alexametrics
الأولى

بمناسبة 8 مارس: أي جدوى من الاحتفال بالمرأة؟

مدّة القراءة : 3 دقيقة
بمناسبة 8 مارس: أي جدوى من الاحتفال بالمرأة؟

غريزيا و لا شعوريا يرتبط ذكر تونس في مخيلتنا كتونسيين بالمرأة الجميلة، و نصف تونس في غزلنا و تغزلنا بها بالفاتنة السمراء و الجميلة الخضراء و حتى من تغنى بها في قصائده صورها على شكل جميلة فاتنة و تغزل بها و جاءها عاشقا و على جبينه وردة وكتاب، وربما على علماء الاجتماع التونسيين دراسة هذا التصور و الاجابة عن هذا السؤال.


في انتظار الاجابة عن هذا التساؤل تحتفل تونس مع كل دول العالم باليوم العالمي للمرأة اليوم 8 مارس، ونحن في تونس نحتفل بالمرأة مرتين سنويا الاولى مع سائر دول العالم يوم 8 مارس و الثانية يوم 13 أوت العيد الوطني للمرأة في تونس وهذا لا يعني أن تونس تضطهد المرأة أو تبخسها حقها أو تمارس عليها الظلم و الاستبداد باقي أيام السنة و لا يعني ذلك أيضا أننا المرأة محرومة من حقوقها خلال ال364 يوما الباقية.

هناك نقاش حول تخصيص عيد للمرأة،  أو يوم خاص بها فهناك من يرى أنه نوع من التميز و مرتبط فقط بعقلية ذكورية تقصي المرأة و تضطهدها على مدار السنة ثم تخصص لها يوم للاحتفال في نوع من ارضاء الضمير أو التكفير عن سوء المعاملة، في تونس نملك الاجابة عن هذا التصور فالاحتفال بتاريخ 13 أوت ليس احتفالا برمزية المرأة بقدر ما هو احتفال  بقانون الأحوال الشخصية الذي يكرس حقوق المرأة والذي كان مصدر قلق مهم للزعيم الحبيب بورقيبة حينها، فقد كان قفزة نوعية حققت للمرأة التونسية مكاسب خيالية في ذلك الوقت مقارنة بجيراننا و بمختلف دول العالم العربي و الاسلامي و لك أن تتخيل كيف استقبل المجتمع الذكوري منذ 64 سنة مضت قانونا اصلاحيا بحجم مجلة الأحوال الشخصية ، لكن ماذا فعلنا بعد ذلك لتطوير حقوق المرأة و مكاسبها، باستثناء بعض الأسطر في الخطب السياسية تثمن مكاسب المرأة في تونس.

قانون الأحوال الشخصية عمره الان 64 سنة، و لازلنا الى حد كتابة هذه الأسطر نحتفل به و نتباهى بما قدمه للمرأة التونسية منذ 64 سنة، لكن هل فكر أحد من السياسيين في تحوير هذا القانون ومراجعة بعض فصوله التي لم تعد تتماشى و الحقوق التي اكتسبتها المرأة التونسية  وهل رأينا أي محاولة قانونية لتطوير مكاسب المرأة في تونس باستثناء قانون المساواة في الإرث الذي تقدم به الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي و بقي رهين الرفوف في مجلس نواب الشعب و لم يجد أيدي جريئة تسحبه من الرف و تناقشه و تطور فيه ما يمكن تطويره ليتماشى مع المشاغل الاجتماعية و السوسيولوجية للمرأة التونسية.

 

تخصيص يوم أو يومين للاحتفال بقانون 56 و الخروج الى الشارع و رفع شعارات تحتفي بالمرأة لم يعد يثير ذلك الاحساس بالفخر بقدر ماهو احساس مهين بانك تجتر قانونا وضعه نخبة من رجال تونس زمن الاستقلال و كان للزعيم الحبيب بورقيبة الكاريزما و الشخصية السياسية القادرة على فرضه و تقبل هجمة التكفير و التجريم التي تعرض لها حينها فقط لإيمانه بأن حقوق المرأة تفرض وبان هناك ثمن يجب أن يدفع للوصول بالمرأة التونسية الى مكانها الطبيعي أي الصدارة،  ولك صديقي القارئ أن تستعرض عدد التونسيات اللاتي فتحن الباب و كن أول مرأة في مجالها بالعالم العربي لكن للأسف، واقعنا الان بعيد كل البعد عن هذه الصورة الوردية التي نباهي بها و نقيم الاحتفالات  التي تخفي ورائها واقعا اليما للمرأة فوراء الخطب السياسية التي تقدم صورة ناصعة البياض عن المرأة التونسية وأهميتها في المجتمع ، لا تزال هذه المرأة التونسية هي الضحية اليومية للعنف والتمييز. يتم تنظيم الاحتفالات لإخفاء هذا الواقع الذي لا نعترف به نحن الرجال. يعتقد البعض أن المرأة في تونس لها حقوق كثيرة جدا تجاوزت حقوق الرجل و ان علينا فعلا تحقيق المساواة لكن العكسية بإعادة بعض الحقوق للرجل لكن هل يتعرض الرجل لهذا الكم المهول من الميز و التحرش في الشارع،  لك ان تسأل أي امرأة تنزل للشارع عن الكم البغيض من العنف المعنوي و التحرش و الايحاءات الجنسية التي تتعرض لها سواء خلال تنقلها أو في وسائل النقل العمومي، لك أن تسأل النساء اللاتي تعرضن للتحرش و الاغتصاب كيف يتعامل المجتمع معها، و كيف يتعامل معها من هم في السلطة و ستفهم أن قانون 56 تجاوزه الزمن و علينا في تونس استحضار قانون اخر يتماشى مع مشاكل العصر و ما تتعرض له المرأة من تنمر و تمييز بسبب كونها امرأة.

لذلك قد نرحب بوجود قانون للأحوال الشخصية لكن مع نفس جديد و بصمة حقيقية تتماشى مع سنة 2020 و هي أبعد ما تكون من كل النواحي عن سنة 1956 وقد نرحب بقانون يجرّم العنف ضد المرأة لكن قانون فعلي يطبق على أرض الواقع و يحترم من قبل واضعيه و ليس للاحتفال به خلال يوم من السنة و وضعه في الدرج باقي أيام السنة، فللواقع حقيقة أخرى لا علاقة لها بالخطب وإعلان النوايا و المرأة التونسية تتعرض لسوء المعاملة يومياً وهذه حقيقة لا يمكن للاحتفال بهذا اليوم أن تخفي وضوحها.

 

اليوم، لم يعد بإمكان النظام التشريعي إخفاء هذا الواقع فقد أصبحت الأرقام والحقائق المبلغ عنها أكثر وضوحا للعلن وقبل كل شيء أكثر وأكثر وصولا بفضل الوعي الموجود لدى المرأة وسهولة التواصل عبر التطور الكبير تكنولوجيا فبإمكان تدوينة واحدة على الفايسبوك أن تصل لأسماع كل العالم.

 

دون ذلك سيكون الاحتفال بيوم 8 مارس و بيوم 13 أوت مجرد ذر رماد على الأعين و شجرة تخفي غابة و مجرد خداع للمرأة وملأ سلتها بالهواء فقط و لا شيء غير الهواء و يكفينا فخر أن المرأة التونسية ذكية ولن تسمح لأحد بخداعها أو ملأ سلتها بالهواء و هي تعلم أكثر من غيرها أن الدفاع عن حقوق المرأة  ليس خطبا رنانة و احتفالات سياسية فدون اليات قانونية حقيقية و تشريعات ترى النور على أرض الواقع لا مجال للحديث عن احتفالات بالمرأة وحقوق المرأة .

 

حسام بن أحمد

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter