alexametrics
الأولى

صندوق الزكاة : العيوني يدُوس على مدنيّة الدولة ودستورها

مدّة القراءة : 8 دقيقة
صندوق الزكاة : العيوني يدُوس على مدنيّة الدولة ودستورها

كانت الحركة الإسلاميّة النهضة في تاريخ 9 ديسمبر 2019، قد تقدّمت بمقترح بعث صندوق للزكاة ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2020 تحت عنوان "الزكاة والتبرعات"، بغاية جمع التبرعات لدعم الدولة وتوفير السّند الإجتماعي للعائلات المعوزة والأيتام وفاقدي السند، واختارت أن يتمّ بعث هيئة وطنية لتسيير هذا الصندوق تضمّ ممثلين عن رئاسة الحكومة، وزارة المالية, وزارة الشؤون الدينية ووزارة الشؤون الاجتماعية.

يوم الثلاثاء  10 ديسمبر 2019، تمّ التصويت بالرفض على هذا  المقترح بمجلس نواب الشعب خلال الجلسة العامّة، وعبّر العديد من النواب عن غضبهم من بينهم النائب عن ائتلاف الكرامة سيف الدّين مخلوف الذي قال حرفيا '''حسبنا الله ونعم الوكيل'' مشيرا أنّه كان يعتبر أنّ الهدف من ذلك الصندوق هو محاربة الفقر والمساهمة في بعث المشاريع للعاطلين والقضاء على البطالة. في حين أنّ قلب تونس رفض التصويت على هذا المقترح  واعتبر حاتم المليكي  أنّ تركيبة الهيئة التي ستشرف على هذا الصندوق فيها جانب ديني وجانب مدني وهذا خلط بين الجانبين. 

 

فتحي العيوني الموالي لحركة النهضة لم يتخلّى عن مشروع إطلاق صندوق الزكاة الذي دعت لإحداثه النهضة على الرّغم من سقوط المقترح في البرلمان، العيوني بعد أن أعلن بتاريخ 6 نوفمبر  2019، أنّ قرار إحداث صندوق للزكاة في بلدية الكرم تمّ وفقا لما ينصّ عليه الدستور بخصوص التقيّد بمبادئ الشريعة الإسلامية واستنادا إلى القانون عدد 29، الذي يسمح للجماعات المحلية ببعث صناديق خاصّة لتمويل المشاريع العامة والمرافق الأساسية مشيرا أنّ مداخيل هذا الصندوق ستكون مخصّصة لإسداء وتحسين الخدمات المقدّمة من بلدية الكرم لمتساكني المنطقة، نشرت بلديّة الكرم بلاغا يوم 14 ماي، أعلن فيه العيوني أنه سيقوم  بافتتاح وتدشين صندوق الزكاة بالكرم، وذلك اليوم الثلاثاء 19 ماي 2020، الموافق لليلة القدر في رمضان. فتحي العيوني متعدّيا عن البرلمان وقراراته، أبدى فرحه بهذا الخرق الواضح للقانون التونسي معتبرا أنّ هذا الصندوق هو أوّل صندوق زكاة في تونس منذ الإستقلال وقرّر الإحتفال بذلك بغراسة زيتونة والقيام بزيارة داخل مقر الصندوق للتعرف على طريقة العمل داخله.

 

هذا التصرّف المهين للدّولة ومؤسّساتها ندّد به الرّأي العام واعتبر أنّ العيوني يؤسّس لدولة وحده، عياض اللّومي رئيس لجنة المالية بمجلس نواب الشعب أشار إلى أنّ موضوع صندوق الزكاة الذي طرحه العيوني يدعو للريبة وجاء في وقت غير مناسب إطلاقا حيث تُحارب تونس فيروس  كورونا وسبق أن تمّ الحسم في الموضوع خلال مناقشة ميزانية الدولة وأثار جدلا سياسيا انتهى برفض المشروع. كما أنّ رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي اعتبرت أنّ فتحي العيوني لم يحترم قرار مجلس نواب الشعب حين رفض صندوق الزكاة ولم يحترم قرار رئيس الجمهورية ولم يحترم رأي والي تونس الذي لم يصادق على مقترح المجلس البلدي وقال أن بعض رؤساء البلديات تفاعلوا معه وسيقمون بنفس الفكرة مؤكدة أنه يفعل ما يريد لأنه ينتمي الى تنظيم الاخوان. العديد من رؤساء البلديات الأخرى استنكروا أيضا هذا الإجراء، في حين أنّ وزير الصحة والقيادي بحركة النهضة عبد اللطيف المكّي جاء في صف العيوني كيف لا وهو من أنصار حزبهم الإسلامي وصرّح أنّخ من حق رئيس  بلدية الكرم إنشاء صندوق زكاة ولا يجوز تكفيره بمدنية الدولة.

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان  في بيان لها يوم 15 ماي، اعتبرت أنّ ما قام به رئيس بلدية الكرم هو  تمرّد على مؤسسات الدولة وطالبت السّلط السياسية العليا بالتدخل العاجل لمنع هذا التجاوز ومؤكّدة رفضها لهذا الإجراء اعتبرت ذلك ''مؤشر خطير على تمرّد بلدية الكرم على مؤسسات الدولة سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وتحدي على الدستور''. على الرّغم من الرفض الذي أبداه الكثيرون من مؤسّسات وجمعيات وطنيّة ورأي عام، واصل العيوني في إنجاز ما أراده حيث قامت بلدية الكرم يوم الأحد 17 ماي بالدعاية ليوم تدشين صندوق الزكاة عن طريق استعمال سيارات تجوب المدينة للإعلان عن موعد افتتاح الصندوق ليلة 27 من رمضان في دعوة للمواطنين للالتحاق، وفي هذا أيضا خرق للحجر الصحّي خلال أزمة كورونا، كما قامت البلدية بتركيز لافتات تشير إلى مقر صندوق الزكاة في كامل المدينة.


تفاعلا منها مع الجدل الذي أثاره رئيس بلدية الكرم فتحي العيوني بخصوص قرار فتح صندوق للزكاة وإعلام العموم به، أصدرت وزارة الشؤون المحلية يوم الاثنين 18 ماي، منشورا توجّهت به إلى الولاة ورؤساء البلديات حول فتح الحاسبات الخاصة بميزانية البلديات في إطار تفعيل أحكام الفصل 138 من مجلة الجماعات المحلية والذي يضبط إجراءات فتح حساب خاص لدى محاسب الجماعة المحلية لرصد الهبات وكيفية التصرف في موارده. ينصّ المنشور على أن يتم فتح حساب خاص بطلب من رئيس الجماعة المحلية بناء على مداولات مجلسها ويبلغ لاحقا هذا القرار إلى الوالي وأمين المال الجهوي ومحاسب الجماعة المحلية وتنص المداولة المجلس البلدي المتعلقة بإحداث الحساب على تسميته والهدف من إحداثه ومجالات تدخله وكذلك مصادر تمويله. وينص المنشور أيضا على أن تدفع الهبات من قبل المتبرعين  أما مباشرة لدى شبابيك القباضة المالية المعنية أو عن طريق إيداع المبالغ بالحساب الجاري المفتوح باسم المحاسب لدى البريد التونسي ويتعين في هذا السياق التنسيق المسبق مع مصالح البريد لتنظيم العملية والقيام بما يلزم وبما يمكن من تعريف المحاسب بالمبالغ المودعة بعنوان التبرعات حتى يتمكن من إدراجها بحساباته لفائدة الجماعة المحلية المعنية. ويتولى رئيس الجماعة المحلية إعداد برنامج استعمال في حدود المبلغ الجملي للتبرعات ويتعين أن يكون هذا البرنامج متناسقا مع مجال تدخل الحساب والهدف من إحداثه. 


صندوق الزكاة من الناحية القانونيّة

رئيس بلدية الكرم وفقا للفصل 183 من مجلّة الجماعات المحليّة، يحقّ له فتح حساب خاصّ يمسكه المُحاسب العمومي للجماعة المحلية لتجميع "الهبات" التي تُخصّص وجوبا "لتمويل أو للمساهمة في تمويل مشاريع ذات مصلحة عامة"، كما أنّ هذا الحساب تدور المداولة حوله في المجلس البلدي ليتمّ الإتّفاق على تسميته والهدف من إحداثه ومجالات تدخله وكذلك مصادر تمويله. لكنّ الإسلامي فتحي العيوني أراد بإطلاق إسم ''صندوق الزكاة'' على هذا الحساب ليضرب قرارات البرلمان وإثباته تنفيذ ما تريده النهضة متمسّكا بقانون مجلّة الجماعات المحلّية. وبالتالي كما أشار أستاذ القانون ورئيس مركز الدراسات الجبائيّة ناجي البكوش، فإنّه لا علاقة لهذا الحساب بالزكاة التي هي "واجب ديني" يحكم علاقة المسلم بخالقه لا يحقّ للمُشرع الوضعي (على مستوى الدولة أو الجماعة المحلّية) التدخّل فيه بأي وجه خاصّة في ظلّ دولة مدنية يتعايش تحت تشريعها كل الأفراد بقطع النظر عن معتقداتهم ومذاهبهم الدينية.

الفصل السادس من الدستور ينصّ على أنّ "الدولة راعية للدين" وهذا يدلّ قطعيا أنّ  الشأن الديني من مُتعلقات ومشمولات الدّولة دون سواها من الجماعات المحليّة أو الجمعيات، والزّكاة شأن ديني، وبالتالي لا يحقّ للجماعات المحلّية التدخّل فيها من حيث المبدأ لأنّ الدولة تنفرد برعاية الدين.

المحامي محمد داوود يعقوب في تصريح لشمس أف أم، اعتبر  مبادرة العيوني مخالفة للفصل السادس من الدستور مشيرا إلى أنّ هذا القرار  به نوع من التحيّل على إرادة الشعب خاصة وأن الدولة حاولت سابقا إحداث صندوق زكاة لكنّها فشلت في ذلك عبر إسقاط مشروع قانون في البرلمان، مؤكّدا  أنه لا يمكن تمويل الزكاة لأن هذا الموضوع شأن ديني واجتماعي تريد بلدية الكرم توظيفه سياسيا.

كما أنّ  وزير الشؤون المحلية والقيادي بحركة النهضة  لطفي زيتون واصل رفضه لهذا المشروع الاسلاموي المناهض لدستور الدولة المدنية ونشر تدوينة اليوم على حسابه الخاصّ بالفيسبوك قائلا ''يتحدث الفصل 138 من مجلة الجماعات المحلية عن الهبات التي تتلقاها البلدية. الزكاة ليست هبة''.

 

رئيس بلديّة الكرم يرمي بالقانون عرض البحر 

فتحي العيوني ضرب بقوانين البلاد ودستورها عرض البحر، وعوض فتح حساب خاصّ لبلديّة الكرم، أصر على إطلاق اسم صندوق زكاة وفي كلّ تدخّلاته الإعلاميّة يفسّر هذا الإجراء من الناحيّة الدينيّة وكأنّ الشعب ضدّ الزكاة والدين وهذا ليس بالغريب عليه ذلك أنّه مرجعي النهضة معتبرا أنّ كلّ من رفض هذه المبادرة منه ''مريض''.

افتتح اليوم الثلاثاء 19 ماي، فتحي العيوني صندوق الزكاة وشارك في هذا الحدث العديد من الإسلاميّين على غرار حمادي الجبالي  رئيس الحكومة الأسبق. في كلمة ألقاه العيوني خلال ندوته الصحفيّة أفاد  قائلا '' هذا الصندوق اليوم له العديد من المزايا'' وتطّرق كعادته للدّين مشيرا أنّ هذا الصندوق يؤمّن ''يُؤمّن لشعيرة إسلاميّة مُغيّبة منذ سنوات..مش معقول تونس تؤمّن شعيرة الصلاة والصوم والمساجد والحجّ وغيرها وشعيرة الزكاة مُغيّبة من مؤسّسات الدولة وقوانينها''. فتحي العيوني نصّب نفسه ناطقا باسم الدولة، قائلا ''الدولة اليوم تتصالح مع شعبها وتؤمّن هذه الشعيرة وتُكمل هذه الثغرة التي كانت مفقودة في النظام المؤسّسي التونسي وتُكمّل بإحداث هذا الصندوق العظيم''، الهدف الثاني هو استرجاع كرامة الشعب من خلال منظومة الزكاة التي ''تؤمّن لهذا الشعب حقّ معلوم للسائل والمحروم'' وفق تصريحه.

المتابع لفيديو إفتتاح هذا الصندوق يُلاحظ  الموكب الهائل الذي تمّ إعداده لرئيس البلدية فتحي العيوني الذي أحاط به أنصار حركة النهضة وائتلاف الكرامة وقام بغرس شجرة زيتون في حديقة البلديّة مُعلنا أنّ تعيّين الشيخ الزّيتوني أحمد قلنزة رئيسا للهيئة الشرعيّة لصندوق الزكاة مؤكّدا أنّ ''هذا الصندوق سيعيش إلى الأبد''. افتتاح مخالف لقوانين الدولة ومدنيّتها ومخالف كذلك لإجراءات الحجر الصحّي الموجّه واختلاط بين عشرات المواطنين دون احترام التباعد الجسدي.

 

''قُمت بواجبي كمؤسّسة من مؤسّسات الدولة وفّرت للنّاس إطار قانوني ليمارسوا شعائرهم الدينيّة..حالات غريبة وشاذّة في تونس وهناك جمعيات مشبوهة تحت الغطاء القانوني والقانون التونسي يُنظّم البغاء يعني نساء اللطف يا ربي إبيعوا في أجسادهم والدولة تدفع عليهم في معاليم وتحميهم لممارسة الرذيلة واتعاون وتاخذ عليهم فلوس..والذي يؤدّس فريضته وزكاته اتحاسبو عليه هذا كلام ؟''، هذا ما جاء على لسان الإسلامي فتحي العيوني في تصريح للإذاعة الوطنيّة.


العيوني أهان الدولة وقوانينها واتّهمها بحماية ممارسة الرذائل ووصف كلّ من رفض إحداث صندوق الزكاة بالمريض ضاربا بذلك مدنيّة الدولة ودستورها وبرلمانها عرض الحائط وعيّن نفسه ناطقا باسم الدولة ودينها مشيرا أنّه بإحداث صندوق الزكاة في الكرم فإنّ الدولة تصالحت مع شعبها.  

يسرى رياحي

 


تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter