alexametrics
الأولى

الاحتجاجات 'النهاريّة' تُواجه بالعنف أيضا !

مدّة القراءة : 3 دقيقة
الاحتجاجات 'النهاريّة' تُواجه بالعنف أيضا !

"الأمن الوطني أمن جمهوري قواته مكلفة بحفظ الأمن، والنظام العام وحماية الأفراد والمؤسسات والممتلكات وإنفاذ القانون في كنف احترام الحريات وفي إطار الحياد التام".
-الدستور

لأور مرة منذ حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، يتولى رئيس حكومة منصب وزير داخلية بالنيابة، وتتواصلُ المهزلة في انتظار اقرار أو رفض التحوير الوزاري. بـ"صرامته" المعهودة، لم يتطرق هشام المشيشي رئيس الحكومة خلال اجتماعه مع القيادات الأمنية العليا بوزارة الداخلية اليوم، الى تعامل الأمنيين مع المواطنين في التحركات الاحتجاجية.

 

صُور قمع التحركات وممارسات عناصر الأمن تجاه المواطنين والصحافيين تعيد للذهن موروث القمع السائد للجهاز الأمني، وتثير تخوفات من عودة دولة بوليسية.. العلاقة بين الأمني والمواطن ظلت تتأرجح بين والفخر بمجهوداتهم في محاربة الجريمة والارهاب وبين تصدّع وانعدام ثقة ترتفعُ خلال التجمعات ذات الصبغة الاحتجاجيّة وخلال شهر جانفي من كل سنة تاريخ عودة زخم الحراك الاجتماعي.


لم تُواجه الاحتجاجات النهّاريّة-السلمية بالعنف الشرعي اذا كانت وزارة الداخليّة تؤكد على رفضها فقط للتحركات الليلية؟ لم شهدنا في يومين عشرات الايقافات في صفوف مدونين وناشطين لم يكونوا من ضمن "المخربين"؟ في الواقع، ليست هذه الأسئلة جديدة ولا هذا السيناريو حديثا. كلّ هذه الأحداث تكرر من سنة الى أخرى في "ديجا-فو" مرضّي تُدار خلاله الاسطوانة ذاتها: مُخربون، قطّاع طرق، مندسون، أحداث شغب- تجريم للحراك الاجتماعي ثم سلسلة من المُحاكمات تليها تسوية سياسية من نوع ما.

اعتداءات متكررة من الأمنيين تهدم كلّ محاولات بناء علاقة صحية بين الأمني والمواطن عبر عزل الأمني عن دوره الاجتماعي وتصويره في ثوب الأداة القمعية للدولة وتضخيم الهوة بينه وبين المواطن مما سيزيد في قتامة صورة 'البوليس" و "الحاكم" في المخيال المجتمعي - اذ يبدو أنّ هذه العلاقة، يجبُ أن تبنى حصرا على الرّهبة والترهيب وليس على الاحترام والتشاركية.

 


لم يساند المشيشي مبدأ الاحتجاج السلمي، وحقّ التظاهر المكفول في الدستور، لم يخصص مداخلته سوى لادانة "تواتر أحداث التخريب والعمليات الاجرامية التي شهدتها عدة مناطق خلال الثلاث ليالي الفارطة من قبل عدد من المنحرفين ". بيان جاف نُشر على عجل تعليقا على الاحتقان الاجتماعي الذي تشهده البلاد، لا طمئنة فيه للمواطنين بخصوص حقوقهم المكفولة ولا توصية فيه على ضمان حق الاحتجاج، بل اختزال تام للتوتّر في الشارع التونسي في احداث الشغب المعزولة...


اذا سلّمنا جدلا بأن الاحتجاجات  الليلية لا تقودها أي مطلبية شرعية، واعترفنا أنّ التخريب ليس عملا ثوريا، فانه ما من تبرير من الجهة الأخرى للمبالغة الأخيرة في استعمال العنف والترهيب ضد المحتجين في وضح النهار، نحن نتحدث عنّ هرسلة وتعنيف شديد واستعمال مفرط موثّق للقوة واستسهال لاطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع في أيّ وقت وأي مكان. نحن نتحدث عن ايقاف قُصّر واحتجازهم دون محامين، والاحتفاظ بناشطين على خلفية تدوينات تُدين القمع البوليسي. لننسى أمر "المخربين" الذين يحتجون خارج التوقيت الاداري، التعامل الأمني مع الاحتجاجات العادية ليس سليما وما تنشره النقابات الأمنية على صفحاتها من انتهاكات لحقوق الانسان والمعلومات الشخصية ليس بطولات وليس حفظا للأمن العام، الأمن العام لا تهدده الشعارات المرفوعة سلميا في الشارع حتى يواجهها الأمن مثلما كان يواجه نظام بن علي معارضيه. تعامل الأجهزة الأمنية مباشرة مع الجماعات سواء في المسيرات السلمية، أو الأفراد في مراكز الشرطة تتسم بنوع من الاستعلاء والاستقواء تجعل الأمني فوق القانون في أغلب الأحيان في ممارسات تكاد تكون عمليات استعراضية.

 

الهوة تتسع بين المواطن ورجل الأمن والتوتر، في حين أن ما يحدث ليس خطأ المواطن ولا خطأ الأمني، فكلاهما ضحيتان لعشرية سوداء من السياسيات والحكومات الفاشلة التي تترك رجل الشرطة في صدام مع المواطن الذي لا يحتج -أساسا ضد الشرطة، بل ضد مركز القرار... ينسى الجميع أحيانا بأن الأمني هو مواطن أيضا.


قوات الأمن لم تتردد اليوم في تفرقة مسيرة سلمية باستعمال مكثف للغاز المسيل للدموع وبدفع المحتجين والتصادم معهم واقتياد بعضهم الى مركز "الساتيام بالعاصمة"، في يوم واحد، قامت قوات الأمن بمنع مسيرة عائلات جرحى وشهداء الثورة وقمعها ومن ثمّ اجهاض مسيرة المطالبة باطالق سراح الموقوفين على خلفية الاحتجاجات الأخيرة بمباشرة العنف ضد المحتجين وتوجيه الغاز مباشرة لوجهوههم مما سبب اختناقات واغماءات.


أحدُ أهّم سبل ارساء السلم الاجتماعيّـة هو سحب العصا الغليظة للقوّات الأمنية والتوقف عن معالجة الاتحركات الاجتماعية بمقاربة امنية وفرضُ مصالحة بين الأمني والمواطن تقوم على فلسفة ضبط الحكم الأمني في سجل "الأمن الجمهوري" الذي لا يمثل أداة لضرب المحتجين مثلما هو الحال في الأنظمة الأحادية والرجعية والبوليسية- بل شريكا في بناء الديمقراطية وتحصينها.

عبير قاسمي


تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter