alexametrics
آراء

قائد السبسي... قم ودّع اليوم الأخير

مدّة القراءة : 3 دقيقة
قائد السبسي... قم ودّع اليوم الأخير

 

لم تبق غير بعض الليالي، على اعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن حزبه الجديد، ومن الطبيعي فإنّ هذا الإعلان لن يكون عن طريقه مباشرة ولكن عن طريق شخصيات سياسية ونواب ووزراء علاقتهم بالشاهد غير خفيّة مثل سليم العزابي ومصطفى بن أحمد وصابرين القوبنطيني وهاجر بالشيخ ورياض المؤخّر ومهدي بن غربية...

المتابعون للشأن السياسي يعتبرون مغامرة يوسف الشاهد، بتأسيس حزب سياسي جديد ينضاف الى الـ 214 حزبا الذين اختنقت بجلّهم الساحة السياسية، سوف تكون مغامرة غير مضمونة النتائج ويقارنون تجربته بتجربة المهدي جمعة الذي كان رقما مهمّا لدى شركات سبر الآراء أو محسن مرزوق بعد خروجه من النداء أو رضا بلحاج الذي عاد حسابيا الى حزب الرئيس أو سعيد العايدي أو رياض الشعيبي أو عبيد البيركي...

كلها كانت شخصيات لها وزن في الساحة السياسية ولكنها بمجرّد أن أسست أحزابا وجدت نفسها خارج دائرة المنافسة.

أصحاب هذا الرأي يعتبرون أنّ الساحة السياسية لم تعد في حاجة الى أحزاب أخرى، فالتعدّد الحزبي لم يعد يعكس تعدّدية سياسية.

أمّا حسابيا، بالنسبة الى أنصار يوسف الشاهد أو المراهنين عليه في الانتخابات المقبلة فإنّ المراكمة التي حققها الرجل في رئاسة الحكومة إضافة الى الخصوصيات السوسيولوجة والنفسية للناخب التونسي الذي يميل في جزء منه أكثر الى مساندة من هو في الحكومة بحثا عن الاستقرار والسطلة وهو ما يفسّر ارتفاع ''أسهم'' رؤساء الحكومات في نسب سبر الآراء... كلّ ذلك أفضى بالنسبة إليهم الى بروز ''كاريزما'' جديدة قادرة على لعب دور سياسي.

هؤلاء الذين يراهنون على يوسف الشاهد، هم في الحقيقة يراهنون على عملية حسابية، فالرهان ليس على أن يكون الشاهد رئيسا للجمهورية في انتخابات 2019، فذلك لا يكفي لأنّ الدستور لا يمنحه الصلاحيات والسلطات الضرورية وبالتالي يجب السيطرة على البرلمان، وهذا المبتغى لا يتمّ بشخص واحد أو بعض الأفراد أو عن طريق كتلة نيابية في البرلمان الحالي، بل يجب أن يتمّ عن طريق حزب سياسي، فالحزب هو الأداة القادرة بالنسبة إليهم على الوصول الى مجلس نواب الشعب وبالتالي الى الحكم.

كان الأمر في البداية يقتضي الارتكاز على نداء تونس وبالتالي إخراجه من بين يدي ابن الرئيس ولكن كلّ المحاولات باءت بالفشل وأصبح الحال ميؤوسا منه، لذلك تمّ اللجوء الى الخطّة ''ب'' وهي تأسيس حزب يخرج من أضلع النداء ويتوسّع فيستوعبه ويحيله على الإنعاش ثم يستأثر هو بالمشهد السياسي بمشاركة حركة النهضة التي ستكون، مرحليا، حليفا ومساندا مهما تنظيميا وسياسيا ودعائيا.

عند بناء الذات الحزبية، سوف تشتغل ''الماكينة'' الإعلامية والسياسية على توسيع جبهة أصدقائه، وستعمل أجزاء من أجهزة الدولة على ذلك، فهي متعوّدة منذ أكثر من خمسين عاما على مثل تلك الأدوار.

افتراضيا، عندما يكون الحزب جاهزا للانتخابات التشريعية في 2019 سوف يكون يوسف الشاهد نفسه جاهزا للانتخابات الرئاسية، وهو ما يعني في صورة الفوز والاكتساح، الاستئثار بالرئاسة وبالحكومة ولم لا البرلمان، مع من سيتحالف، والأرجح ستكون النهضة هي الحليف، الى حين.

نحن بهذا الافتراض أمام فرضيتين، الأولى أن يفوز الشاهد بالرئاسة ويحصل على الأغلبية البرلمانية معناه آليا العمل على تنقيح الدستور في اتجاه تغيير النظام السياسي الذي يؤكّد الكثير من الخبراء فشله، في اتجاه إرساء نظام رئاسي، مع تعيين حكومة في نفس الخط.

والفرضية الثانية أن ينهزم الشاهد في الانتخابات الرئاسية، عندها سيكون حزبه هو الورقة التي يتمّ استخدامها في العمل على الحصول على الأغلبية البرلمانية وبالتالي العودة الى القصبة من باب الانتخابات، وتعطيل أي مسار لتعديل الدستور للإبقاء على سلطة رئيس الحكومة كما هي عليه دستوريا الآن.

أمام هذه المعادلات السياسية، التي كان محرّكها الأوّل الباجي قائد السبسي نجد أنّ رئاسة الجمهورية اليوم تلعب دور المعارضة ''الكرتونية'' فالرئيس يدعم الحكومة ويعارضها في الآن ذاته علنا وسرّا، والرئيس أيضا يشتكي، مثل كلّ التونسيين انهيار قيمة الدينار وغلاء الأسعار بل ويجد مبرّرا للإضراب العام وينتقد سعي الشاهد الى تأسيس حزب سياسي. باختصار سيادة الرئيس يشتكي فقدان السيادة والسلطة، ويحمّل المسؤولية لثلاثة أطراف، أوّلا الدستور وثانيا الشاهد الذي ''غدر'' به وثالثا حركة النهضة التي تعاملت معه في اطار مهمّة تاريخية انتهت وانتهى دوره معها، رغم أنّ الرجل مازال يملك أوراقا قادرة على قلب المعادلة بأكملها، ولكن ثقافته المتأسّسة داخل أجهزة الدولة تمنعه في كلّ مرة كما يقول أنصاره.

اذ لا شكّ أنّ الباجي قائد السبسي لا يفكّر في مستقبله السياسي بل يفكّر فيما سيقال عنه يوم لا يكون رئيسا، أو على الأقل هذا ما كان يريد دائما قوله من خلال ما يقوله.

المعادلات السياسية التي خلقها الباجي قائد السبسي الذي كان هو محورها كرقم أساسي فيها من خلال نداء تونس ومن خلال اسقاط الحبيب الصيد ومن خلال اقتراح يوسف الشاهد والمراهنة عليه ومن خلال الضمانات التي قدّمها من أجل حركة النضهة... يجد نفسه خارجها جميعها والسبب واضح على الأقل بالنسبة الى المتابعين، هي عدم قدرته على الحفاظ على نداء تونس.

وهذا كان جزئيا متوقّعا منذ سنوات فهو حزب بُني حول شخص الباجي قائد السبسي ولم يُبنَ حول فكرة أو مشروع أو أيديولوجيا، إنه حزب دون ADN سياسي بمجرّد أن يبتعد مركزه سوف يتشظى ثمّ يتلاشي، وهو تقريبا نفس الشأن بالنسبة الى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، تلاشى بعيدا عن المرزوقي. فقط أحزاب الفكرة والمشروع السياسي الذي له خلفية أيديولوجية تتوارثه الأجيال، فالفكرة عندما تسكن العقول تتحوّل الى قوّة مادية ضاربة.

الباجي قائد السبسي اليوم يعطي الإيحاء بأنّه ينتظر خروجا آمنا من قصر قرطاج بعدما كان يبحث عن مخرج تاريخي وبعدما كان يدير خيوط اللعبة ويتحكّم في تفاصيلها، هو اليوم يفقد كلّ تلك الخيوط ولم يبق الاّه في هذا المدى المفتوح للنسيان غير ابنه الذي لا شكّ أنّه سيبقى وحيدا إن غاب الأب المؤسّس، الذي قتله أبناؤه الواحد تلو الآخر.

لكن ما يجعل الباجي قائد السبسي مختلفا عن أوديب هو أنّه قادر على الرؤية والرؤيا رغم ضبابية الصورة، ومازال يملك بعض الأوراق الصغيرة ولكنها قادرة على تغيير موازين القوى.

لم يبق أمامه غير يوم واحد قد يطول وقد يقصر، ولكنّه لن يتجاوز هذه الصائفة، وما عليه الاّ أن يقوم ليودّع اليوم الأخير إن كان هزيمة أو تغييرا للمشهد برمّته.

في حين استطاع يوسف الشاهد أن يودّع ذلك اليوم الأخير عندما اختار نهج قتل الأب والابن معا والانطلاق تحت يافطة ''جيل جديد من السياسيين'' يطوي صفحة جيل قديم بنى الدولة وأبدع في تدميرها.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0