alexametrics
آراء

آه لو يعترفون بعجزهم ..

مدّة القراءة : 3 دقيقة
آه لو يعترفون بعجزهم ..

بقلم : سفيان بن حميدة

 

 تتوجه الجزائر الى تغيير عميق في نظام الحكم بدعم من المؤسسة العسكرية التي ترغب في مسايرة هذا التغيير ومساندة الحراك الاجتماعي الذي تشهده البلاد منذ أكثر من خمسة أسابيع. وقد اقترح رئيس اركان الجيش الجزائري صيغة تراعي مقتضيات الدستور الجزائري لحلحلة الأزمة تتمثل في معاينة الشغور في منصب الرئيس بسبب المرض المزمن وهي صيغة توفيقية يصعب رفضها حتى من قبل أشد معارضي النظام القائم.

 

وقد شهدت تونس في نهاية الثمانينات من القرن الماضي وضعية مشابهة لوضعية الجزائر اليوم حيث ان الرئيس الأسبق زين العابدين بن على ارتكز على معاينة شيخوخة ومرض الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية مما مكنه من الاستيلاء على السلطة والتشبث بها من 7 نوفمبر 1987 الى 14 جانفي 2011 أي أكثر من 23 سنة كاملة. وقد عرفت حركة 7 نوفمبر التي قادها الوزير الأول الجنرال زين العبدين بن علي بالانقلاب الطبي لأنه اعتمد على تقارير طبية لإثبات عجز الزعيم الحبيب بورقيبة عن تحمل أعباء وظيفته الرئاسية.

 

ووجه الشبه الآخر بين ما حصل في تونس منذ ثلاثين عاما وبين ما يحصل اليوم في الجزائر هو عدم توفق قادة وطنيين في قيمة الحبيب بورقيبة وعبد العزيز بوتفليقة بالرغم من نضالاتهم الطويلة وتجربتهم الثرية من التقاط اللحظة المناسبة للخروج من المشهد السياسي الذي احتلوه لعشريات عديدة فاضطروا الى المغادرة والانسحاب من السلطة بشكل مهين لا يليق بحجمهم وتاريخهم. وللحقيقة فان التاريخ السياسي للعرب لم يشهد إلا قلة قليلة من القيادات التي قررت التنحي عن السلطة ملء ارادتها ولم يخرجها الموت أو الانقلاب من الحكم مثل ايلي ولد محمد فال في موريتانيا أو سوار الذهب في السودان أو لمين زروال في الجزائر. ذلك ان قرار التنحي عن الحكم ومغادرة السلطة والإقرار بالعجز عن مواصلة تحمل أعباء المسؤولية يحتاج الي كثير من الشجاعة والصدق مع النفس ومع الآخرين كما يحتاج الى جرعة من الرفعة والسمو.

 

فما ضر لو اعترف الرئيس الباجي قائد السبسي بعجزه عن تحقيق التوازن مع الاسلاميين واضطراره للتنسيق واقتسام الحكم معهم بشكل جعله يتراجع عن وعوده الانتخابية ويخيب آمال أكثر من مليون تونسية وتونسي. وماذا لو يتلافى الخروج من الباب الصغير فيعلن عدم ترشحه لولاية ثانية ويغلق الباب أمام المزايدات والمشاحنات ويسجل اسمه في تاريخ البلاد باعتباره أول رئيس للجمهورية تم انتخابه بتصويت شعبي حر ومباشر ثم يقرر التنحي تلقائيا ليحقق أول انتقال سلمي للسلطة في تاريخ البلاد.

 

وما ضر لو اعترف ابن الرئيس بعجزه عن تسيير الحزب الذي ورثه عن أبيه فخسر به كل المعارك السياسية والانتخابية التي دخلها وماذا لوقبل بواقع ان ابن الزعيم قد لا يكون زعيما بالوراثة أو بالضرورة وان مصلحة البلاد والحزب الذي يقوده قد تكمن في ابتعاده عن دواليب التسيير ولو الى حين.

 

وما ضر لو اعترف رئيس الحكومة بعجزه عن ادارة شؤون البلاد وأقر بان كل المؤشرات تدل على تدهور مستوى عيش التونسيين الذين أؤتمن على حياتهم وأرزاقهم. وماذا لو يتفطن الى نقص تجربته وقلة كفاءته في مجالات السياسة والقيادة والحكم فيخفف من جموح غرائزه ورغباته ويلجم بعض طموحه. فالأمر اذا زاد عن حده انقلب الى ضده والطموح الذي لا شيء يحده قد ينقلب الى تهور غير محمود العواقب.

 

وما ضر لو أقر النواب بعجزهم عن تحمل مسؤولية التشريع والمراقبة  واعترفوا بأنهم غلبوا مصالحهم الشخصية ومصالح أحزابهم على مصلحة الشعب الذي اتمنهم على أمره فخانوا الأمانة. أليس اشرف لهم أن يعتذروا لناخبيهم قبل أن يغادروا أم تراهم ما زالوا يراهنون على قدرتهم في استمالة الناس عبر وعود كاذبة واهمة.

 

وما ضر لو اعترف الاسلاميون بعجزهم عن طمأنة التونسيين على حياتهم ونمط عيشهم. وماذا لو يعترفون بأنهم أخطئوا في العديد من تقديراتهم وممارساتهم وانهم مقرون العزم على تغيير ما بأنفسهم حني يكونوا تونسيين لحما ودما وفكرا وممارسة.

 

وما ضر اعترفت الحزيبات السياسية المتناثرة بعجزها عن فهم مجتمعها فتقلع عن المكابرة والزعاماتية التي لا يبررها إلا تضخم الأنا لدى قيادات عسر فهمها عن استيعاب الواقع وتشعباته.

 

آه لو يعترفون بعجزهم...

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0