alexametrics
بلاغات

الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية يُحتم تطبيع أسعار الفائدة

مدّة القراءة : 3 دقيقة
الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية يُحتم تطبيع أسعار الفائدة

 

يمر العالم حالياً بركود تضخمي حاد، مع بلوغ معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها منذ عقود وتباطؤ النمو الاقتصادي في معظم الاقتصادات المتقدمة الرئيسية. ويُعد الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية عاملاً هاماً في ارتفاع معدلات التضخم الكلي في العديد من البلدان، بما في ذلك معظم الاقتصادات المتقدمة الرئيسية (الرسم البياني 1).

 

رسم بياني 1: تضخم أسعار الغذاء في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية 

(على أساس سنوي، نسبة التغير)

*تغير الأسعار على أساس سنوي خلال اثني عشر شهراً حتى مايو 2022

**متوسط تغير الأسعار على أساس سنوي منذ عام 1990 أو أبعد تاريخ متاح

 

 المصادر: البنك الدولي وتحليلات QNB

 

تشهد إسبانيا وألمانيا حالياً تضخماً في أسعار المواد الغذائية يزيد عن 10% مقارنة بمعدل تضخم يقل بقليل عن 4% في اليابان. ويرجع معظم التفاوت بين البلدان إلى استهلاكها لأنواع مختلفة من الطعام، فالأرز مثلاً يحتل وزناً كبيراً في سلة الغذاء اليابانية، لكن سعره انخفض في العام الماضي. وعلى الرغم من الاختلافات بين البلدان، من الواضح أن تضخم أسعار المواد الغذائية عبر مختلف البلدان كان أعلى بكثير خلال العام الماضي من المتوسط التاريخي منذ عام 1990. ولذلك، سنركز في هذه المقالة على العوامل الأربعة الرئيسية وراء الارتفاع الحالي في أسعار المواد الغذائية عبر مختلف البلدان، كارتفاع أسعار النفط والغاز، وتأثيرات الطقس، ونقص العمالة، ونمو الأجور، والحرب في أوكرانيا مؤخراً.

أولاً، تساهم أسعار النفط والغاز في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بعدة طرق. فإنتاج الأسمدة يستهلك الطاقة بكثافة، ونتيجة لذلك شهدت أسعار الأسمدة ارتفاعاً كبيراً (الرسم البياني 2). وتتطلب زراعة الأغذية استعمال الأسمدة لتحل محل المغذيات المستخدمة في التربة، وبالتالي فإن أسعار الأسمدة تؤثر بشكل مباشر على أسعار الغذاء. كما تساهم أسعار الوقود والطاقة أيضاً في تضخم أسعار الغذاء من خلال تأثيرها على تكلفة تجهيز ونقل الغذاء. وإذا ظلت أسعار النفط والغاز مرتفعة، حسبما نتوقع، فسوف تستمر في زيادة الضغوط التصاعدية على أسعار المواد الغذائية.

 

رسم بياني 2: تضخم أسعار الأسمدة والمواد الغذائية

(على أساس سنوي، نسبة التغير)


*تغير الأسعار على أساس سنوي خلال اثني عشر شهراً حتى مايو 2022

**متوسط تغير الأسعار على أساس سنوي منذ عام 1990 أو أبعد تاريخ متاح

 

 

ثانياً، أدى سوء الأحوال الجوية، بما في ذلك الجفاف في الولايات المتحدة والبرازيل، إلى انخفاض كمية المحاصيل وارتفاع أسعار القمح وفول الصويا. وبالمثل، أثرت الأمطار الغزيرة في الصين والطقس الحار بشكل غير اعتيادي في الهند على محصول القمح وأسعاره. ويصعب التنبؤ بالطقس، ولكن من المسلم به على نطاق واسع أن تغير المناخ يتسبب في سوء الأحوال الجوية بشكل أكثر تواتراً وتطرفاً. وسيستمر هذا في زيادة الضغط التصاعدي على متوسط أسعار المواد الغذائية. 

ثالثاً، لم تعد تدفقات العمالة المهاجرة بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة. ويعتمد القطاع الزراعي تحديداً على العمالة المهاجرة بشكل كثيف مما يساهم في نقص العمالة في العديد من الاقتصادات المتقدمة. ويؤدي هذا الأمر بدوره إلى زيادة التكاليف من خلال ارتفاع الأجور وانخفاض الإنتاجية. ومع ذلك، نتوقع أن تتعافى تدفقات المهاجرين مع استمرار انحسار الجائحة، وبالتالي نتوقع تراجع الضغط التصاعدي الناجم عن نقص العمالة.

أخيراً، أدت الحرب في أوكرانيا إلى تدهور التوقعات بشأن بعض العوامل المذكورة أعلاه، لا سيما فيما يتعلق بارتفاع أسعار النفط والغاز. علاوة على ذلك، تمثل روسيا وأوكرانيا 28% من صادرات القمح العالمية و55% من صادرات زيت عباد الشمس في العالم. وتسببت الحرب في تدمير المحاصيل على نطاق واسع في أوكرانيا، كما تؤدي أيضاً إلى تعطيل الصادرات أو منعها تماماً عبر موانئ البحر الأسود. وحتى مع وقف إطلاق النار الفوري، فإن الاضطراب الحالي سيؤثر بشكل كبير على حصاد هذا العام وسيظل له تأثير سلبي خلال العام المقبل. لذلك، فإن الحرب تؤدي إلى ضغوط تصاعدية كبيرة ومستمرة على أسعار المواد الغذائية. 

إذا أخذنا كلا العاملين في الاعتبار، فإننا نتوقع أن تؤدي الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط والغاز إلى بقاء أسعار المواد الغذائية مرتفعة، على الرغم من تراجع الضغط الناجم عن نقص العمالة، في حين أن تأثير سوء الأحوال الجوية لا يزال غير مؤكد.

سيواصل الارتفاع المستمر في تضخم أسعار المواد الغذائية في التسبب في تراجع القدرة الشرائية للأسر، مما يقلل الإنفاق على السلع الكمالية، ويساهم في ركود الناتج الإجمالي العالمي. في الوقت نفسه، سيؤدي استمرار ارتفاع تضخم أسعار الغذاء إلى تأخير وتقليل الانخفاض في التضخم الكلي.

عادة ما "تتجاهل" البنوك المركزية التغيرات في أسعار المواد الغذائية والطاقة لأنها تتسم بالتقلب وتميل إلى أن تكون مدفوعة بعوامل في جانب الإمداد، وبالتالي لا سيطرة للبنوك المركزية عليها. ولكن لم يعد بإمكان البنوك المركزية تجاهل هذا الأمر نظراً لمدى ضخامة التأثير الحالي لأسعار المواد الغذائية على التضخم. ولذلك، تقوم البنوك المركزية الآن بتشديد السياسة النقدية استجابة لارتفاع التضخم "الكلي" (بما في ذلك ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة)، بدلاً من تركيزها المعتاد على التضخم "الأساسي".

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter