alexametrics
آراء

عبير موسي .. هاذي البداية ومازال مازال

مدّة القراءة : 4 دقيقة
عبير موسي .. هاذي البداية ومازال مازال

 

مرّ شهران أو أكثر على توجهنا نحو صناديق الإقتراع بمناسبة الإنتخابات التشريعية ومازالت الحكومة الجديدة لم تتشكّل بعد.. لا شيء راوح مكانه منذ ذلك الحين .. لقد أضاع الإئتلاف الحاكم المنتظر شهرين من عهدته التي لم يتبقى منها سوى 58 شهرا عوضا عن المدة التي ينص عليها الدستور أي 60 شهرا. منذ شهرين يتلقّى نواب البرلمان منحهم دون أي جهد في المقابل.. منح يتحمّلها دافع الضرائب أي المواطن ومازلنا لم نشهد شيئا مما ينتظرنا من مآسي.. 

تم تكليف الحبيب الجملي بتشكيل فريقه الحكومي يوم 15 نوفمبر الماضي من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. ومازالت خطوات رئيس الحكومة المكلّف متعثرة بعد انقضاء ثلاثة أسابيع كاملة. 

آخر  ما لدينا من معطيات تشير إلى أنه لن يعلن عن تركيبة حكومته قبل بداية الأسبوع المقبل، علما بأنه نظريا وحسب ما ينص عليه الدستور التونسي عليه بإنجاز هذه المهمة في ظرف شهر قابل للتجديد مرة واحدة. فبإعلانه عن تركيبة فريقه الحكومي بداية الأسبوع القادم يكون الجملي قد تجاوز الفترة الدستورية الأولى .. فليواصل إضاعة الوقت كما يحلو له لكنه لا يعلم أنه ليس بصدد قتل الوقت بل إن الوقت سيقتلنا جميعا. 

 

لقتل الوقت تسعى حركة النهضة والحبيب الجملي إلى أن يشغلانا بكل الطرق المتاحة. ففي ظرف أسبوع نشر الجملي مقطعي فيديو تقدم فيهما ببعض الوعود لكنه لم يحرز أي تقدّم فهو ينتظر أن تقدم له حركة النهضة قائمة وزرائه وهي قائمة يفترض أنها جاهزة قبل حتى أن تجرى الإنتخابات .. وهنا يجدر التذكير بأنه ليس الحبيب الجملي من يعيّن الوزراء بل النهضة.

في غياب أمر يشغله فإن رئيس الحكومة القادم يشغل وقته كما يحلو له، فإذا به ينشر مقطعين على اليوتيوب ليقول لنا إنه ليس لديه ما يخبرنا به .. وبينهما يسعى الرجل إلى تلميع صورته، باستثناء تلك الجوارب ذات اللون البني الفاتح والزي الذي يعود إلى موضة التسعينات وربطة العنق كما أنه لم ينس حلق شاربه.

 

الحقيقة هي أننا منذ شهرين نمر بمرحلة رمادية (بين بين) لأن الحزب الفائز في الإنتخابات لا يعرف إلى أين يتجه ولا الفريق الحكومي الذي سيقود السفينة .. فالبلد بأكمله في حالة جمود انطلاقا برئيس الحكومة، مرورا بالمؤسسات والإدارات والمستثمرين ووصولا إلى النواب والأحزاب .. الجميع في حالة ترقّب وانتظار ..

 

حالة بطالة انتابتنا جميعا .. هي مفروضة علينا لكن ندفع ثمنها باهظا.. ولعل المشهد الذي نتابعه منذ الأسبوع الماضي تحت قبة البرلمان أكبر تجسيد لما يمكن أن تخلّفه هذه البطالة من مساوئ وعاهات..

فلولا حالة البطالة ولولا جهلها وقلّة أدبها وفظاظتها، لوجدت النائبة عن حركة النهضة،  جميلة الكسيكسي شيئا آخر تفعله عوضا عن شتم زميلتها عبير موسي ونعتها هي ومن انتخبوها بالباندية والكلوشارات.. فهي بفعلتها هذه تصرّفت مثل (حارزة في حمّام).

 

كما أنه لولا حالة البطالة السائدة ولو أنها تحلّت بقدر أكبر من التحضّر والأدب وزاد ثقافي أوسع لتعاملت عبير موسي مع ذلك الوضع بأكثر رفعة ورقي.. بتوخيها اللجوء للإعتصام ومنع السير العادي للجلسة العامة فإنها تصرّفت كما لو كانت صعلوك شوارع.

 

لماذا وصل بهما الحال إلى ذالك الوضع؟ الأكيد ليست حالة البطالة هي السبب الوحيد وراء ما حصل فالمسألة أكثر قرفا وأعمق بكثير من ذلك للأسف الشديد ..

 

في تدخلها خلال الجلسة العامة، حادت جميلة الكسيكسي بالنقاش عن المجال السياسي والإقتصادي لتذهب به إلى المطب الإيديولوجي ونعود بذلك إلى نقطة الإنطلاق أي ما شهدته البلاد في 2011 .. إسلاميون ضد علمانيين وثوريون وطنيون وضحايا ضد تجمعيين جبابرة .. وهو الميدان المفضل لدى الإسلاميين لأنه يلبسهم ثوب الضحية ويجلب لهم التعاطف .. وهو ما قامت به جميلة الكسيكسي حين تخفّت وراء لون بشرتها والإدعاء بأنها ضحية العنصرية .. رغم أن أصحاب البشرة السمراء لا يعاملون في تونس على أنهم أفارقة ولا يتعرضون لأي شكل من أشكال التمييز في القوانين و في نص الدستور (خلافا لليهود أو النساء مثلا) .. فانتخاب الكسيكسي أكبر دليل على عدم وجود هذه العنصرية التي تدعيها .. كما أن زوجها (أسمر اللون أيضا) هو رئيس مدير عام مؤسسة عمومية كبرى ..

 

هذه الحادثة تخدم مصلحة حزبها (النهضة) باعتباره ليس جاهزا بعد لتشكيل الحكومة ولا رغبة له في مناقشة مطولة لقانون المالية .. فبهذا التأخير لن يأخذ قانون المالية ما يستحق من وقت للنقاش وسيتم ذلك في كنف التعجّل وعدم الجدية المطلوبة وبالتالي ستتم المصادقة عليه بصفة استعجالية ومتسرعة مما يسمح لحركة النهضة بأن تمرر ما تشاء من فصول غير مرغوب فيها ..

 

هذه الأرضية الإيديولوجية تساعد جيدا عبير موسي التي لا تفقه كثيرا في الأمور الإقتصادية .. فقد فازت في الإنتخابات بفضل عدائها لحركة النهضة وليس بفضل برنامجها الإنتخابي  لذلك فهي تواصل سياستها على حساب مصالح البلاد والمواطنين ..

 

كما أن هذه الأرضية تساعد كذلك الشعبويين على اختلاف مشاربهم انطلاقا من سامية عبو ووصولا إلى راشد الخياري واللذين لم يفوتا الفرصة لبث البلبلة وصب الزيت على النار.

 

فإلى أين سيؤدي بنا كل هذا؟ صحيح أن كلا من النائبتين سجلتا بعض النقاط لدى جمهورهما لكنهما خسرا من حيث صورتهما واحترام الرأي العام الوطني والدولي لهما .. كذلك الشأن بالنسبة إلى صورة رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي وكافة النواب والطبقة السياسية.

 

فهل نتجه نحو خطر حقيقي قد يودي بنا إلى حرب أهلية فعلية مثلما كان الشأن في 2013؟ سيناريو يبدو بعيدا اليوم لكنه ليس مستبعدا.

 

لكن الأكيد أننا سنتجه نحو حالة من الضجر الشعبي فالشعب سئم هذا المشهد البرلماني الشبيه بالسيرك والمتواصل منذ 2011 والمؤسف أن الوضع يزداد سوءا من عهدة نيابية إلى أخرى..

 

 فبسبب التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة وبسبب صورة البرلمان الذي أصبح شبيها بفسقية حمّام تبث أحداثه عبر التلفزيون، لا يستبعد أن يلفظ الشعب نوابه عن قريب ويطالب بحل مجلس النواب  ..  

 

وهنا يأتي دور رئيس الجمهورية (نسبة شعبيته 80 بالمائة) للظهور وتقديم برنامجه البديل .. المعلّق برهان بسيّس سارع أمس إلى نشر تدوينة على الفايسبوك وليس مستبعدا أن يلجا قيس سعيّد حل البرلمان لإجراء انتخابات سابقة لأوانها قد يفوز فيها حزبه الذي لم يتكون بعد ..

 

كل الدلائل تشير على أنه بصدد التحضير لأمر ما .. فرفضه تسليم جوازات سفر دبلوماسية لأعضاء مجلس النواب ورؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان هو نوع من الإستفزاز لإجبار النواب على الخروج من مخبئهم والمطالبة بحقوقهم .. وهي عملية استفزازية قد يستحسنها "الشعب" باعتباره سئم الإمتيازات الممنوحة للسياسيين ..

 

يبدو أن مشروع قيس سعيّد في غاية الخطورة بما أنه يعتزم مزيد تقسيم التونسيين من خلال منح السلطة التقريرية لهيئات جهوية على حساب السلطة المركزية .. فالحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وكل الذين ساهموا في الماضي في توحيد التونسيين وتجميعهم حول دولة قوية وحديثة يتخبّطون اليوم في قبورهم، في حين يحتفي معمّر القذافي حيث يرقد.

 

(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0