alexametrics
الأولى

عِوض الحدّ من حريّة التعبير..يجب تنظيم البرلمانيّين

مدّة القراءة : 7 دقيقة
عِوض الحدّ من حريّة التعبير..يجب تنظيم البرلمانيّين


يعيش المواطن التونسي منذ بداية شهر مارس في حالة قلق وذعر بسبب انتشار فيروس كورونا في بلادنا، ولا إن تمّ اتّخاذ إجراءات صارمة مثل حظر التجوّل والحجر الصحّي العام تغيّرت الحياة اليوميّة للشعب التونسي وأصبحوا يلازمون  منازلهم ليلا نهارا وارتفع الضغط والتوتّر في صفوفهم خاصّة بعد أن دخلت تونس في المرحلة الأفقيّة الثالثة من تفشي هذا الوباء الذي حصد أرواح ثمانيّة أشخاص وأصاب وفق وزارة الصحّة 312 شخصا.


لم يعد للتونسيّين ملاذ للترويح عن أنفسهم وتفادي العزلة في منازلهم سوى شاشات هواتفهم الجوّالة أو حواسيبهم التي يستعملونها لمتابعة كلّ تفاصيل هذا الوباء عبر مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي خاصّة بالفايسبوك، ذلك الفضاء الأزرق الذي يتبادلون فيه النصائح والتدوينات التي ينتقدون بها كلّ إجراء خاطئ أو تصرّف غير مقبول من قبل المسؤولين، كما ينشرون تدوينات ساخرة من فيروس كورونا لتشجيع أنفسهم وكلّ المواطنين للتّمسّك بأمل أنّ ذلك الوباء سينتهي قريبا. كانت كلّ الأيام متشابهة في ظرف شهر مارس ومواقع التواصل الإجتماعي تعجّ بالتدوينات حول فيروس كورونا ومدى انتشاره في تونس بالإضافة إلى الظروف التي تمرّ بها المستشفيات والمصحّات في تونس وضرورة توفير آليات الحماية والسلامة لكافّة الإطارات الطبيّة والشبه طبيّة لوقايتهم من العدوى بهذا الفيروس، بالإضافة إلى ثناء الرّأي العام على المجهودات التي تبذلها وزارة الصحّة والحكومة للحدّ من انتشار هذا الفيروس في ظلّ دعم المجتمع المدني ومدّهم بالمساعدة اللاّزمة.

أزمة فيروس كورونا التي أصابت تونس في شهر مارس جعلت ضجيج البرلمان يخفت وأخذ الشعب التونسي راحة من مشاهدة الصراعات والتجاذبات بين النواب داخل البرلمان ولم نشهد للنواب حضور مكثّف كالعادة في ذلك الفضاء الأزرق وكانت جائحة كورونا وتأثيرها  على تونس هي المسيطرة على اهتمامات التونسيّين، إلى حدود يوم أمس الأحد 29 مارس تحوّل الفايسبوك إلى منصّة نقد وتنديد بما قام به أحد نواب البرلمان في محاولة منه لأخلقة الحياة السياسيّة والإجتماعيّة.  النائب عن حزب تحيا تونس، مبروك كرشيد تقدّم يوم الأحد  إلى البرلمان والنواب بمبادرة تشريعيّة تهدف إلى الحدّ من الجريمة الإلكترونيّة والتي عبّر عنها بالتدوينات التي تُنشر في الفايسبوك والتي تتضّمن إساءات أو شتم لأشخاص داعيا إلى ضرورة تطبيق عقوبات سجنيّة على كلّ من ينشر مثل تلك التدوينات. كرشيد بهذا النصّ التشريعي غاب عن ذهنه أنّه يُعرّض أهم مكسب بعد الثورة إلى القمع وهو حرّية التعبير، هو اعتبر أنّ الجريمة الإلكترونيّة هي هتك الأعراض والمساس من شرف الأفراد والجماعات بدون وجه حقّ وكان هدفه  الحدّ من انتشار الإشاعات التي تمسّ من اعتبار الأشخاص ورمزيتهم الإجتماعية والسياسيّة على غرار زملائه النواب في البرلمان. أيريد النائب من حركة تحيا تونس أن يسكت الرّأي العام عن المهازل والتصريحات التي يتفوّه بها زملائه في المجلس وأن يمرّ مرور الكرام عليها؟ طبعا قانون ''نقص من الكذب'' كما وصفه هو لن يمرّ على الشعب التونسي مرور الكرام، ماذا لو حاول السياسيون والنواب ''التنقيص من الكذب'' وانشغلوا في الدفاع عن مشاغل التونسيّين فلن يكون كرشيد بحاجة إلى تقديم هذه المبادرة التي من الأفضل أن تطبّق على النواب فقط ليحترموا بعضهم البعض. 


منذ انتشار نصّ المبادرة التشريعيّة، اشتعل الفضاء الأزرق ''الفايسبوك'' بالتدوينات الرافضة لهذا المشروع وندّد الكثيرون بمحتواه واعتبروه انتهاكا لحريّة التعبير وقلّة احترام من  كرشيد الذي يريد الحدّ من الحرّيات في ظلّ أزمة فيروس كورونا الذي تعمل على مجابهته وزارة الصحّة وكافّة السلطات في تونس. بعد موجة من الإنتقادات لهذه المبادرة، نشر مبروك كرشيد توضيحا بيّن من خلاله أنّه لا غاية له في الحدّ من حرّية التعبير وإنّما يريد به مقاومة ''الفايك نيوز" مشيرا أنّه ''ليس قانون تكميم أفواه ولجم للحريات''، واعتبر أنّ هذا القانون يخافه فقط  الكاذبون العائشون في مستنقعات المال الفاسد. كرشيد أكّد أنّ هذا القانون أحيل لمجلس النواب قبل ظهور جائحة كورونا في تونس، كما أنّه أحيل على لجنة التشريع العام التي ستنظر فيه بصفة اعتيادية موضّحا أنّ العقوبة التي به هي نفسها عقوبة الفصل 86 من مجلّة الإتصالات والتي تنصّ على أن ''يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وسنتين وبخطية من مائة إلى ألف دينار كل من يتعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات''. وشدّد النائب عن حركة تحيا تونس أنّ هذه المبادرة لا تمسّ من حرّية الصحافة والصحافيّين ولا تهدف  إلى حماية البرلمانين بل المجتمع بكلّ فئاته معتبرا أنّ غياب مثل هذا القانون سمح ''بإفساد المناخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي وهتك الأعراض وأوصل الناس وبعض الأسر للطلاق وآخرين للانتحار وأوصل فاسدين لمجلس النواب''. هذا القانون أمضى عليه 46 نائبا بعد أن اطّلعوا على محتواه وفق ما أكّده كرشيد في تصريح إعلامي له، مؤكّدا أنّه تحدّث عن هذا القانون في مداخلاته بالمجلس وفي الإعلام منذ شهر جانفي وقام  بطباعة النصّ وتوزيعه على كافّة الكتل بالمجلس.

 

عبّر أغلبيّة النواب الذين أمضوا على هذه المبادرة التشريعيّة ليلة البارحة الأحد عن سحب إمضاءاتهم بعد موجة النقد التي طالت هذه الأخيرة وصاحبها، النائب عن الكتلة الديمقراطية عدنان الحاجي أعلن سحب لإمضاءه نظرا لأنّ الوقت غير مناسب لطرح هذه المبادرة مؤكّدا أنّه مع تنظيم عملية التواصل الاجتماعي عبر الوسائل الالكترونية لحماية كل مواطن من الجرائم التي يمكن أن ترتكب عبرها في حقّه. ليلى الحداد النائبة عن حركة الشعب أعلنت في تدوينة لها أنّها سحب إمضاءها ومساندتها  لمشروع كرشيد مؤكّدة انّها مع مبدأ أخلقة الحياة السياسية ومع ضبط قواعد النشر على صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل النشر الالكتروني لتحميل المسؤوليات لأصحاب المنصّات الاكترونية حتى لا تصبح وسائل للإبتزاز وتصفية الحسابات ومغالطة الرأي العام. بدوره، أعلن النائب عن الكتلة الديمقراطية خالد الكريشي عن سحبه إمضاءه من مبادرة مشروع القانون المتعلق بتنقيح الفصل 245 من المجلة الجنائية مشيرا أنّه مجرّد مشروع قانون لا يشكّل أي إعتداء على حريّة التعبير وينتفع به الكافة من مواطنين ومؤسسات. كما نشر النائب بمجلس نواب الشعب عن حزب قلب تونس أسامة الخليفي تدوينة على حسابه بالفايسبوك أكّد فيها أنّ ذلك القانون لن يمرّ وأنّ حريّة التعبير هي خطّ أحمر. النائب المستقل بالبرلمان الصافي سعيد أعلن أنّه سحب إمضاءه أيضا مؤكّدا أنّه سيظلّ  مدافعا عن جميع الحريات ومقاوما لكلّ أنواع الغطرسة والشتم والقذف البذيء والعشوائي.


العديد من المنظّمات والجمعيات ندّدت أيضا بهذا القانون على غرار هيئة المحامين التي نشرت بلاغا عبّرت فيه عن رفضها التّام لهذه المبادرة وأشارت أنّ فيها ضرب لحريّة التعبير باستغلال أزمة كورونا التي يمرّ بها العالم والتي لا يمكن أن تشكّل سببا للإعتداء على حرّيات الشعب والإنفراد بالرّأي، كما دعت الهيئة مجلس نواب الشعب إلى رفض التصويت على هذا المشروع والتصدّي لمحاولات الرجوع إلى مربّع مصادرة حرّية التعبير. النقابة الوطنيّة للصحفيّين التونسيّين في بيان لها مشترك مع العديد من الجمعيات والمنظمات الوطنيّة دعت إلى سحب هذا المقترح باعتباره  يشكّل خطرا على حريّة التعبير والصحافة، كما انّه يتعارض مع الشروط الدستورية المنصوص عليها صلب الفصل 49 من الدستور ويعكس هذا المقترح التشريعي خلطا واضحا وخطيرا بين الثلب والأخبار الزائفة.

لم يتمكّن مبروك كرشيد من التمسّك بمبادرته بعد كلّ تلك الإنتقادات والرفض الجماعي من قبل المنظمات والجمعيات الوطنيّة وسحب زملائه النواب لإمضاءاتهم، حيث نشر تدوينة ليلة البارحة أعلن فيها أنّه قرّر سحب المبادرة على أن يعمل عليه أكثر بعد مرور أزمة الكورونا. وأكّد أنّه مقتنع  بأن المشروع الذي اقترحه لا يمسّ الحريات ولا يستهدف أي مدوّن شريف ولا يطال إلا شبكات الكذب والإشاعة المغرضة، كما أنّه  لا يهدف إلى تحصين النواب ولا لحمايتهم مؤكّدا أنّه مع رفع الحصانة عن كلّ من يقترف جرما من النواب أو غيرهم، ووصف كرشيد موجة الإنتقادات للقانون بالحملة الغير عقلانية مبيّنا انّ الذين ندّدوا بالمبادرة ليس لهم إطّلاع على نصّ المشروع. وأفاد في تصريح لموزاييك قائلا ''التوقيت ليس مناسبا لإقتراح القانون والشعب التونسي مشغول بفيروس كورونا، تراجعي لا يتعلق بجوهر القانون أو كونه خاطئ ويمسّ بالحرية، بل بالتوقيت غير المناسب، لا صوت يعلو فوق محاربة الكورونا الآن ولا مجال للتشويش على أولويات التونسيين، انا استمع للشعب وخاصّة للشخصيات الاعتبارية ولذلك قرّرت التراجع الى غاية نهاية الازمة، مكتب المجلس رفض الاستعجال في القانون وسيمر على الجلسة بعد 5 او 6 اشهر من الان، مع ذلك تم اثارته أمس''.


حريّة التعبير من حقّ كلّ مواطن ولا يمكن المسّ منه بأيّ شكل من الأشكال وكان على النائب مبروك كرشيد أن يتقدّم بقانون ينظّم الحياة السياسيّة والعمل بين النواب داخل البرلمان لكي يرتاح الرّأي العام من التجاذبات ومن عبارات الشتم والسبّ التي يتبادلها النواب علنا.

يسرى رياحي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter