alexametrics
آراء

نهاية أسبوع المراوغات السياسية

مدّة القراءة : 4 دقيقة
نهاية أسبوع المراوغات السياسية

 

كان يفترض أن يخصص هذا المقال للحديث عن المقترح الخطير الذي تقدّمت به كتلة ائتلاف الكرامة حول هيئة الإتصال السمعي البصري .. هذا المشروع الذي تمت المصادقة عليه من طرف اللجنة التشريعية المختصة، من شأنه أن يقضي على المشهد السمعي البصري في تونس. لكن تسارع الأحداث أجبرنا على ترك الإهتمام بالمواضيع المتعلقة بالشأن الإقتصادي والإجتماعي والسياسي، لننشغل عنها بالمراوغات والصبيانيات ومختلف الحماقات التي يأتيها سياسيونا .. فالسلطة في تونس في 2020 تتقاسمها رئاسات ثلاث لكنها جميعا أخلت، على طريقتها، بمسؤولياتها.

 

أكثرالإخلالات وضوحا وهو الموضوع الذي أسال كثيرا من الحبر هو المتصل بإلياس الفخفاخ الذي تعلّقت به شبهة تضارب المصالح.. رئيس الحكومة ما زال إلى يومنا هذا يرفض الانسحاب والتخلي عن منصبه، لأنه يتعتقد اعتقادا راسخا بأنه لم يخطئ .. وأن صورته تمر قبل أخلقة الحياة الساسية وقبل طبقة سياسية نظيفة ونزيهة.. فنحن في هذه المرحلة لم لا يعنينا إن كان متهما أو لا بما أن الملف أمام أنظار القضاء والعدالة وحدها كفيلة بالنطق بالحكم له أو عليه .. لكن الإنطباع العام الذي حصل لدى الناس منذ انطلاق هذه القضية لا يخدم مصلحة الفخفاخ .. شخصيات وطنية وأحزاب سياسية تدعوه إلى التنحي، من أجل إرساء تقليد الإستقالة بعد كل فضيحة تشهدها البلاد.. لكن إلياس الفخفاخ يرى خلاف ذلك .. صحيح أن الفخفاخ يريد أ، يواصل لعب دور البهلوان الذي يرقص على الحبل، رغم قلّة خبرته وتجربته في هذا المجال .. فهو ما يزال في منتصف الطريق لكن سقوطه سيكون مدوّيا إذا لم يقرر الانسحاب فورا.

 

بعد أن وجهت له التحذيرات والتنبيهاتفي عديد المناسبات، ها أن حركة النهضة تقرر بالأمس، إلى التخلي عنه والدفع به خارج الرقعة.. لكنه يبدو غير عابئ بهذا الموقف، لأنه يدرك جيدا بأن النهصة بصدد المناورة .. فلو كان الحزب الإسلامي صادقا في نواياه لانسحب من الإئتلاف الحاكم، باعتباره ممثلا بما لا يقل عن 10 أعضاء في الحكومة. فلو أن حركة النهضة كانت ترغب بالفعل في تنحية رئيس الحكومة، لكانت تقدمت بلائحة سحب الثقة منه منذ أسابيع .. لماذا هذه المراوغة؟ الحزب الإسلامي لا يرغب في أن يتحمّل مسؤوليته في اختيار وتعيين رئيس للحكومة من بين أبناء الحركة، بل إن النهضة تريد أن يتحمّل الرئيس قيس سعيّد هذه المسؤولية وأن يكون المرشّح شخصية توافقية وليست مسقطة من عدم، مثلما كان الشأن مع إلياس الفخفاخ.

 

الإخلال السياسي الثاني التي شهدته الساحة السياسية خلال الأسبوع المنقضي، أتى من قصر قرطاج وعلى يدي ساكنه قيس سعيّد المعروف بحرصه الشديد على احترام القانون والدستور. ففي يوم 9 جوليلة 2020 أشرف قيس سعيّد على مجلس "القوات المسلحة والقيادات الأمنية" والحال أنه لا وجود أصلا لمثل هذا المجلس .. فكيف يعقل أن يأتي الرئيس مثل هذا الخطأ ويخلّ بواجباته السياسية والأخلاقية ليحدث دون سابق إعلام مجلسا بهذه الأهمية، تحتل فيه مديرة ديوانه، نادية عكاشة، منصبا هاما؟ ومع ذلك يبدو أن المسألة مرت مرور الكرام ولم تثر استغراب أحد.

 

رغم أن الحادثة ليست تفصيلا عابرا، فإن إحداث مثل هذا المجلس يبقى أقل خطورة مما جاء في اجتماعه من مضامين .. فرئيس الجمهورية، قائد القوات المسلحة حذّر في كلمته بالمناسبة من محاولات تستهدف الدولة ومؤسساتها.. فالخطر يتهددنا من داخل البلاد وليس من خارجها.. كما أن الخطر الذي يتهدد الدولة يمر عبر استهداف مؤسساتها ومن بين هذه المخاطر هو محاولات الزج بالمؤسسة العسكرية في الصراعات الحزبية والسياسية.

 

فما الذي ينبّهنا إليه رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة؟  طبعا لا أحد يملك الجواب، فنحن مدعوّن كالعادة إلى التخمين والتنبؤ بما يوحي إليه سيادة الرئيس.

 

فهو يقول الكثير من الأشياء دون أن يفسّر أو يوضحا أي شيء .. هو مازال يتصرّف كما لو كان مترشحا للمنصب الرئاسي .. يفكّر بعقلية الشخصية المعارضة للسلطة ويتحدّث على شاكلة زبون في مقهى شعبي.

 

كنا ننتظر منه أن يحسم في مسألة شبهة تضارب المصالح التي لحقت رئيس الحكومة الذي اختاره هو بنفسه، فإذا به يطلق المزيد من الألغاز الجديد المعروضة للحل. إذن من الذي يهدّد الدولة؟ لماذا لا يفصح عن هويته رئيس الدولة؟ لماذا لا يتحرّك لمنعه من ذلك؟ لماذا لا يفي الرئيس بوعده الإنتخابي المتمثل بمصارحة الشعب بكل شيء وإقامته شاهدا على ذلك؟ لماذا لا يأخذ موقفا واضحا من الفضيحة التي تلاحق الفخفاخ؟ بما أن الوضع حرج مثلما يقول، عليه أن يتخذ إجراءات وقرارات عاجلة ويبلغنا بها.

 

أما جائزة السعفة الذهبية للمراوغة فتؤول للبرلمان التونسي، مصدر كل مشاكلنا منذ 2011. برلمان يتم في رحابه إجبار الأمن الرئاسي على القبول بإدخال بشخص مشتبه بكونه إرهابي.. برلمان تستخدم تحت قبته مفردات لا تليق من السب والشتم والثلب. برلمان ما زالت  تعطّل فيه القوانين التي من شأنها أن تنقذ البلاد، في حين تمرر القوانين التي تخدم الأصدقاء في صيغة استعجال النظر.

 

يوم الجمعة الماضي وعلى إثر محاولة أحد قياديي ائتلاف الكرامة الصادرة ضده بطاقة "س 17" الدخول بالقوة إلى مقر مجلس نواب الشعب بتواطؤ من رئاسة البرلمان، اجتمع رؤساء بعض الكتل البرلمانية، يومي السبت والأحد، للنظر في مسألة سحب الثقة من راشد الغنوشي.. جميعهم يعلمون أن لائحة سحب الثقة من الغنوشي لن تمر في الجلسة العامة مثلما فشلت في السابق محاولة تمرير الرئاسة الدورية للمجلس. وهذا أيضا من قبيل المراوغة والمخادعة لأن المسألة محسومة مسبقا.   

 

الكتل البرلمانية المجتمعة لتقديم لائحة سحب الثقة هي الكتلة الديمقراطية (38 نائبا) وكتلة الإصلاح الوطني (16 نائبا) وكتلة تحيا تونس (11 نائبا) والكتلة والوطنية (11 نائبا) ويمكن إضافة كتلة الحزب الدستوري الحر (16 نائبا) للتصويت مع إزاحة راشد الغنوشي من رئاسة المجلس. لكن هذه الكتل مجتمعة لا تضم سوى 92 صوتا في حين يلزمها 109 أصوات لتنحية "شيخ" الحركة الإسلامية من منصبه. في المقابل توجد النهضة ب 54 نائبا والكتلتين المقربتين إليها أي قلب تونس (27 نائبا) والكرامة (19) وسيكون من السهل على النهضة تجميع بقية الأصوات وهي تسعة فقط ويمكن حصدها من بعض الانتهازيين والأصوات المعروضة للبيع لمن يقترح أكثر.

 

من السذاجة الإعتقاد بأن لائحة سحب الثقة من راشد الغنوشي سيتم التصويت لفائدتها في الجلسة العامة .. فهذه المبادرة ستساهم في إيجاد مواقع في الحكومة المقبلة وفي أحسن الحالات ستدفع بالغنوشي إلى التخلي قليلا عن عدم الحياد مع إحكام قبضته على الكتل التي تدور حول فُلكه. 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0