استغلال موارد الدولة وتمويلات مشبوهة- محكمة المحاسبات تورط الشاهد والقروي
نشرُ تقرير محكمة المحاسابات بشأن تشريعيات ورئاسيات 2019 للعموم مثلما نص الدستور، يذكرنا بالشوط الذي قطعناه بفضل الثورة في مأسسة فعل الرقابة المالية والادراية وتحويله من كونه رفاهية ضمن دائرة السلطة ترفعُ فيه التقارير الى رئيس الدولة والبرلمان الى خدمة المواطن والديمقراطية ونزاهة الانتخابات، ولو بصفة بعدية- تستعرض اخلالات المرشحين السابقية سنة بعد صول بعضهم الى السلطة.
اخلالات أغلبها خطير جدا، قد يصل الى حد التشكيك بمصداقية بعض المرشحين السابقين للرئاسة : مال أجنبي، غطاء جمعياتي لضخ مال يستخدم في الحملات الانتخابية، استغلال لموارد الدولة، اشهار سياسي، لوبيات أجنبية، تبرعات مجهولة المصدر، دعم اعلامي غير قانوني وغيرها من التجاوزات المخزية لمرشحين للرئاسية لم يترددوا في الجزم بصدقهم ونظافة أيديهم.
أكد التقرير قيام قنوات تلفزية وإذاعية بإشهار سياسي لفائدة 6 مترشحين للرئاسية بتكلفة بين 9.350 ألف دينار و171 ألف دينار. قناة تلفزية واصلت الدعاية الخارجة عن القانون لثلاثة مرشحين خلال الصمت الانتخابي لفائدة 3 مترشحن كما بثت 4 قنوات تلفزية واذاعة نتائج سبر أراء و استطلاعات الرأي تخصّ حظوظ بعض المترشحين للانتخابات الرئاسية.
لم يحترم المرشحون للرئاسة منع الإشهار السياسي عبر الوسائط الاشهارية ووصل الامر الى تسجيل نفقات على خلاف الصيغ القانونية لتسديد مصاريف الاشهار. كما سجل التقرير استعمال 16 مترشحا لمنشورات مدعمة خارج القواعد وخارج زمن الحملات الانتخابية دون تقديم قائمة بهذه الصفحات لهيئة الانتخابات او مصاريف الاشهار الالكتروني.
فيما منع الفصل 53 من القانون الانتخابي استعمال الوسائل والموارد العمومية لفائدة قائمة مترشحة أو مترشح أو حزب. ونص الفصل 17 من قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد 20 لسنة 2014 على منع تمويل الحملة بأموال يكون مصدرها أجنبيا أو مجهولا أو ذاتا معنوية، عمومية أو خاصة فان بعض مرشحي الرئاسية ثبت خرقهم لهذه البديهيات القانونية رغم ادعائهم عكس ذلك..
تبين لمحكمة المحاسبات من خلال فحص محاضر هيئة الانتخابات أن المترشح للانتخابات الرئاسية يوسف الشاهد استعمل موارد الإدارة العمومية أثناء قيامة بأنشطة حملته الانتخابية. يؤكد التقرير أنّ حملة رئيس الحكومة الأسبق استعملت سيارة إدارية وحافلتين عموميتين
وأوضحت أن الشاهد استعمل سيارة إدارية بتاريخ 4 سبتمبر 2019، ضمن موكب متجه من منطقة بئر مسوغة مرورًا بنهج ابن بني نافع بولاية بنزرت، كما استعمل حافلتين عموميتين بتاريخ 7 سبتمبر 2019 لنقل أنصار حزب تحيا تونس في إطار حملته الانتخابية.
حسب تقرير محكمة المحاسبات وعلى مستوى شفافية تمويل الحملة الانتخابية، فإن 4 مترشحين لم يتولوا تسجيل موارد بقيمة 143.697 ألف دينار رغم تحصيلهم لموارد تمّ ضبطها من قبل المحكمة بما قيمته 1.517 ألف دينار كما لم تتضمن وصولات تبرعات تخص 13 مترشحا خلال الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية بقيمة جملية تناهز 789 ألف دينار التنصيصات الوجوبية، هذا ولم يتول 6 مترشحين خلال الدورتين اقتطاع وصولات مقابل تلقيهم مساهمات بلغت قيمتها ما يقارب 437 ألف دينار إلى جانب وجود ضمن قائمة المتبرعين للمترشح عبد الفتاح مورو نفس أرقام بطاقات التعريف الوطنية مسندة لأشخاص مختلفة بمبلغ جملي قدره 1.846.880 دينار. كما أثبت التقرير حصول 5 مترشحين على مساعدات أحزابهم في القيام بحملاتهم الانتخابية قيمتها على التوالي 25 ألف دينار و2.500 ألف دينار و1.196 ألف دينار و23.803 ألف دينار و0.992 ألف دينار الى جانب تجاوز سقف التمويل الأصلي والبالغ 12.093.120 دينارا من قبل 3 متبرعين لفائدة مترشح خلال الدورة الأولى وهو نبيل القروي.
التقرير أكد أن المترشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي، شارك في عدد من أنشطة جمعية خليل تونس التي روج لها عبر برنامج تلفزي بقناة نسمة التي يملك مع شقيقه الاغلبية من اسهمها..التقرير فسر أن مشاركة القروي في إنجاز الأعمال الخيرية استعمل لاخفاء حملة انتخابية سابقة لأوانها لفائدة المترشح المذكور، وهو ما يخالف أحكام الفصل 18 من قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد 20 المؤرخ في 8 أوت 2014 والمتعلق بضبط قواعد تمويل الحملة الانتخابية وإجراءاته وطرقه.
وأضاف التقرير، أنه تم الوقوف على تمويلات أجنبية مجهولة المصدر تم تحويلها إلى جمعية « خليل تونس » التي شارك في أنشطتها المترشح نبيل القروي، عن طريق منصة
« Eurogiro » وذلك في غياب أي تنصيصات تتعلق بهوية المانح، حيث بلغت هذه التمويلات خلال سنوات 2017 و2018 و2019 ما قدره على التوالي 21.097 ألف دينار و57.955 ألف دينار و20.587 ألف دينار، بما يخالف أحكام الفصل 99 من القانون الأساسي عدد 26 المؤرخ في 7 أوت 2015 والمتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال
كما كشف التقرير العام حول نتائج مر اقبة تمويل الحملات الانتخابية عن تعاقد نبيل القروي مع شركة ضغط أجنبية بقيمة حوالي 2,85 مليون دينار قصد الضغط وكسب التأييد تتقاطع فترة تنفيذه مع الحملة الانتخابية الرئاسية.
وأوضح تقرير محكمة المحاسبات أنّه تمّ تحويل جزء من قيمة العقد بمبلغ 427,5 أ.د بتاريخ 23 سبتمبر 2019 من الحساب البنكي غير المصرح به لدى البنك المركزي التونسي الراجع لزوجة المترشح والقائمة على حملته الانتخابية. وأفرزت الأعمال الرقابية أنّ المبلغ الذي تم تحويله لفائدة الشركة الأجنبية لم يكن مصدره تونسيا.
قصد التأكد من مشروعية مصادر تمويل الحملة الانتخابية الرئاسية تولت المحكمة إجراء رقابة على العمليات المتصلة بتمويل الحملة الانتخابية للمترشحين انطلاقا من كشوفات الحسابات البنكية والبريدية الوحيدة المفتوحة للغرض والمودعة من قبل المترشحين لديها وتقييم المخاطر وإجراء تقاطعات مع البيانات المستقاة من البنك المركزي التونسي والبريد التونسي واللجنة التونسية للتحاليل المالية والقطب القضائي الاقتصادي والمالي والوكالة الفنية للاتصالات ليتضح
أن القروي
أبرم عقد تأييد مع شركة ضغط أجنبية (Dickens and Mason) بتاريخ 19 أوت 2019 بقيمة حوالي 2,85 م.د (1 م. دولار أمريكي) لغاية تمكينه بصفته مترشحا للانتخابات الرئاسية خاصة من كسب التأييد من قبل الهياكل والمنظمات الدولية وعقد لقاءات مع الرئيس الأمريكي وكبار المسؤولين الأمريكيين قبل تاريخ الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية. ولتنفيذ بنود هذا العقد تم خلاص جزء من قيمته بمبلغ 712,6 أ.د (250 ألف دولار أمريكي) ثبت للمحكمة من خلال أعمال التقصي التي قامت بها أنه تم تحويل جزء منه بقيمة 427,5 أ.د (150 ألف دولار أمريكي) بتاريخ 23 سبتمبر 2019 من الحساب البنكي غير المصرح به لدى البنك المركزي التونسي والمفتوح لدى بنك HSBC الشرق الأوسط بدبي والراجع لزوجة المترشح للانتخابات الرئاسية والقائمة على حملته الانتخابية.
يؤكد التقرير أن المبلغ الذي تم تحويله لفائدة الشركة الأجنبية لم يكن مصدره تونسيا حيث أكد البنك المركزي التونسي ضمن مراسلته المؤرخة في 11 ديسمبر 2019 أنه لم يتم تسجيل أي عملية تحويل أموال تعود للمعنية بالأمر إلى الخارج من قبل الوسطاء المقبولين لديه وأنه لا يتوفر لديه معلومات تفيد حيازتها لحسابات بنكية بالعملة الصعبة بالخارج.
في تقريرها، انتقدت محكمة المحاسبات أن البنك المركزي ووزارة المالية لم يتعاونا معها ولم يتخذا الإجراءات اللازمة للحيلولة دون التمويل الأجنبي للانتخابات. استنادا إلى أحكام الفصل 90 من القانون الانتخابي، الذي كلف البنك المركزي التونسي ووزارة المالية باتخاذ الإجراءات اللازمة بما يحول دون التمويل الأجنبي للانتخابات، “لم يتقيد البنك المركزي التونسي من جهته بأحكام الفصل 90 من القانون الانتخابي، الذي أوكل له مهمة الإشراف على عملية فتح الحسابات البنكية والسهر على عدم فتح أكثر من حساب لكل مترشح واتخاذ الإجراءات اللازمة بما يحول دون التمويل الأجنبي للانتخابات”. كما لم يتبين خلافا لأحكام الفصل 90 من القانون الانتخابي وضع وزارة المالية إجراءات للحيلولة دون التمويل الأجنبي للانتخابات الرئاسية لسنة 2019 بدورتيها.
أن تنشر المحكمة وجوبا التقارير السنوية لمحكمة المحاسبات والتقارير المتعلقة للعلن وفق نص دستور 2014 يؤدي نشر التقارير الرقابية إلى إرساء تصور جديد للدور الرقابي لمحكمة المحاسبات، يكون هدفه خدمة المواطن لتتحل المعلومات الواردة بشأن المرشحين مادة حوار مجتمعي وسياسي تساؤل حتى مدى شرعية وصولهم للسلطة.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires