alexametrics
آراء

.. وفشل اليسار حيث سقط الآخرون

مدّة القراءة : 2 دقيقة
.. وفشل اليسار حيث سقط الآخرون

 

قدم تسعة نواب من كتلة الجبهة الشعبية استقالتهم من الكتلة دفعة واحدة مما يعني في حال أصبحت هذه الاستقالات نهائية بعد انقضاء الآجال حل كتلة الجبهة الشعبية واندثارها. وليس ذلك بالأمر الخطير في الحقيقة قبل شهرين من انتهاء العهدة البرلمانية وأن لم يكن بالشئ الهين. لأن الأخطر والأهم هو أن هذه الاستقالات أعلنت ما كان مسكوت عنه منذ مدة وهو وجود أزمة عميقة داخل الجبهة الشعبية وهياكلها وتنافر وصل حد القطيعة بين البعض من مكوناتها وقياداتها السياسية.

وقد حمل أحد أعضاء المجلس المركزي للجبهة وهو الأمين العام للتيار الشعبي زهير حمدي  مسؤولية اندلاع هذه الأزمة لحزب الوطد الموحد الذي قال عنه أن توجهاته تتناقض مع خط وخيارات  الجبهة الشعبية . الا أن هذا التصريح لايمكن الاعتداد به واعتباره تشخيصا لما يحدث داخل الجبهة بقدر ما يدخل في باب بحث التيار الشعبي وأمينه العام عن تعزيز موقعه داخل المجلس المركزي والتقارب مع حزب العمال على حساب الوطد قبل أسابيع قليلة من تقديم القائمات المرشحة للانتخابات التشريعية المقبلة. فان كان التنافر بين الوطد وحزب العمال معلوما منذ مدة وخاصة منذ اعلان الوطد نيته ترشيح المنجي الرحوي للانتخابات الرئاسية المقبلة فان من بين النواب المستقيلين من هم ليسوا من حزب الوطد ولا يشاطرونه مواقفه مثل رئيس الكتلة أحمد الصديق وعبد المؤمن بن عانس الذي يعد من قيادات حزب العمال الذي أعلن عن تجميد عضويته في الحزب بمعية مائة من المناضلين الاخرين ليلة انعقاد المؤتمر الأخير لحزب العمال. وفي المقابل فان جميع الاختلافات التي تظهر داخل الجبهة الشعبية بين الفينة والأخرى يكون محورها ليس حزب العمال وانما تحديدا حمة الهمامي زعيم حزب العمال والأمين العام للجبهة والناطق باسمها.

لكن بالرغم من أهمية الأشخاص ودورهم في مثل هذه الأزمات بسبب تصرفاتهم الأحادية أو نرجسيتهم المفرطة فان ما يعصف بالجبهة الشعبية حاليا وينذر بنسف تجربتها يتجاوز الأشخاص ويرتبط بمشاكل هيكلية وبتشوهات خلقية ولدت بها ولم تتم معالجتها بالجدية المطلوبة طيلة السنوات الأربع الماضية. فقد كان واضحا أن الجبهة الشعبية كانت تحتاج الى تدعيم هياكلها بهياكل أخرى أكثر انفتاحا على محيطها داخل اليسار المستقل بالخصوص والى استنباط آليات عمل أكثر ديمقراطية وتشاركية. إلا أنه مع مرور الوقت أفرغت الهياكل الموجودة من محتواها وأصبحت مجرد هياكل صورية فيما تم الاستحواذ على القرارات داخلها بين أيدي قلة قليلة من القيادات المتنفذة.

وسواء تمسك النواب المستقيلون باستقالاتهم أو تراجعوا عنها قبل الآجال المحددة فانه يصعب تصور استمرار تجربة الجبهة الشعبية لاعتبارات موضوعية وذاتية كثيرة. وهذا يحيلنا الى ابداء الملاحظات السريعة.

وأول هذه الملاحظات أن الحركات والتنظيمات والأحزاب السياسية التونسية بجميع توجهاتها اليسارية والليبرالية والقومية وغيرها فشلت منذ العشرينات من القرن العشرين في انجاح أي تقارب أو جبهة أو  ائتلاف سياسي بالرغم أن محاولات التقارب كانت عديدة ومتكررة لا سيما منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي. وقد كانت النزعات الزعاماتية والنرجسية المرضية والتورم المفرط للأنا لدي القيادات السياسية هي العامل الأساسي لفشل جميع هذه المحاولات التوحيدية. وقد أعطت الجبهة الشعبية انطباعا بقدرتها على تجاوز أخطاء المحاولات الائتلافية الماضية لكن ذلك كان مجرد انطباع اذ لم تصمد التجربة أكثر من أربعة سنوات منها فترة لا يستهان بها كانت الجبهة فيها في حالة موت سريري.

وكان يفترض ان تستفيد الجبهة الشعبية من اغتيال اثنين من أبرز قيادييها وهما الشهيد شكري بلعيد والشهيد محمد البراهمي. فدماء الشهداء غالبا ما تشكل رابطا قويا ووثاقا نضاليا يصعب فكه وتاريخا مشتركا ونبراسا يضيء الطريق نحو الهدف الموحد. لكن من الواضح أن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة للقيادات الحالية للجبهة.

كما كان يفترض أن تستغل الجبهة الشعبية الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتداعية لتعزيز وجودها وتزيد من اشعاعها في الأوساط الشعبية ولدى الرأى العام الوطني. إلا أنها فشلت في ذلك فشلا ذريعا وفسحت مجالها الطبيعي ليرتع فيه الشعبويون وبائعو الوهم.

 

 

       

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0