alexametrics
آراء

نحن نذوق « عسيلة التدافع » بعد معاشرة الإخوان سبع سنوات

مدّة القراءة : 5 دقيقة
نحن نذوق « عسيلة التدافع » بعد معاشرة الإخوان سبع سنوات

 

كم هو شبيه وضعنا بوضع امرأة رفاعةَ القُرَظِيِّ جاءَت إلى الرسول فقالت : يا رسولَ اللهِ ، إن رفاعةَ طلقَني فبَتَّ طلاقي ، وإني نكحتُ بعدَهُ عبدَ الرحمنِ بنِ الزبيرِ القرَظِي ، وإنمَا معَهُ مثلُ الهُدْبَةِ ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : لعلكِ تريدِينَ أنْ ترْجِعي إلى رفاعةَ ؟ لا ، حتى يذوقَ عُسَيْلَتِكِ وتذُوقي عُسَيْلَتَهُ. سبع سنوات مكتملة مرّت على هذه المعاشرة مع الإخوان، وفرض علينا أن نذوق عسيلتهم التي لخّصها زعيمهم في بلاغة كبيرة في لفظ " التدافع" لفظ كان غريبا على الكثيرين لكنّه معروف عند العارفين بسيرتهم، فأدركوا أنّها وإن كانت زيجة " ضيزى" فلن ينجو منها سياسي ولا مثقّف ولا عامّيّ، مثلما أدركوا أنّهم قادمون لا محالة على تجربة " المحنة الكبرى".

 

واليوم ، ونحن نغلق سنة 2018، أسأل : ماهي باكورة ثمار هذه الزيجة؟ وفي أيّ درك نحن؟ وأعلم أنّه عليّ أن أختار نماذج من هذه التجربة، بل أقول في تواضع، قد نكون الشعب العربي الوحيد الذي قُدِّم هديّة للإخوان حتى تمارس عليه أصناف من التجارب ليُثبِت خبراء أمريكا أنّ الديمقراطية والانتقال السلمي أمر ممكن في البلدان الإسلامية. فذقنا عسيلة الإخوان، لكن حذار لم نكن مستسلمين وإنّما بإرادة من انتخبناهم واعتقدنا أنّ خلاصنا لن يكون سوى عن طريقهم، لكنّهم كانوا حريصين على إرجاعنا إلى بيت الطاعة" حتى " نذوق عسيلتهم".

 

أختصر هذه الباكورة في " الإرهاب" وما كان له من تأثير في حياتنا وأبنائنا واقتصادنا وركوب الكثيرين علينا ونحن نئنّ. لكن حذار، فللإرهاب معاني كثير، ولا يمكن البتّة الاقتصار على القتل، هو عنف بالسلاح ولكن الأخطر منه العنف المعنوي، وقد كنّا جميعنا ضحايا هذا الصنف. ولنستحضر الأحداث التي عشنا في هذه السنوات نجد أنّها مركّزة أصلا على عنف الفكر والسلوك، عنف التعبير واللباس. شرع الإخوان في فرضه علينا تحت مظلّة" التدافع" فأمكنهم أن يسلكوا سبيل " العنف الناعم" الذي يتسرّب في نعومة إلى العقول ويتلبّس بالعادات وحتى في طريقة الحديث. 

ذهبت بي ذاكرتي وأنا أقيّم تجربتنا مع الإخوان إلى البدايات، فإذا بالصور حيّة تحكي ما سنصير إليه من عنف وإرهاب: فتحت قاعات التشريفات بتونس في عهد الترويكا، وبأمر من رئاسة الجمهورية آنذاك، وذهب رئيس ديوان رئاسة الجمهورية ليحتضن الدعاة .. واستقبلهم مسؤولون عن حركة النهضة والمؤتمر..واستحضرت تلك المواكب الرسمية وهي تنقل وجدي غنيم إلى قبّة المنزه وقد تزينت له بأمر من وزير النهضة..فذاقوا عسيلته..ولم أنس الحفل الحاشد بصفاقس والناس ينتظرونه على أحرّ من الجمر ؟..

 

تساءلت في حرقة كيف لنا أن نغفر ما عانته الجامعة التونسية من هتك لحرمتها في تلك السنوات، وبأمر من وزير التعليم العالي آنذاك، فصارت حلالا للخطاب التكفيري.. واعتُبرت مداخلاتهم  من الأولويات التي تسمح بإيقاف الدروس تعميما للفائدة، كما قيل لنا..؟ وما صاحبها من مظاهرات اتسمت بالعنف والتهديد والتوعّد ، ولكم أقرب مثال ما حدث في مؤتمر أنصار الشريعة بالقيروان في 2012، وبتزكية وزير الداخلية علي لعريض.. واليوم يتساءلون البراءة تعلو وجوههم عن الأسباب في استقطاب الطلبة من الإرهابيين؟؟؟

 نعم، إنّ السبب الأصلي يعود إلى ما حدث أيام حكم النهضة.. عندما هتكت أعراضنا وفتحت خدورنا لدعاتها. وعندما صدعت مساجدنا بأمرها لتحثّ على الجهاد... وعندما انتشرت نزعة استبدال علمنا الأحمر والأبيض بالأسود الداعشي .. نعم عشنا إعلان تكوين داعش في أرضنا منذ 2012، ورفع علمها أنصار حزب التحرير.. هل نسيتم الالاف الذين فتحت لهم أبواب السجون ولم يقع تتبعهم؟..ألم تكن الجمعيات ذات المرجعية الدينية؟ والتي تعيش تحت حماية أحزاب حاكمة، تنثر المال في المناطق المهمّشة نثرا وتبث دعوة الجهاد؟ جمعيات بقيت على نشاطها ترتع في مجتمعنا استقطابا وفسادا رغم ما نسب إليها من تهم ذات صلة بنشر الإرهاب.. وأين هي حكومتنا؟ إنّها تتذوّق عسيلة الحكم مع الإخوان.

 

مفارقة عجيبة نعيشها، فأهل القرار في شبه غيبوبة، كأنّهم يعيشون في بلد غير بلدنا، ويسيّرون أمورنا بإشارات عن بعد..نفس الأخطاء تتكرّر وزاد عليها ظاهرة جديدة هذه السنة: هي فنّ المصارعة بين رئاستي الجمهورية والحكومة ، والسبب " أم عيون جريئة".. وفي أثناء ذلك أكل الجوع بطون أبناءٍ كم كانوا يحلمون وهم يدرسون بمستقبل مشرق.. وفي أثناء ذلك اهترأت عظامهم من البرد، فاستوى عندهم الحياة والموت لأنّ " الكرامة" مفهوم سرمديّ في نظرهم

 أحوالنا تزداد تعقيدا والهوّة بين الطبقات الاجتماعية تزداد اتساعا، سياستهم قامت على " الترقيع" ولم يبق لهم سوى شعارات رنّانة كلّما نطقوا بها تلهّى الشعب بترديدها ساخرا.

 لكن، أين "المحاسبة"؟ أين الجرأة التي ننتظر حتى يرسل المسؤولون إشارات إيجابية إلى هذا الشعب فيسترجع ثقة في غد قد يحمل علامات حياة؟ الإدارة التونسية ينخرها الفساد بجميع مظاهره والجميع لا يبالي.. ضاع العيش الكريم، وحتى الزاد المعرفي لهؤلاء الشباب الفقير مالا وروحا. لا تنتابهم الحيرة سوى عندما يواجهون شابا أحرق نفسه أو قامت جماعة تحتجّ .. وكم حذّرناهم من ثائر اقتنع أنّه سُلب كلّ ما يملك، لن تسكته التُهم ولن يخذله التهديد.

 

سؤال لم أجد له جوابا: بماذا نفسّر هذا الحرج الطاغي عليك يا سي يوسف الشاهد كلّما ذُكّرت بملفّات النهضة؟ من علاقة بعض أعضائها بقضية الشهيدين.. إلى تهمة الجهاز السرّي وانعكاسه الخطير على المسار الديمقراطي خاصّة ونحن على أبواب الانتخابات التشريعية والرئاسية؟ وحديث عن الغرفة السوداء بوزارة الداخلية؟ وإن نصحك " خبراؤكّ" بالصمت حتى ينسى الشعب هذه القضايا ويتغافل عنها فإنّي أجيبك بالنفي لأنّ الذاكرة الجماعية مهمّتها أن تخزن ولا يعلم أحد اللحظة التي تحيي فيها هذه الأحداث. لماذا لا تفتح ملفّات التمويل الجمعياتي؟ وخاصّة ما تقوم به " جمعية قطر الخيرية" ، وإن حفظنا لك موقفا منها فهو الصمت وتطبيق مقولة " لا تاذيني لا ناذيك".أبهذه المقاربة تنوي إنشاء حزب؟ أبهذا المنهج أنت عازم على أن نخوض الانتخابات؟ سيما وأنّ الهوّة بيننا نحن المجتمع التونسي وبينكم أنتم الأحزاب في اتساع مستمرّ؟

 فرجاء، عودوا إلى جوهر الموضوع ، وتحمّلوا مسؤوليتكم. وإن استرسلتم على هذه الحال فلن تشفع لكم العصابات الناهبة الموظّفة ... استبدَّ بالفاسدين " فإنّما العاجز من لا يستبد" وأنت بين أمرين لا ثالث لهما: إمّا تغيير جذري وعاجل لسياسة فاشلة واستبدالها بأخرى واضحة وصريحة وصارمة بعد تقييم جدّي لوضعنا أو داعش التي تترصّد كلّ لحظةٍ وفرصة ضياع.

 

كثر في هذه السنوات بكاؤنا ، لكن، إلى متى سيظلّ قدرنا البكاء؟ إلى متى سنرضى بأحلام الوهم بديلا؟ هل يستحقّ هذا الشعب ذاك المصير؟ الموت صار لنا غذاء، والعنف عشاء. وأين نحن من كلّ هذا؟ ننظر أو نلاحظ فإذا باللعنات تنهال علينا وديانا، وإن نقدنا فالجَلد اللفظيّ ينال أفكارنا ونفوسنا. الأحلام في أسواقنا صارت أبخس ثمنا من اللحوم والخضر والغلال.نحن يحكمنا أناس شغفوا بلفظة " سوف" وغفلوا عن أنّ التسويف لغة العاطل.

صورة جديدة تُرسَم لحكّامنا اليوم: البكاء وإلقاء التهم جزافا على الغير، والخروج في ثوب الضحية لا الجلاّد، وفي أثناء ذلك يعمل جاهدا على تشكيل تحالفات لا يجني منها سوى هدنة عابرة ووقتية ، هدنة تَقِيه مواجهة المشاكل المتراكمة التي وقعت فيها النهضة تحت غطاء الترويكا وتركتنا نتخبّط في أتونها.

 

واليوم علينا أن نقرّ في مرارة ونعترف ، ولتواصل الحكومة إخفاء رأسها إن رأت في ذلك صلاحها ... وعلينا أن نواجه حقيقة مرّة انحدرت إليها صورة تونس.. صارت تونسكم يا سادتي تستجدي.. فهل نملك نحن المجتمع المدني القوّة حتى نواصل صمودنا كما في عهد الترويكا لنذود عن بلدنا الأذى؟ علينا أن نرسم صورة تاريخية، جديرة بأبنائنا الذين ابتلعهم التطرّف والغوغائية المتوحّشة. كلامي إلى هؤلاء: لا تزيدوا في إذلالنا وهتك حرمتنا وحرمة هذا البلد الذي يئنّ في صمت.

 

هل من محاسبة من سعى إلى طمس الشخصية التونسية ورام أن يلوّنها بطابع غريب عنها؟ هل حاسبنا من كان وراء استقدام دعاة همّهم الوحيد تنجيس الفكر التونسي الطيّب؟ أبناؤنا أرسلوا زرافات ووحدانا إلى ليبيا وسوريا والعراق ليتدربوا على قطع الرؤوس، أين هي صورة بلادنا التي تلاشت في المحافل الدولية؟ دمّار!!!!! لقد خلّد لنا التاريخ أنّنا الأمّة الوحيدة التي كان لرئيس دولتها القدرة على التنديد في الخارج بالعلمانيين من شعبه ويعدهم بالمشانق. من يقدر على إيقاف من يزرع نار الفتن العشائرية في بلدنا وقد تجاوزناها منذ ما يزيد عن قرن؟ مرّة أخرى أقولها: المحاسبة مرحلة حاسمة في حياة تونس، ومادمنا نعمل على تأجيلها فإنّ المتطفّلين لن يضيّعوا فرصة في زرع الفتن. المحاسبة أساسية حتى نتجاوز هذا الوضع لأنّ كلّ طرف سيتحمّل مسؤولية عمله ويلتزم بالحدود التي يفرضها عليه المجتمع.

 

التونسي يترقّب منك يا يوسف موقفا صارما صادقا يخترق بصدقه مثل السهم قلبه حتى يشمّر على ساعد العمل. فلا تتلهّى بعسيلة النهضة، لأنّ مذاقها وأن استعذبته فسرعان ما ينقلب إلى مرّ إذا استرسلت على تجاهل التونسية والتونسيّ العاديّ. وتلك هي نصيحتي في آخر أيّام 2018.

ومع ذلك أرجو للجميع ولا أتمنّى أن تكون 2019 سنة الخروج من الخلخلة التي وقعنا فيها.

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0