alexametrics
آراء

الشفايف تبوس والقلب كلاه السوس

مدّة القراءة : 4 دقيقة
الشفايف تبوس والقلب كلاه السوس

 


 تعوّدنا أن نسمّي مزاج الغنوشي السياسي القُلّب " بالازدواجية" لكن بان جليّا أنّ هذه الصفة عجزت عن مواكبة الرجل في تقلّبات مزاجه فتوقّفت عن مسايرته وأعلنت عن قصورها. قد يذهب البعض، وخاصة من أتباعه المعجبين بمواقفه، إلى اعتباره رمزا للذكاء والدهاء السياسيين، ولذلك فهو لم يسقط في ايّ امتحان يواجهه، بينما يذهب البعض الآخر من مخالفيه إلى تصنيف مواقفه تلك ضمن خانة الكذب و" التملّص" من المسؤولية كلّما تعرّى موقفه، وهو أمر ينآى به كلّ سياسيّ يحترم أتباعه ومخالفيه. وسأبيّن ذلك:

  • خذ مثالا: هل تقف سيدي القارئ على أرضية واحدة تسمح لك أن تصدر حكما يفيد بأنّ الرجل ثابت في موقفه منذ هروبه إلى انقلترة إلى اليوم؟ لا، ما عدا فيما أستحضر حبّه لنفسه وحزبه. فقد عرف بكرهه المقيت للزعيم بورقيبة، وبلغ به الأمر أن أعلن عن رفضه الترحّم عليه، وربّما ازداد كرهه للرجل عندما أدرك تأثيره في الأرضية الاجتماعية بتونس. لكن وبقدرة قادر بدأ في التحوّل والتلوّن، وصار ينتقل إلى مدينة المنستير ، أملا في استقطاب جديد لأهل بورقيبة، وصار يترحّم عليه. وبقدرة قادر أيضا يفاجئنا ليلة العام الجديد بتهنئة تحمل عبقا بورقيبيا" كلّ الأمم والشعوب الناجحة حققت تقدمها بواسطة العمل ولا شيء غير العمل ، فليكن شعارُنا في هذه السنة الجديدة هو العمل الصّادق الجاد من أجل نجاح تونس وتقدّمها". إشارات في التهنئة أحالت التونسيين على عبارة بورقيبية " الصدق في القول والإخلاص في العمل" ، وسؤالي لزعيم النهضة: أنت سيدي تشير علينا بأن نخلص في عملنا فما هو رأيك في الصدق في القول؟ أليس الإخلاص في العمل رهين صدقكم في القول ولا يمكن البتة أن نحذف جزءا هامّا من المعادلة.
  • " الصدق في القول" : هل هي عبارة مهملة في خطاب الغنوشي؟ أعتقد أنّه استبدلها بعبارات أخرى تحمل أبعادا فلسفية لتتماشى مع التيارات التحديثية الإخوانية.. فكيف لسياسيّ أن يظلّ على صدقه في القول؟ أليس ذاك من مظاهر الجمود والموات؟ بينما السياسة تقتضي التغيّر والحياة؟ لكن حذار، هي حياة تنحو إلى التعاظم والخلود وليس إلى الفناء. فنحن في حيرة من أمر الرجل عندما نقف على موقف مختلف من بورقيبة ، فصار يعتبره " رجلا قاد الحركة الوطنية ووصل بالبلاد إلى الاستقلال وبنى الدولة التونسية فلا نملك إلا أن نترحّم عليه" ؛ وعدل عن نسبته إلى الإخوان، خصوصا بعد أن أفل نجمهم مع السيسي ليقول باحثا عن تبرير لانتمائه إلى حزب البنّا " رد الفعل بعد الاستقلال من إغلاق جامع الزيتونة وإيقاف المسار الإصلاحي الإسلامي جعلنا ننطلق من الصفر وجعلنا نبحث عن أشياء خارج تونس ولكن لاحقا اكتشفنا هذا التراث واكتشفنا بعد ذلك أن إشعاعه ممتد حتى خارج تونس. فإذا به وبقدرة قادر يتحوّل إلى زعيم رافع لشعار الإصلاح وينادي بإثبات نسبه إلى عبد العزيز الثعالبي.

سياسة زعيم النهضة قوامها التلوّن بحسب الظرف والمقام، آخذناه عليها فاستنكر الرجل موقفنا واعتبر أنّ " كلّ كائن لا يتطوّر يموت والنهضة لا تنكر تهمة التطوّر» ليستنتج أنّ «حزب النهضة متطور ونحن نريده أن يزداد تطوّرا فالتطوّر مسار وليس له نقطة نهاية..." لهفي على نفسي: صار الصدق والثبات على المبدإ مواتا وجمودا، وتحوّل العيب إلى خصلة ودليل حياة. ومع ذلك نقول للسيد الغنوشي:

  • نحن يا سيدي نسمّي هذا الموقف بالسياسة الزئبقية أو "تزلبيط" ، أو بعبارتنا التونسية "ما ناقفولكش على راي"، وإن كانت الطرق في تونس سهلة وذاكرة من توافقت معهم قصيرة فإنّ الأمور تختلف إذا تعلّق الأمر بشعوب أخرى، وبوطن عربي كنت رأس الحربة فيما واجهه من طعون منذ 2012. وحديثي هنا يصبّ في الدور الذي لعبته النهضة في الأزمة السورية بمعية الرئيس المؤقت المرزوقي. فهل تعتقد أنّ النظام السوري سيلين موقفه ممّا واجهه منذ 2012 من حكومة الترويكا؟ هل إنّ التراجع ، على مراحل وبداية من 2015 سيجبّ كلّ الأعمال التي ألحقتموها بسوريا؟ وإن كنت نسيت موقف سوريا من حزبك فأنا أذكّرك:

ü     فهل تعلم أنّ الحكومة السورية تعتبر حزبكم راديكاليا وصنّفتكم في قائمة المنظمات الإرهابية إلى جانب كتيبة عقبة بن نافع؟

ü     وكيف لسوريا أن تمحو ما سطّره التاريخ منذ شتاء 2011 من الدعوات إلى " الهجرة الجهادية إلى سوريا"، وصاحبته ملحمة إخوانية بلغت أوجها بمؤتمر أصدقاء سوريا في 24 فيفري 2012.

ü     هل تعتقد أنّ السوريين سيتجاوزون عقبة المطالبة الإخوانية بتسليح "الجيش الحر" والاعتراف بـ"المجلس الوطني السوري" الذي يطالب بتدخل حلف الناتو في سوريا لإسقاط نظام بشار الأسد.

ü     بل كيف لكم أن تطمسوا حقيقة ما سجله التاريخ من أنّ حكومة "حركة النهضة" وافقت على عقد هذا المؤتمر على الأراضي التونسية بتمويل قطري بحت .

ü      كيف لكم أن تنكروا أنّ انخراط الديبلوماسية التونسية بقيادة "حركة النهضة" في نزاعات عربية مثّل خطرا على مصالح الشعوب العربية والإسلامية بالمنطقة.

ü     وكم انتشى صهرك في تلك الأيام " اللي قالتولو عليها الدقازة"، وقد نصّبته ناطقا بالديبلوماسية التونسية، ليوجّه "رسالة قوية إلى الحكومة السورية" وعبّر بلهجة صارمة وشديدة " لقد حصل ما يكفي من القتل، ويجب أن يحصل تغيير سياسي" . كان ذلك في جوّ ملحميّ نهضاوي نفختَ في ناره بتصريحك لجريدة " الخبر" «في تقديرنا أن معظم السلفيين يبشرون بثقافة ولا يهددون الأمن العام، ويمكن للمجتمع المدني أن يتعامل معهم بالحوار والاستيعاب، ويمكن للديمقراطية أن تتعامل مع كل هذه التيارات الفكرية".

 

ولولا المجتمع المدني لأدخلتَ تونس في فوضى لا يعلم نتائجها إلاّ الله، لأنّنا كنّا ندرك جيّدا أنّ  أيّ تدخّل عسكري في أيّ أرض و تحت أي غطاء إنّما هو تدمير البلاد وتخريبها وتفكيك أوصالها على غرار ما حدث في العراق وليبيا. ولأنّنا نعلم ايضا أنّ الأطماع الخارجية لا يمكنها البتة أن تحب الخير للشعوب المقهورة حتى تمنّ عليها بالحريّة والديمقراطية لا لشيء سوى ابتغاء مرضاة الله.

زعيم النهضة يا سادتي من مريدي نظرية النشوء والارتقاء و من القائلين بأنّ البقاء للأصلح. ولعلّ المبدأ الوحيد الذي يدين به هو البقاء في الصورة، وأن لا ينحدر إلى الظلّ ، حتى وإن كلّفه التنكّر لجذوره الإخوانية أو لمواقفه المبدئية. واليوم، وبعد أن تغيّرت المعادلة مع سوريا ، وتراجعت أمريكا في موقفها بان له أنّ الأصلح يكمن في تحويل الوجهة ، وأن يغوص أربعين ذراعا حتى يطفو ليمشي على وجهه، المهمّ أن لا تغيب النهضة عن الصورة.

نصيحتي إلى الشعب السوري ، وإن كان واعيا بما فيه الكفاية، وخاصّة إذا أتته النصيحة من النهضة وقد جاء في بيانها الأخير من دعوة "الى مصالحة وطنية شاملة يستعيد بها الشعب السوري حقه في أرضه وفِي حياة ديمقراطية ،وتضع حدا للتقاتل وما انجر عنه من مآسي إنسانية وتعيد لسوريا مكانتها الطبيعية في المنظمات الدولية والعربية. " نصيحتي نابعة من قلب مازال يعاني ثقل الإخوان: حذار ثمّ حذار أن تعملوا بوصية المصالحة الشاملة، فهي تتضمّن دمج الإخوان عندكم حتى تضمن النهضة نجاتهم من المحاسبة في انتظار أيّام أخر يأتون فيه على الأخضر واليابس.وإن أخذتم بنصيحة النهضة يحقّ عليكم قوله تعالى " كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ".

 

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0