alexametrics
الأولى

التكفيــر والتفجيـر وجهان لعملة واحدة !

مدّة القراءة : 2 دقيقة
التكفيــر والتفجيـر وجهان لعملة واحدة !

 

 

المعتقد "الإرهابّي" ليس إلاّ الإيمان بحقيقة واحدةٍ مُطلقة لا تُنقد و لا تُناقش و كُلّ ما دُونها خاطىء. وليس الإيمانُ بقتل المرتد والكافر والطاغوتِ أقلّ إرهابًا من التكفير العلني في مجلس الشعب وجرّ ايات كتاب مقدّس بُطلانا كحجة على خطاب الكراهية وتقسيم التونسيين.

 

 ليس التفجير حُلما بالجنس على أرائك الجنة أقلّ إرهابًا من توزيع صكوك الايمان في مداولات جلسة عامة، وليس المنفذ أقلّ إرهابًا من المنظّر والمبرر، وليس كبشُ الفداء الأحمق الذي  يلبسُ حزاما ناسفا أقلّ إرهابًا من الشيخ الذي يدعو بالفناء والطاعون للمسيحيين واليهود في خُطبة الجمعة. الإرهابُ فكرة تتغذّى على الدغمائية والشتات، ليس نقابًا ولا حجابًا ولا سجادة صلاة، لكنّه يأكل من حصير الجامع و"يُكبّر" رافعا رايات الغربان السود، التطرف ليس مُسلما لكنه صنيعة الاسلاميين.

 

استشهد اليوم الملازم الأول توفيق الميساوي متأثرا بجروحه في مستشفى الأمن الداخلي بالمرسى، اثر عملية انتحارية  نفذها ارهابيان استهدفا دورية أمنية في جهة البحيرة 2. سيلفه العلم الأحمر الذي أقسم على حمايته، وسيشيع على أكتاف زملائه مُفاخرين بالشهيد وسيودع التونسيون بطـلـهُم رافعين نشيدنا الوطني. راح تونسيّ اخر ضحيّة مسار كبُر فيه التطرف حتى اشتد عُوده، فلا فرق بين من يدعو الى الارهاب بالقول أو بالفعل.

 

التفجير ليس فعلا معزولا عن الألسن المهددّة بـ "100 ألف انتحاري" ولم يربى بعيدا عن الاستعراضات العسكرية لأنصار الشريعة  التي رخّص لها وزير الداخلية سنة 2012. الارهاب لم يسقط من الأعلى صُدفة على هذه الأرض الطيبة بل اختبأ كجرذ في جحور الخيمات الدعويّة وفي زوايا بيوت من استقبلوا القرضاوي وبشّروا بخلافة سادسة ومن قالوا أنّ الارهابيين يذكرونهم بشبابهم وأن الجيش الوطني التونسي غير مضمون. التفجير ليس الا الخُطوة الثالثة تسبقه تاءان، تاء التحريم وتاء التكفير. ومن يبرر التكفير ويُفاخر به لن يتردد في اجتراح فتاوي تحت الطلب تنذر بتقطيع أوصال "الكفار" ودحرجة رؤوسهم وسبي نساءهم .

 ليست التصفية الجسدية الا تعبيرة واقعية عن الأفكار السامة للمتطرفين، وليس التفجير الا ابنُ التكفير الشرعي. اذ يبدأ الأمر بداعية يقتلُ الناس على الورق وينتهي بداعشي تتناثر أشلائهُ، غير مأسوف عليه. بطلنا توفيق الميساوي وغيرهُ من مئات الشهداء ليسوا ضحية تفجيرات تلقائية بلا عُنوان، بل هم ضحية مشروع سياسي خطه الوهابيون وحاولوا بثّ سمومه عبر أذرعهم في تونس. دماء شهدائنا على كفوف كلّ من ساند التطرف وصنع له بيئة مريحة ليزدهر.

 

منذ 7 مارس 2016 تتالت هزائمهم تحت نعـال أمننا وجيشنا الوطني وبُعثروا جيفا لم يرضى أحد بدفنها في قلب هذا البلد العصي. بين المحاولة الطريفة لاعلان بن قردان امارة داعشية، الى المحاولة الطريفة لتفجير في قلب شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، الى اخر المُضحكات بتاريخ اليوم 7مارس 2020 في البحيرة، لسان حالهم يقول أنهم يئسوا من انتظار وهم الدولة الاسلامية فراحوا ينتحرون عبثيا واحدا تلو الأخر.

تتشارك العمليات الارهابية الأخيرة في كونها عمليات "ذئاب منفردة" . هذه العمليات هي مؤشر على غياب تخطيط مُسبق، بسبب فشل التنظيم الارهابي في فك العزلة على عناصره التي يُحاصرها  الأمن الجيش التونسي ويحبط مخططاتها  كل مرة ويستبق خطواتها اليائسة. تونس انتصرت على الارهاب، لكنها لا يجب أن تنسى وهي تكنس بقاياه من سمح لهُ باقتحام أراضيها.

الارهاب هو تطور طبيعي لخطاب العنف والتخوين والتهديد، هو مرور الى الفعل. لا يمكننا ان ننكر انه وعلى مدى 9 سنوات تم التسامح مع التكفير وتتفيهه حتى لا يرقى الى كونه جريمة ارهابية، ولا يمكننا أن ننكر وجود أطراف سياسية استفادت من خطاب التفرقة على اساس الدين لتضاعف خزانها الانتخابي، ولا يمكننا أن ننكر أن الاغتيالات السياسية سبقتها موجات من التكفير والعنف السياسي، ولا يمكننا انكار تبني الاسلاميين للفكر الجهادي القائم اساسا على "محاربة الكفار"، ولا يمكننا محو سنوات تسفير الشباب الى سوريا وليبيا ولا سنوات اعتداء الاسلاميين على الطلبة في الجامعات بالهراوات والسكاكين. انه مسار كامل من التصالح مع التطرف ومحاولة تونسـتـه حتى يُطبع معه القانون والأفراد، وما ظهور تيار الاسلام الثوري في برلمان 2020 الا ثمرة افلات المتطرفين الذين سبقوهم من العقاب، ومازال بعضهم الى اليوم يسيّرون الدولة وينزعون وجهوههم القديمة ليلبسوا ثوب الوسطية الكاذب.

 

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter