alexametrics
آراء

تجوع المنيهلة، يكتبون بيانا لفلسطين...

مدّة القراءة : 2 دقيقة
تجوع المنيهلة، يكتبون بيانا لفلسطين...

13:00

 

يوجد 'حمّاص' واحد مفتوح. أتثاقل في طريقي إليه لأبتاع علبة سجائر. أزحفُ، لأنني لا أريد أن أعود إلى المنزل، أتباطئ بخفّي البلاستيكي الأبيض على رصيف البلدية اللّزج الذي عُقّم للتو، فصار طبقةً من الزَّبد الأبيض. كقوم موسى الذين شقّوا البحر وساروا بين جُدران الماء على قاع المحيط.. أمشي متثاقلةً أملأ عينيّ بالمُعجزات، فرحتي بالخلاصِ كفرحتهم. دعوني أمشي على كل الأرصفة.. مللت.

 

أحس أن خمسين سنة انضافت الى عمري منذ أن بدأ الحجر. كانت نظرة الأجيال السابقة لهذا الجيل نظرة تفاؤل، كانوا يظنون أن هذا الجيل سيكون محظوظا جدا، مثقفا جدا، سعيدا جدا. دعوني أخبركم، نحن جيل جبان جدا، متخاذل جدا، مُتعب جدا. مُثقل بخطايا الأجيال التي سبقتنا والان تطلب منا أن نكون الجيل الذي ينتصر.

 

لا.

 

13:30

 

وصلت. بقُفازي غسيل الأواني الصفراوين على كفيّه والأدعية مُتدحرجة إلى الكون من تلفازه الصغير المُعلق بالسقف، كان عمّ الحماص محميا من الشرور، كان في فُقاعة آمنة لا يمر بها ضرر، يسلي زبائنه بلسانهِ القصريني الشيّق. ليس لديكم فكرة، كم هي شهية لهجات الشمال الغربي والجنوب، وكم يحلو وقعها على مسامعي التّي لم يبلغها منذ زمن سوى حرف القاء الرّخو. أنتظر لسانه لينطق كلمة عتيقة منسية فألتهمها بشغف. أحتقرُ من غادر قريته الصغيرة وترك لهجته هناك فصار ظلا عديم الهوية.

 

16:00

 

التونسيون جائعون في المنيهلة.

رئيس مـا، منذ أيام، كان يتحدث عن فِلسطين.

 

نعم، فلسطين. من منطلق التضامن التاريخي، الذي نقترضهُ من اباءنا قبل أن نتعلم كيف نربط أحذيتنا. نحنُ نربى على كُره عدو بعيد وننكمشُ خوفا ثم ننفجر نقمة لذكره.

إتحاد الشغل أيضا يتحدث عن فلسطين.  لا أفهم؟ لم الان؟ التونسيون جائعون في دوار هيشر، أحرقوا الاطارات المطاطية وأغلقوا الطريق. فلسطين ماذا؟

 

 ماذا نفعل؟ نلبس كُوفياتنا ونُشّغل يا ظريف الطول ونرقصُ الدبكة على أسطح بيوتنا؟ قولوا لي، لأن ذلك هو شكل التضامن الوحيد الذي يعرِفهُ هؤلاء. أنا أسفة. لا يتجاوز وعيهم بالقضية الفلسطينة شُرب الشاي أمام التلفاز ولعن نتانياهو، أنا أسفة. منذ سنين وهم يشغلون الأغاني الوطنية ويُلقون الأبياتِ الثورية وينفعلون كما ينفعلُ الثور الإسباني الهائج أمام الحُمرة. منذ سنواتٍ، وعمي يصطحبني إلى المسيرات ويتخمّرُ بصوفية الخِطاباتِ ويرفع شعارات ضد اليهود. اليهود نعم، وليس الصهاينة. أنا اسفة لكنني مللت من النضال الاستعراضي، والتضامن المحشو بالفراغ والدموع. ماذا بامكاننا أن نفعل؟ ننظم مسيرة؟

زايدوا كما شئتم. أنا أسفة. التونسيون جائعون في حي التضامن.

 

أنا أعلم أنه وقت الوحدة ويجب أن لا نخلق عداوات تونسية-تونسية، لكن ذلك لا يعني أن نـُبارك الخطأ. سئمت سوق المُزايداتِ التي تصبح فيها فلسطين ملحا لتغيير طعم البيانات. أنا أعلمُ أنّ فلسطين لا تحتاج عاطفتي ولأنني واقعية، لن يجوع أخي ليأكل ابن عمي ولو قال ذلك الرئيس. امكانياتُ تونس مخصصة لتونس. وأنا أسفة لجشعي، لكن البطون الجائعة لا يمكنها أن تُناضل.

 

 فلسطين تحتاج عقـلانيّـة وتضامنًا منطقِيا صادقا نفتقر اليه في الوقت الراهن.

 

 فلسطين يا سيادة الرئيس، وأيها الإخوة تحتاج مقاومة راسخة، طويلة النفس، تحتاجُ عـِلما، تحتاج توثيقا للهوية، تحتاجُ تشريعات تجرّم التطبيع، تحتاج مقاطعة وعزلا للكيان ثقافيا واكادميّـا ويُمكنني أن أستمر للغد في لائحة ماتحتاجهُ فلسطين. هل حققتم أيا من هذا في زمن السلم، هل جرّمنا التطبيع؟ لا. كل مافعلناه هو أننا حررنا بيانات ومزيدا من البيانات. الحرب متواصلة، أما الأسلحة فتغيّرت. نحن بلا أسلحة! فماذا نفعل! فلسطين ماذا؟ هل تُصبحون أكثر ايمانا منا بأن "اسرائيل" كيان عنصري اجرامي، حين تذكرون فلسطين مجازا في بياناتكم؟ سيدي الرئيس، هاتف صديقك الذي يدوس على وجوه المصريين بجزمة العسكر، علّه يفتح لنا المعابر لنرسل المقرونة وسيرو الكّحة..

 

 

حان وقتُ تهديم الأصنام، ليس لدى هذا الجيل ما يخسر..

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0