alexametrics
الأولى

عودة على حوار يوسف الشاهد: لا جديد يذكر، سوى قديم يعاد..

مدّة القراءة : 5 دقيقة
عودة على حوار يوسف الشاهد: لا جديد يذكر، سوى قديم يعاد..

مع نهاية الحِداد، ومضي تمام الأسبوعٍ على رحيل رئيس الدولة الباجي قائد السبسي، انزاح السوادُ عن وسائل الإعلام التونسيّة وكانت النساءُ اللاتِ شيعن "سي الباجي" بالدموع والزغاريد تنتظرن عودةَ المُسلسلاتِ الى الشاشاتِ الصغيرة، لتسليةٍ صيفية سريعة في انتظار التسلية القادمة، رئاسية - سبتمبر 2019.  

لكنّ الحدث الإعلامي مساء أمس لم يكن عودةَ الدرامَا التركيّة والسورية فحسب، بل كان حوار رئيس الحكومة يوسف الشاهد، حوار لم يكن مباشرًا لكنه حسب رواية الصحفي مكي هلال كان "في ظروف المباشر".. حوار نقلته مؤسسة التلفزة الوطنية العمومية، قناة حنبعل (التي لم تكن في حداد على رئيس الجمهورية- وظلت تبث المسلسلات التركية بصفة عادية) وكل من الإذاعة الوطنية وإذاعة شمس اف ام.

 

خلافًا لما كان متوقعًا، لم يعلن مؤسس حركة تحيا تونس عن ترشحه لكرسيّ الرئاسة، ولم يعلن عن إجراء- قانون جديد. كان فقط حاضرًا للإجابة عن أسئلة الصحفيين. وبقدر ما تبدو هذه الصورة إيجابية، أن يكون لنا إعلام حرّ يُساءل أعلى هرم في السلطة بكل حريّة، إلا أنّ الإجاباتِ المتوقعة والعامة لرئيس الحكومة لم تشفِ ارتباك الشعب الذي بحث في السهرة الإعلامية المُفاجئة عن جديدٍ، أو رسالة إحتواء وطمأنة لمن فقد رئيسه مؤخرا. لايمكنُ لومُ الشاهد فعلا، فالرجل ضيف عادي توجهه أسئلة الصحفيين الى ساحاتِ المواضيع، عكس الخطاب السياسي- الحوار الصحفي لا يعد في مكتب الإتصال لدى رئاسة الحكومة ولا يخطّهُ مستشاروه. نقاط عدّة، ومُـعادة، مرعليها الشاهد تاركا للسلطة الرابعة -سُلطتها في إدارة الحوار.

 

النقطة المضيئة في هذا الحوار الصيفي المباغت، أنه يعد أول مرة تحدث فيها الشاهد صراحة عن مشروعه السياسي الحديث تحيا تونس الذي ظل يتجنب الحديث عنه معللا ذلك بتداخل صفته كرئيس حكومة في السلطة وصفته كمؤسس حزب يهدف -أساسا- للوصول الى السلطة. حدثنا  الشاهد فقال، أن حركة تحيا تونس تعد في موقع أفضلي مقارنه بممثلي الصف الديمقراطي. لولا وجودها، لما كان الصف الديمقراطي في حالة جيدة.  "الغاضبون والمستقيلون من حركة تحيا تونس بسبب القائمات الانتخابية هو اثبات أن اختيار القائمات أمر صعب يشترط المصلحة قبل العاطفة والمشاعر.'' هكذا علق الشاهد على الاستقالات الجماعية من حزبه. لم يتحدث الشاهد عن تحيا تونس الا في خطاب وحيد في مؤتمر الحزب، علاقته بالحركة ظلت ضبابية رغم أن ما يقال في الكواليس أنه ''حزب الشاهد". لأول مرة، تحدث عن حزبه، عن الايجابيات والسلبيات بتحفظ ظاهر وتردد. وطبيعي أن يتردد ذلك أنه في موقع سهل ليتهم باستغلال المرفق العمومي في حملة انتخابية مبكرة من حراس البوابة، وغيرهم من غير المختصين الذين يدركون جيدا تضاد القانون الانتخابي مع استغلال وسائل الاعلام للاشهار السياسي منذ دخول الفترة الانتخابية رسميا.

 

نلحظ أن شبكات التواصل الاجتماعي وعلى مدى الأسبوع الأخير تردد فيها اسم عبد الكريم الزبيدي كثيرا، اشادة من التونسيين بحسن تنظيم جنازة الراحل قائد السبسي ومدى التزام الزبيدي بالبقاء مع الرئيس في ساعاته الأخيرة. رغم الزوبعة التي خلفها اسم وزير الدفاع والتي أدت الى حملة مناشدة شعبية لترشيحه للرئاسية لم يذكر الشاهد وزير الدفاع لدى حديثه المتلفز عن يوم الجنازة. اكتفى الشاهد بالحديث بصيغة الجمع "نحن" الحكومة"، "الوزراء" دون ذكر أسماء أو نسب الفضل الى أحد دون غيره. وفيما يذهب أغلب الظن الى أن تفادي اسم الزبيدي هو قرار مدروس حتى لا يتحول الحوار الى منافسة على كرسي الرئاسة بين رئيس حكومة ووزير، الا أن الشاهد خير أن يتحدث عن الحكومة  التي يرأسها قائلا أن ترتيبات الجنازة للرئيس الراحل تم تنظيمها عبر اجتماعين بإشراف رئيس الجمهورية محمد الناصر وتمّ رتب الأمور بمشاركة الوزارات المعنية من وزارة الخارجية والدفاع والداخلية والعدل لإتمام التراتيب بين يومي الخميس والجمعة وبحضور البروتوكول والأمن تحت قبة البرلمان/ دون نسب الفضل الى وزارة على حساب أخرى. في السياق ذاته وغير بعيد عن مسألة ترشح الوزراء أكد الشاهد أن ترشح الوزراء "أمر عادي" مبيّنا أن تحيا تونس لا تستبعد الحديث في استقالة وزرائها من الحكومة للتفرغ للانتخابات لرفع اللبس والتداخل. لم يكن رئيس الحكومة دقيقا، ولم يسم الأشياء بمسمياتها، ربما لتجنب خلافات بين رئاسة الحكومة والوزراء وربما هو اختيار لسحب موضوع الانتخابات من دائرة الحوار تماما والتركيز على الشأن الوطني في ثوبه العمومي- رغم أن الانتخابات شأن عمومي وجب على مؤسسة التلفزة الوطنية حسب خطها التحريري الناص على المصلحة العامة الخوض فيه دون خشية حساسيات، في نهاية الأمر لا تعنيها، حتى لا يستحيل الصحفي سياسيا بدوره- يخاف توتر العلاقات بين السياسيين.

 

نقطة أخرى فارقة في حوار الأمس هي الحديث عن الحليف السياسي أحيانا والعدو الايديولجي أحيانا، حركة النهضة. لم يكن الشاهد متعمقا لدى حديثه عن النهضة، هل هو تملص من الحركة، أم حرص على الديبلوماسية والتوافق؟ لا أحد يعلم، لكن مانعلمه أن الشاهد ما انفك يكرر أنه ليس مسؤولا عن وجود النهضة في الحكومة لأنه " ولم يأت بها يوسف الشاهد، النهضة موجودة في الحكومة منذ 2015 وجاءت للسلطة بالصندوق " على حد قوله. أكد أنه كان ملزما بتنفيذ ما جاء في وثيقة قرطاج التي شاركت فيها كل الأطراف السياسية.

 

الحديث عن محاربة الفساد، عكس النقاط الأخرى، لم يكن مقتضبا. يبدو أنه موضوع الشاهد المفضل. "مكافحة الفساد حرب طويلة المدى" حسب رئيس الحكومة، الذي بين أن غياب الدعم السياسي جعله "يقف وحده" أمام الفساد. وتابع أن "الفساد كلما وقعت مقاومته اشتدّ أكثر، الفساد عدو متستر.. وله نفوذ خفي.." الشاهد أصر أن محاربي الحكومة وحملات التشويه ضدها وضد شخصه كانت بسبب الحرب ضد الفساد التي قادها، السياسي "الشاب".

 

القانون الانتخابي كان له نصيب من الحوار السريع كذلك. رئيس الحكومة صاحب مبادرة تنقيح القانون الانتخابي الذي صادق عليها مجلس النواب بين أن الصيغة المعدلة  ليست مخصصة لإقصاء طرف وإنما تضمن بنود طبيعية كإشتراط بطاقة عدد 3 خالية من السوابق العدلية واستخلاص معاليم الجباية على المترشح للرئاسة "الذي يجب أن يكون مثالا على نظافة اليد". مبدأ تكافؤ الفرص حسب الشاهد يقصي من انتفعوا بالمال الأجنبي كالجمعيات ويمنعهم من دخول المعترك السياسي وخوض الانتخابات. الرد جاءه سريعا، في أقل من 24 ساعة، نجل الرئيس الراحل، حافظ قائد السبسي أكد صبيحة اليوم 2 أوت 2019  أن  موقف  نداء تونس  من قانون التعديل الانتخابي منسجم مع مبادئ تأسيس الحركة التي تنص على عدم الإقصاء مبينا أن موقف رئيس الجمهورية كان موقفه الرفض الصريح لختم القانون. حافظ علق على حوار الشاهد الذي تجنب فيه ذكر اسمه، معلقا أن الشاهد تعمد حجب إسمه خلال محاورته و الاقتصار على تسميته "ابن الرئيس" مشددا على شديد فخره أن يكون  ابن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي "زعيم مدرسة النضال الوطني و حامي الديمقراطية".

 

حوار عادي في مجمله، لا يحمل جديدا يُذكر. تسجيل حضور لعله يكون تذكيرًا أنّ الحكومة لم تنته عهدتها بعد ومازال أمامها رهان تنظيم الإنتخابات وضمان التداول السلمي على السلطة وتسليمها لرئيس جديد ومجلس جديد وحكومة جديدة. لكن نقابة الصحفيين كان لها رأي مغاير. أصدرت النقابة اليوم بيانا تبين فيه أن حوار البارحة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد يحد من مبدأ تكافؤ الفرص لمختلف الحساسيات الفكرية والسياسية والحزبية واعتماد تغطية متوازنة بين مختلف الفاعلين السياسيين. وتابعت أن مضمون الحوار مع رئيس الحكومة يثير مخاوف حقيقية حول نزاهة تغطية بقية المسار الانتخابي ويقوّض ثقة الجمهور في وسائل الإعلام العمومي خاصة إذ أن حضور رئيس الحكومة في التلفزة العمومية، حسب بيان النقابة، هو حضور رئيس حزب تحدث عن حزبه واستهل حملة انتخابية سابقة لأوانها في استعمال غير مبرّر لمرفق عمومي تُحُسب عليه الحيادية والنزاهة والموضوعيّة.

 

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter