alexametrics
الأولى

الانتخابات الرئاسية المبكرة: إشكالات تواجه هيئة الانتخابات

مدّة القراءة : 4 دقيقة
الانتخابات الرئاسية المبكرة: إشكالات تواجه هيئة الانتخابات

 

ظلت تونس بفضل ثورتها على نظام ديكتاتوري سنة 2011 شعلة من الأمل التي نجحت في رهانها وتمكنت من كبح جماح كل المتربصين وسعت دوما بفضل شعبها ومؤسساتها الى الحيلولة دون العودة للوراء. مثلت وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي نقطة فارقة في تاريخ الديمقراطية التونسية ودرسا مهما للشعب ولحكامه ولكل العالم الذي شاهد عن قرب وبمنتهى التمعن عملية انتقال سلس وديمقراطي للسلطة دون حدوث صدامات ولا ظهور عربات عسكرية ولا حالة طوارئ ولا حظر تجول، حيث انتقلت السلطة بهدوء وسلاسة تكريسا للتداول السلمي على السلطة والاحتكام للدستور.


حصل ذلك في تونس وليس في إحدى الديمقراطيات الغربية العريقة، إذ أبهرت تونس العالم من خلال إجتماع مختلف الفرقاء السياسيين حكومة ومعارضة في جنازة الراحل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وحضروا الموكب المهيب لتشييع جثمانه نحو مثواه الأخير وتناسي الجميع الخلافات في لحظة إنسانية.

 

نجحت تونس في برهنتها على قيم الجمهورية المتشبعة بها في عيد الجمهورية الذي يعتبر أكبر احتفال به ذلك المشهد الراقي في انتقال السلطة والاحتكام لدستور البلاد واجتماع هيئة الانتخابات لإقرار تقديم الانتخابات الرئاسية على التشريعية وإجراء تعديلات على الروزنامة الإنتخابية حتى لا تدخل المؤسسات في اللا شرعية أو يُخرق الدستور. لكن هذا التقديم في الرئاسية على التشريعية من شأنه خلق بعض الإشكالات والصعوبات التي تستدعي الحسم القانوني والاجتهاد لحلحلتها. وهو دورهيئة الانتخابات وهيئة مراقبة دستورية القوانين باعتبارها القائمة بمهام المحكمة الدستورية والشهادات على السير نحو الديمقراطية محفوف بالمخاطر ويتسم بالهشاشة خصوصا في حالة الفراغ المؤسساتي وعدم المصادقة على بعض الهيئات الدستورية الضرورية لإستكمال المسار.

 

وقد أعلنت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات أنّ 15 سبتمبر 2019 هو الموعد الجديد للإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها مبيّنة أن تقديم الترشحات سيكون بين 2 و9 أوت 2019. وقد تعاطت الهيئة مع حالة الشغور النهائي من منطلق الدستور وبإحترام الثلاثة أشهر التي سيؤديها محمد الناصر في منصب رئيس الجمهورية خلافا للراحل قائد السبسي إلى حين إجراء الانتخابات التي سيختار فيها الشعب رئيسه لمدّ الخمس سنوات القادمة.

وهذا التعديل فرضه الوضع الاستثنائي و الآجال المقتضبة التي افترضت التفاعل حينيا مع المستجدات وتقديم الانتخابات التي لا يمكن أن تكون في تاريخ 17 نوفمبر لأن ذلك يعّد خرقا لأحكام الدستور.

 

وكشف نائب رئيس الهيئة فاروق بوعسكر في تصريح إعلامي أنّ أكثر من 9 آلاف مترشح قد تقدّموا للانتخابات التشريعية وهم يتوزعون على 960 قائمة انتخابية منذ فتح باب قبول القائمات الى حدود الساعة الواحدة ظهرا من اليوم، مشيرا إلى أنه من المنتظر أن تشهد مكاتب الهيئة إقبالا كبيرا لإيداع القائمات في الساعات القادمة وقبل غلق قبول إيداعها وحسب الهيئة فقد بلغت القائمات 960 قائمة مقسمة إلى 470 قائمة حزبية و392 قائمة مستقلة و98 ائتلافية .

وأضاف أنّه سيتم غدا الثلاثاء الانطلاق في البت في القائمات وسيتم يوم 6 أوت الإعلان عن القائمات المقبولة، مشيرا إلى أنّ من تم رفض ترشحه بإمكانه اللجوء إلى القضاء في الدور الابتدائي والاستئنافي ليتم الإعلان عن القائمات النهائية للتشريعية يوم 30 أوت .

 

وبالنظر لمختلف هذه المعطيات والمواعيد نتبيّن أنه على الصعيد اللوجستي، سيتزامن موعد الانتخابات الرئاسية مع انطلاق الحملة الانتخابية للتشريعية التي من المزمع انطلاقها يوم 14 سبتمبر المقبل ، وبذلك سيكون هناك تداخل بين التواريخ، مما قد ينجر عنه تداعيات على القوائم المرشحة وعلى المرشحين، كما يطرح مخاوف بشأن قدرة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لوجستيا وماديا على تسيير العمليتين في نفس الوقت.

 كما أنه في حال المرور إلى جولة ثانية للاقتراع الرئاسي، فسيجري التصويت فيها خلال أسبوعين من صدور نتائج الجولة الأولى وبالتالي من الممكن أن تتزامن مع موعد التشريعية.

ولعل هذه المتغيرات قد تُحدث إشكالات بالنسبة للهيئة في مدى تكييفها للظروف واقتضاب الآجال لأداء مهامها، وصعوبات بالنسبة للمرشحين للرئاسية نظرا لضيق الوقت لإتمام إجراءات جمع تزكيات الترشح إذ لا يفصلهم سوى شهر ونصف على موعد الرئاسية.

وقد انطلق رسميا مرشح ائتلاف الجبهة الشعبية حمة الهمامي في جمع التزكيات لترشحه فيما أعلن عديد المرشحين المتحزبين والمستقلين عن ترشحهموكل المرشحين مدعوون لإتمام ملفات ترشحهم وتزكياتها قبل استيفاء الآجال التي أصبحت مضبوطة بين 2 و 9 أوت وهي الآجال المقتضبة التي لم تحسب لها الأحزاب السياسية حساباتها.

 

إضافة إلى ذلك فإن الإشكال الأخر الذي أثاره العديد من المختصين في القانون هو أن تقديم الرئاسية على التشريعية داخل نظام حكم برلماني كذا هو الحال بالنسبة لتونس من الممكن أن يسبب إخلالا في التوازنات وفي النظام العام وهو ما أكده مجيد بودن رئيس جمعية المحامين في القانون الدولي في باريس في تصريح إعلامي إذ أكد أن النظام التونسي بالأساس نظام برلماني ما يوجب تقديم الانتخابات التشريعية على الانتخابات الرئاسية، وبمقتضى ذلك إعتبر بودن أن تحديد تاريخ الاقتراع لاختيار الرئيس المقبل قبل الانتخابات التشريعية فيه مس بالنظام العام.

كما سيصادف التاريخ الجديد للانتخابات الرئاسية الذي فرضته الوقائع السياسية المتغيرة بعد حالة الشغور التام إشكالات أخرى لعلّ أبرزها التأثير على سير الحملة الانتخابية للتشريعية إذ يتزامن موعد الرئاسية مع انطلاق الحملة الانتخابية التشريعية التي من المزمع انطلاقها يوم 14  سبتمبر وهو ما من شأنه أن يحدث إرتباكا بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتداخل بين التواريخ، مما سيكون له تداعيات على القوائم المرشحة وعلى المرشحين، كما يطرح مخاوف بشأن قدرة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تقنيا على تسيير العمليتين في نفس الوقت.

كما أن الدور الثاني من الرئاسية الذي سيجرى بعد أسبوعين من إعلان نتائج الجولة الأولى من الممكن أن يحدث حالة من الاضطراب اذ من المرجح أن يتزامن مع موعد الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في 6 أكتوبر المقبل.

كما ستواجه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صعوبات قانونية تتعلق بوجود ائتلاف انتخابي وحزب سياسي يحملان نفس الحزب وهما الجبهة الشعبية وحزب الجبهة الشعبية مما يجعل من الهيئة وحدها التي تفصل الأمر بعد البتّ في الملفات وإعلان قرارها وحسب المعطيات ووفق تصريح نائب رئيس الهيئة فاروق بوعسكر فإن الأولوية في القانون للحزب السياسي قبل الائتلاف الانتخابي لحيازة التسمية والرمز،  مما سيفتح المجال للتأويلات والتجاذبات السياسية بين أكبر ائتلاف معارضة يساري والحكومة التي أعطت تأشيرة تكوين الحزب الجديد، والدخول في مسار التقاضي.

 

كل هذه المتغيرات الجديدة التي فرضتها الوقائع السياسية هي امتحان جديد لمؤسسات الدولة لتكييف الأوضاع والمستجدات بما يضمن نجاح العملية الانتخابية وسيرها في كنف الديمقراطية والشفافية وهو إنذار جديد بغياب المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية ودورها الكبير في حسم الجدال القانوني وهو ما من شأنه عرقلة المسار الديمقراطي المتسم بالهشاشة والتجاذبات خاصة والبلاد على مشارف انتخابات رئاسية مبكرة.

سناء عدوني

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter