alexametrics
أفكار

النهضة و فقدان البوصلة

مدّة القراءة : 3 دقيقة
النهضة و فقدان البوصلة
 
هذا في اعتقادي ما اصبح يميز مواقف حركة النهضة في الآونة الأخيرة  وحتى قبل الانتخابات . حتى وان أسلمنا كما يقول المثال الفرنسي بان هناك خطابا لافتكاك السلطة و خطابا لممارستها والحفاظ عليها ، الا ان ذلك لا يمكن تبرير التقلبات التي عرفتها مواقف النهضة طيلة الحملة الانتخابية ومن بعدها و اثناء مسار تشكيل الحكومات .
 
ليس هناك اخطر على الأحزاب والأفراد من غياب الانسجام والتناغم في المواقف. وقد دفع بالأمس النداء و الدكاكين الصغيرة المنبثقة عنه الثمن غاليا نتيجة التذبذب و انعدام الانسجام في المواقف وفي العلاقة بالناخبين والتزاماتها السياسية .
على النهضة ان تقر اليوم انها لا تتمتع بالأغلبية السياسية لا انتخابيًا ولا حزبيًا ولا برلمانيًا . انها أقلية في المجتمع وعليها ان تكون كذلك في المؤسسات وان تكون تمثيليتها على قدر حجمها . صحيح انها الحزب الفايز الاول في الانتخابات ولكنها ليست الطرف الأغلبي. انها اكبر كتلة برلمانية صحيح ولكنها ليست الكتلة الأغلبية . هذه حقيقة ومعطيات بالأرقام وبالحساب وبالرؤية كذلك . وحتى واقع التشتت الذي عليه القوى المتنافسة معها لا يبرر نزعتها للهيمنة والتغول . وقد نالت نصيبها وحقها وحظها في تشكيل حكومة مباشرة بعد الانتخابات وكان لها ذلك . ولكنها لم تفلح . وعادت المبادرة بالقانون والدستور الى رئيس الجمهورية . لا انقلاب ولا تنكر لنتائج الانتخابات ولا هم يحزنون . ولا فايدة من التبكي والتذمر ومحاولة لعب دور الضحية .
 
 
النهضة في هذا الصدد لا تلوم في ذلك الا نفسها فقد اضاعت على منتخبيها وعلى المراهنين عليها الفرصة لتكوين أغلبية برلمانية وحزبية وبالتالي حكومية . وعندما  فشلت " حكومة الرئيس" باستقالة الفخفاخ على خلفية تضارب المصالح وشبهة الفساد عادت المبادرة مرة اخرى وبالدستور للرئيس . كيف يستقيم اخلاقيا وسياسيا الحديث عن انقلاب وتنكر لنتائج الانتخابات . الم تقبل النهضة بحكومة الفخفاخ على أساس نتايج انتخابات الدور الثاني للانتخابات الرآسية ؟ الم تعقد حلفًا مع تحيا تونس وكتلة الإصلاح على قاعدة حكومة ثورية ؟؟؟ كما سماها كبير المفاوضين ؟؟ الإقرار بفشل الأحزاب امر مفروض منه اليوم سياسيا وشعبيا . وأقول اليوم . وليس هناك أية نية للتنظير لاستبعاد الأحزاب من المشهد السياسي مستقبلا.
 
 
ولكن الحقيقة المرة اليوم تتمثل في عجز الأحزاب على تشكيل حكومة باغلبية حزبية منسجمة ومتناغمة ومتفقة على الحد الأدنى على الرغم من اختلافاتها . نحن أمام عملية مستحيلة . اللهم الا اذا عدنا لمنامة وخرافة المحاصصة الحزبية غير المبدئية وغير الطبيعية والتي سئمها التونسيون وأضرت كثيرا بصورة الأحزاب وقلصت من رصيدها . ولم تشهد الساحة السياسية طيلة هذه العشرية تناحرًا وتصادما وعنفا سياسيا اكثر مما شهدته بين مكونات الائتلاف الحاكم لحكومة استعادة" الثقة والوضوح" للفخفاخ . لا ينفع العقار فيما افسده الدهر و تعارض المصالح بين مكونات الائتلاف الحاكم المتخلي . انتهى الدرس . لا يمكن اعادة عقارب الساعة الى الوراء  .علاقة النهضة بحلفائها الثوريين لن تعود كما كانت عليه بالأمس القريب والبعيد . صحيح ليس هناك أمرًا نهائيًا في عالم السياسة ولكن لكل مسالة حدودا في الزمن . وبالتالي الحنين الى اعادة مجد صحفة العسل بين الأخوة /الأعداء اصبح سرابًا وغير المنال نتيجة تعمق الهوة وتضارب المصالح . من هنا جاء خيار حكومة الكفاءات الوطنية السياسية المستقلة عن الأحزاب . وهو خيار و هو امر واقع في نفس الوقت لانه بكل بساطة لا يوجد خيارا اخر خارج منطق الحسابات الضيقة ومنطق اقتسام الغنيمة.
 
 
حكومة الكفاءات الوطنية يجب ان تعبر عن اكبر القواسم المشتركة بين غالبية التونسيين اليوم وبالتالي يمكن ان يدعمها اوسع وفاق وطني ممكن وأوسع تكتل نيابي ممكن على قاعدة حسن اختيار الفريق الحكومي وحسن وضع البرنامج الذي يستجيب لحاجيات التونسيين اليوم . ويبقى للأحزاب والكتل مجال المراقبة والمنافسة داخل البرلمان والكلمة الفيصل في تمرير القوانين والإصلاحات . وعلى قدر العزم تأتي العزايم . المنافسة بين الأحزاب والكتل ستستمر تحت قبة البرلمان . واكدت التجربة ان هذا الواقع ليس بحامد بل هو متحركًا والأغلبية والأقلية تتغير بتغير القوانين والإصلاحات والرهانات ذات العلاقة بقضايا الهوية والثقافة والعلاقات الدولية والمشاغل التنموية . وهنا يمكن للرأي العام من تحميل المسؤولية لكل طرف و مساءلته وفق مواقفه وسياساته . هذا الوضع هو نتيجة حتمية للمشاكل التي أفرزها النظام السياسي والنظام الانتخابي التي تاكدت مراجعتها اليوم.
 
 
وبالتالي لا فايدة ترجى من محاولة الرقص على حبال متعددة وان نحاول اللعب مع الشيطان في كل الاتجاهات كما يقول المثل . احيانا نكتشف وطنية ونظافة واهمية و ضرورة قلب تونس ونلعن التيار والشعب وأحيانًا اخرى يهزنا الحنين الى سنوات الجمر والى عودة الوئام مع حلفاء الامس و رفاق الدرب وإخوان الصفاء باسم التصدي لخطر الانقلاب على نتايج الانتخابات وعلى الخيار الديمقراطي !؟؟ وكفى لعبا بشيطنة دولة الاستقلال وما تلاها احيانا وأحيانًا اخرى تمجيد مكاسبها وزعمائها . يقول الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران ان المرء هو الذي يكون المتضرر الأكبر من ازدواجية خطابه "On ne sort de l’ambiguïté qu’à son détriment". 
 
 
المطالبة اليوم والدعوة اليوم عشية اعلان رئيس الحكومة عن تركيبة حكومته الجديدة الى احياء الخيار الديمقراطي او الخيار الثوري ببث الروح في الجسم الميت وفي الوقت البدل الضائع هو اكبر دليل حلى فقدان البوصلة والتخبط في المواقف ونقيضها . ان ما عاشته حركة النهضة منذ الانتخابات في حاجة الى مراجعات عميقة وجريئة و شجاعة بعيد عن منطق اتهام الآخرين بالاستئصال والإقصاء . ان مثل هذه الدعوات قد تهدد المسار الانتقالي برمته وقد تدفع بالبلاد نحو المجهول .

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter