alexametrics
آراء

مخاوف الدول الشقيقة والصديقة إزاء ما يحدث في تونس مشروعة

مدّة القراءة : 6 دقيقة
مخاوف الدول الشقيقة والصديقة إزاء ما يحدث في تونس مشروعة

 

كان أسبوعا حافلا بالأحداث بنسق جنوني .. لقد استعاد التونسيون أنفاسهم منذ الإعلان عن القرارات الرئاسية بإعفاء رئيس الحكومة من مهامه وتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوّابه. حسب آخر سبر للآراء أنجزته مؤسسة إيمرود كونسيلتينغ بطلب من "بيزنس نيوز" وقناة "التاسعة" والذي تم نشره يوم 28 جويلية 2021 فإن 87 بالمائة من التونسيين يؤكدون مساندتهم لقرارات رئيس الجمهورية.

86 بالمائة من المستجوبين مع قرار تجميد البرلمان و88 بالمائة مع رفع الحصانة عن النواب.

 

لماذا كل هذا الترحيب بالقرارات في الشارع التونسي وعلى مواقع التواصل الإجتماعي ؟ لقد أفرط النواب خلال الأشهر العشرين  الماضية في التمسّك بالحصانة، دون الحديث عن القوانين التي تم خرقها والأحكام القضائية الصادرة في شأن البعض منها وما تزال في انتظار التنفيذ.

 

أحد هؤلاء النواب يمتلك إذاعة دون ترخيص يستغلها لمآرب سياسية .. وثان يتهم رئيس الدولة بالخيانة العظمى وينشر مقاطع فيديو مفبركة لخصوم سياسيين وهم عراة .. وثالث انخرط في بث الفيديوات يتحدّى من خلالها الرئيس بعبارات غير لائقة .. ورابع يستغل صفته كنائب للشعب لفرض نقل الفسفاط بأسعار خيالية .. ونواب آخرون يتهجمون على أعوان الأمن أثناء أداء عملهم .. وآخر يعنّف زملاء له في المجلس تحت قبة البرلمان...

 

هذا بالنسبة إلى مجلس نواب الشعب .. أما بخصوص الحكومة فهي الطامة الكبرى وهو ما تعكسه بوضوح الأوضاع الإقتصادية والصحية .. لقد كنا في غياهب الجب دون أي بصيص أمل.

 

منذ أشهر نبّهنا وحذّرنا على أعمدة صحيفتنا من مغبة تواصل الوضع على ما هو عليه .. نادينا بضرورة إنقاذ البلاد .. أشرنا أمام قرائنا إلى مظاهر انهيار الدولة .. أرشيف بيزنس نيوز يشهد بذلك .. كانت الأسابيع الماضية عصيبة للغاية وقد تحدثنا حتى عن صوملة ولبننة البلاد .. لقد طفح الكيل.

 

يوم 25 جويلية 2021 خرج التونسيون بأعداد غفيرة للتعبير عن ضجرهم إزاء طبقة سياسية في عزلة تامة عن مشاغلهم .. كانت حالة الغليان قد انطلقت بعد.

 

في تلك الليلة، تحرّك رئيس الجمهورية وتفاعل في وقت قياسي مع مطالب الشعب باتخاذ قرارات تاريخية اعتبرها الكثيرون ومنهم بيزنس نيوز "انقلابا" .. قد تكون الخطوة التي أقدم عليها الرئيس تستحق التحية باعتبارها ستخلصنا من وضع متأزم للغاية لكنها مع ذلك تبقى انقلابا.

 

لقد أشرنا في مناسبة سابقة أن هذا الإنقلاب يمكن تشبيهه بسائق يحمل، بشكل استعجالي، مصابا إلى المستشفى .. هذا الوضع الطارئ والمستعجل يسمح للسائق من وجهة نظره بعدم التوقف في الأضواء الحمراء، بما أن الغاية القصوى هي إنقاذ روح بشرية مهما تكلّف الأمر. 

 

دولتنا المنهارة ومؤسساتنا الشبيهة بالسيرك هي ذلك الجريح المصاب الذي من أجله خالف قيس سعيّد قانون الطرقات وتجاوز الضوء الأحمر للدستور .. لهذا السبب سانده 87 بالمائة من التونسيين ولم تعتبر المجموعة الدولية ما قام به انقلابا.

 

لكن مع ذلك هناك مخاوف عبّرت عنها بوضوح أحزابنا ومنظماتنا ووسائل إعلامنا وشركاؤنا الأجانب .. لا يريدون من التجربة الديمقراطية التونسية أن تفشل .. كما دعوا رئيس الجمهورية إلى العودة في أسرع الآجال الممكنة إلى دولة القانون .. وقد تعهّد بأن الوضع سيعود إلى نصابه في ظرف شهر.

 

تقاعلا منهم مع هذه المواقف، أصدرت ثلاثون شخصية رسالة مفتوحة يدعون من خلالها القوى الأجنبية إلى العدم التدخّل في الشؤون الداخلية لتونس وإلى أي محاولة لفرض الإسلام السياسي على المجتمع التونسي.

 

كما دعوا الدول الشقيقة والصديقة إلى مساندة إرادة الشعب التونسي وخياراته.

 

هل لنا أن نطالب شركاءنا الأجانب بعدم التدخّل في شؤوننا الداخلية في حين أننا في المقابل لم ننفك عن طلب يد العون والمساعدة منهم طوال السنوات العشر الماضية ؟ لنكون صرحاء وجدّيين قليلا .. من غير ممكن أن نطلب قروضا من صندوق النقد الدولي ومن بعض الدول ثم نطلبهم منهم توفير الضمانات وبعد ذلك نطلب الأوكسيجين والتلاقيح .. وفي الأخير نقول لهم "لا تتدخّلوا في شؤوننا الداخلية ! " .. عندما نتّبع سياسة التسوّل طوال عقد من الزمن .. عندما نطالب لما فيه خير التجربة الديمقراطية التونسية، بالهبات والقروض، لا يمكننا بين عشية وضحاها أن نقول لهم لقد انتهت هذه التجربة الديمقراطية  .. لا بد من حد أدنى من الانسجام وتحمّل مسؤوليتنا سيداتي وسادتي "الشخصيات" !

 

شركاؤنا الأجانب محقون في التدخّل في شؤوننا بما أننا فتحنا الباب أمامهم منذ 2011 .. هم محقون كذلك لأن ما يحدث في تونس له تبعات مباشرة على المنطقة، ابتداء من جيراننا في الجزائر وليبيا ..

 

تونس ليست جزيرة معزولة عن العالم حتى يتصرّف حكامها على هواهم دون تقديم أي تفسيرات أو تبريرات ..

 

لو أن الأوضاع في تونس تشتعل  .. لو يقرر الإسلاميون اللجوء للعنف مثلما لمّح إلى ذلك زعيمهم الروحي راشد الغنوشي .. الأكيد أن الجزائريين والليبيين هم أول من سيدفعون الثمن .. إيطاليا وفرنسا سيدفعان قطعا جزءا من تلك الفاتورة.

 

إذن عوضا أن نكون وقحين إزاء شركائنا التاريخيين وأصدقائنا الحقيقيين (وأقصد بالخصوص الجزائر وفرنسا وإيطاليا)، لنحاول أن نفسّر لهم ونوضّح أي وصلت الأوضاع في بلادنا.

 

ما هي حالنا بعد 8 أيام من هذا الإنقلاب الذي قيل إنه دستوري ؟ قبل 22 يوما من انقضاء المهلة التي حدّدها رئيس الجمهورية لا أحد بمقدوره الإجابة على هذا السؤال.

 

لليوم لا وجود لرئيس للحكومة في حين أنه كان يفترض أن يتم تعيينه يوم الإعلان عن القرارات .. لا نعلم إن كان البرلمان سيعود للعمل مثلما كان أم لا .. كما أننا لا نعلم ما إذا كان رئيس الجمهورية سيعمل ما في وسعه للزج بصعاليك البرلمان في السجون أو لا.

 

الأكيد أنه منذ يوم الجمعة الماضي، عادت المنظومة القضائية للعمل .. فقد تم إيقاف النائب ياسين العياري تنفيذا لحكم بالسجن بشهرين صادر منذ 2018 .. وهو حكم لم يتم تنفيذه أبدا بما أن النائب كان يتمتع بالحصانة البرلمانية .. حين نقرأ برقيات وكالات الأنباء الأجنبية، نفهم أنه تم إيقاف العياري بسبب معارضته لقيس سعيّد، لكن هذا ليس صحيحا.

بصرف النظر عن هاتين السنتين الماضيتين، كان تصرّف النائب أقرب منه إلى الصعاليك إذ لم يتردد في الكذب وشتم المعارضين وتشويه سمعة الصحفيين المعارضين لشقه السياسي (التابع للمنصف المرزوقي) ورفع راية داعش وخرق القوانين .. حتى وإن كان هدّا من حدة أقواله وردود أفعاله خلال العامين الماضيين، فإنه كان لابد من محاسبة ياسين العياري .. تلك هي العدالة فهو ليس فوق القانون .. وليس من حقه أن يتخفّى وراء الحصانة من أجل أفعال لا علاقة لها بالعمل البرلماني.

 

كما تم إيقاف النائب الإسلامي المتشدد ماهر زيد .. هو أيضا صعلوك معروف بدفاعه عن الإرهابيين .. لكن تم الإفراج عنه في اليوم التالي قبل أن يلقى عليه القبض من جديد بعد دقائق قليلة من تسريحه .. كيف تم الإفراج عنه ؟ يبدو أن هيئة الدفاع تقدمت بما يثبت الكف عن التفتيش عنه، بما أنه قام بتسوية وضعيته القانونية .. لكن كيف سوّى ةضعيته في حين أنه صادر في حقه حكم نافذ بالسجن ومتورّط في عديد القضايا ؟  قبل أن يتمسّك بالحصانة البرلمانية، هذا الإسلامي المتشدد استفاد من الارتباطات والعلاقات التي كان يوفرها له حاميه، وزير العدل الأسبق، النائب النهضاوي نور الدين البحيري .. لقد خضنا طويلا في قضاء البحيري الذي يطبّق بوضوح سياسة المكيالين.

 

نائب آخر استفاد من القضاء في عهد البحيري وهو النائب الإسلامي المتشدد سيف الدين مخلوف الذي تم إصدار حكم غيابي بالسجن في شأنه بعشرين شهرا من أجل الإساءة لقاض .. اعترض النائب على الحكم وبفضل قضاء البحيري تم تأجيل موعد الجلسة إلى ديسمبر 2021 .. أي بعد ثلاث سنوات من الأفعال المنسوبة له .. في الديمقراطيات الحقيقية والعريقة يتم الحكم فورا في مثل هذه القضايا  .. في تونس تعقد الجلسات في الطور الإبتدائي بعد ثلاث سنوات من وقوع الأفعال ..

 

كما سجلنا صدور بطاقات جلب في حق عدد من الإسلاميين المتشددين على غرار عبد اللطيف العلوي وراشد الخياري ومحمد العفاس المتورطين في عديد القضايا.

 

السؤال المطروح الآن والذي يطرحه كذلك شركاؤنا الأجانب، هل يتعلق الأمر بقضايا حقيقية أم بتصفية حسابات سياسية، من خلال رئيس الجمهورية الذي يبدو أنه بصدد تصفية خصومه الواحد تلو الآخر ؟

 

شخصيا أميل إلى الاحتمال الأول لأنه الأقرب للتصديق ولأنه يستجيب لتطلعات الشعب التونسي .

 

النظام المنبثق عن انتخابات 2019 ارتكب الكثير من الخروقات في حق القانون في كنف الإفلات من العقاب .. وقد سئم التونسيون من رؤية النواب يعربدون ويفعلون ما يشاؤون دون حسيب ولا رقيب لمجرّد أنهم يتمتعون بالحصانة البرلمانية.

 

لقد تم الانحراف عن المفهوم الحقيقي للحصانة .. فهي لا تمارس إلا للقيام بعمل برلماني، إلا أن نوابنا يوظفونها لمآربهم الشخصية .. برفع هذه الحصانة عنهم وبدفع الجهاز القضائي للتحرك ضد النواب فأننا في نهاية الأمر لم نفعل سوى تطبيق القانون.

 

ليس من المعقول أن يكون بعض المواطنين خاضعين للقضاء وآخرون فوق القانون.

 

خلافا لما يدّعيه الإسلاميون، لم نسجّل أعمالا قمعية خلال الأسبوع المنقضي ولا أي مطاردة لمعارضي سعيّد .. بل هناك استعادة لتطبيق القانون ولقضاء عادل .. فإيقاف نواب خارجين عن القانون ليس تصفية حسابات بل معاملة كل التونسيين على قدم المساواة.

 

علوية القانون والمساواة أمام القضاء هو ما نتطلّع إليه جميعا ..

 

قبل 25 جويلية 2021، كنا في غياهب الجب دون أي بصيص للأمل .. بعد 25 جويلية مازلنا لا نرى منفذ الخروج لكننا نلمح بعيدا بصيصا من الأمل جعل 87 بالمائة من التونسيين يساندون قرارات الرئيس .. هذا البصيص من الأمل هو الذي يسمح لنا "مُكرهين" بالموافقة على خرق الدستور فالنية طيبة والغاية هي القضاء على ظاهرة الإفلات من العقاب والفساد  المستشري في البلاد .. الإرادة تبدو صادقة.

 

لكن علينا التحلي بالحذر واليقظة .. علينا أن لا نسلّم قيس عسيّد صكا أبيض .. مهما كانت الظروف علينا ألا نصمت عن أي عملية إيقاف غير قانونية أو قضية مفبركة  أو تصفية حسابات سياسية يتم تمريرها على أنها ملف قضائي ..  علينا فضحه بمجرد أن تخامره فكرة قمع حرية التعبير .. وفي صورة حدوث هذا فإننا سنتجه نحو المجموعة الدولية ..

 

بمطالبتنا المجتمع الدولي بعدم مساندة الإسلاميين الفاسدين والخارجين عن القانون، علينا أن نقرأ ألف حساب للمستقبل وعدم إبداء نكران الجميل تجاه شركائنا الأجانب الذين يعتقدون أنهم كانوا دائما إلى جانب الشعب التونسي وتطلعاته .. عوضا عن توجيه الأوامر وإعطاء الدروس لهم، فلنطمئنهم ولنجعل من تونس ما بعد 25 جويلية، بلدا ديمقراطيا محترما للحقوق والحريات مع وجود قضاء نزيه وعادل.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0