجلوس معه حول طاولة واحدة، فإن إلياس الفخفاخ قد يواجه حتما لائحة سحب الثقة .. يقال في الكواليس إن راشد الغنوشي مستعدّ كذلك إلى انتخابات جديدة.

 

الإختبار الثالث يتعلق بالجانب المالي.. خزائن الدولة فارغة والحكومة تتأهّب منذ الأسبوع الحالي إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي. فلو أن إلياس الفخفاخ يغضب المؤسسات والشركات الخاصة التي لم يقدّم لها شيئا يُذكر خلال الأزمة وكذلك البرلمان الذي لا يمكن الحصول على أي قرض دون موافقته، فعليه حينها أن يثق من كونه سيفشل في تلك المفاوضات مع صندوق النقد الدولي .. فالاختبار الثالث مرتبط وثيق الارتباط بالاختبارين الأولين.. وفي صورة الفشل فيه فإنه سيضعه أمام اختبار رابع يتمثّل في أزمة احتماعية خطيرة.

 

بعد أن ترأس الحكومة بشكل فجئي، قدّم إلياس الفخفاخ مردودا طيبا خلال المائة يوم الأولى.. لكن من السهل أن تكون الأول والأصعب من ذلك الحفاظ على هذه الصدارة .. فبوعود اقتصادية غير منجزة ووفاق سياسي مفقود، قد يرحل الفخفاخ بنفس السرعة التي جاء بها.

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0