alexametrics
الأولى

الحياة بعد الانتخابات: تركيبة مجلس النواب القادم

مدّة القراءة : 4 دقيقة
الحياة بعد الانتخابات:  تركيبة مجلس النواب القادم

 الواقعُ أوسع وأكثرُ تعقيدًا من سرديّـات الفايسبُوك وطوباويّـة المثقفيّن. الآن، وقد قام الشعبُ بثورتهِ الناعمة بأبسطِ آليات الدّيمقراطية، لمْ تعـدُ الرّبوة والتنظير المُتعالي المُقاربة المثلى لمعرفةِ تطورات الساحة السياسيّة وملامحِ المجلس القادم، الآن التحليل سيكون من باب نتائج الإنتخابات الرئاسية- التّي قد لا تكون السيناريو المنشود، لكنّـها السيناريو الموجود، وذاك كافٍ.

 جلدُ الذات، وإتهامُ الشعبِ بأنه "أخطأ"- هي مقاربة مسمومة تجرّنــا لمسلخِ لعب دور الضحية. انتهى، اللعبة الدّيمقراطية لا ضحايا فيها ولا مُخطئين، فقط نتائج وأرقام. الواقعيّة، قد لا تكون دائما البُعد الأجمل -لكنها البعد الأصدق الذي يُثبت أقدامنا على الأرض. والواقعية تطرح أن نتائج الرئاسية ستلقي بظلالها على نتائج التشريعيّة. ينجحُ الشعب كلّ مرة في مفاجئةِ نُخبته والتمرّد عليها، لأن النخبة تستخدم الآليات الخاطئة في التعامل مع الشّعب؛ تفترض أنه كُتلة متجانسة، كيان هُلامي واحد والحال أنّ الشعب لا يمكن أن تحتويه التعريفاتُ الجاهزة ولذلك لا يمكن أن تُروّض توجهاته. ولذلك فإن المجلس القادم سيكون وِحدةً غير متجانسة من المكونات/ وفيما كان مجلس 2014 غير متجانس على مستوى التوجهات الفكرية، فإن مجلس 2019 لن يكون الإختلاف ضِمنه إيديولجيا- بل هيكليا.

 بداية حقبة المُستقلّـيــن:

 السياسة لم تعد تلك المفاهيم الجامدة، انتهى زمنُ المانيفستو الذي يُسقط على الممارسة، اليوم الممارسة هي من تحدد المانيفستو، اليوم، لنا 217 مقعدًا للتشريعات، والممارسة التي أمامنا هي التصويت لقيس سعيّد: مرشح مستقل لا دعامة حزبيّة له. المانيفستو القادم هو أن الشعب -اليائس من الأحزاب- سيصوت لبديل مُستقل " نظيف". أمامه القائمات المستقلة، وقائمات "عيش تونسي" التي وضعها سبر الأراء في المراتب الأولى في نوايا التصويت. الأغلب أن المستقلين سيكون لهم ثقل كبير في المجلس القادم لكن في كُـتل مختلفة. وبينما عدد النواب المستقلين في المجلس الحالي 34 نائبا من المتوقع أن يرتفع عدد المستقلين في الدورة النيابية القادمة، خاصة مع دخول توجه "الحملات المواطنية" (قادرون.. مواطنون الخ) الى الساحة التونسية، وهو توجه عالمي جديد يقوم على الأفقية، فلا يوجد قيادة ولا زعامة.

يُـتـمُ اليسار:

 جيل الثورة هو أسوأ الأجيال حظّا، وأكثر جيل تعرّض لخيبات الأمل المتواصلة/ وخاصة اليساريون منهم الذّين كانت نتائج الرئاسية إنذارًا لهم بالعودة الى الواقع- والتأقلم معه. 1 فاصل 7، 1 فاصل 2، 0 فاصل 80، لا هذه ليس درجات الحرارة في رُوسيـا الشيوعيّة، بل نتائج مرشحي اليسار التونسي في الدور الأول من الإنتخابات. منذ 2011 الى 2019 كنّا جميعا شاهدين على عودة اليسار إلى الخياة وخروجه من السريّة، الى احتضاره وموتـهِ. بعد نهاية تجربة الجبهة الشعبيّة والحزب اليساري الكبير، سيدخل اليسار التشريعية مشتتا في ثلاثة قائمات : حزب الجبهة الشعبية، الجبهة الشعبية 1، وقائمات الإتحاد الإجتماعي الديمقراطي، وكلها رهانات خاسرة- لكنّهم لا يفقهون. اليسار مُصاب بمرضِ النّرجسية والتعالِي، وقطعًا، لا مكان لسياسييّ أبراج العاجْ في البرلمان القادم. غالبا، لن يخلو المجلس من أوجه يسارية معروفة لها حظوظ لابأس بها في الفوز بقعد مثل بسمة بلعيد، منجي الرحوي، أحمد الصديق، مباركة البراهمي (رؤساء قائمات)، لكن لا يمكن تويصفُ بعض الأسماء اليتيمة بدعامة/قوة برلمانية. المرحلة القادمة ستكون خالية من الرّفاق بينما كان لهم كُتلة متكونة من 19 نائبا في نُسخة 2014.

"السيستام طايح" :

 أكبر مُفاجآت الدور الأول من الرئاسيات أن النتائج أزاحت مرشحي السيستام من الصورة. من التصويت المُفيد إلى التصويت العقابي؛ لن يكون المجلس القادم إعادة إنتاج لنفس المنظومة، النقطة الإيجابية الوحيدة التي ترجمتها الأصوات هو أن الحصيلة الفاشلة لمرشحي السيستام كانت وصمة عارٍ لم تقدر الماكينات الإعلامية على محوها من ذاكرة التونسيّ. إعادة السيستام إلى حجمه الحقيقي، واختيار مرشحين من خارج دائرته هو بثّ تجريبي لصورة المجلس القادم، الذي لن يغيب عنه النداء، تحيا تونس وغيرهم، لكن كتلهم وتأثيرهم سيكون أقل ممـا يتوقعون.. بكثير. ومامن شكّ أن العائلة الديمقراطية بالخصوص، التي قدمت 6 مترشحين للرئاسية، ستكون أكثر تشتتا من ذي قبل!

إسلاميون- ثوريون:

 نتحدث هُنا عن إئتلاف الكرامة، المرشحون الخُضر. لم ارتفع سهمهم؟ أولا لأنهم تمتعوا بحملة مجانية سابقة لأوانها روج خلالها سيف الدين مخلوف لبرنامج الائتلاف من منبر المترشح للرئاسة. ثانيا لأنهم من معجبي المترشح الاوفر حظّا قيس سعيد، ودعمهم (الأكيد) لـه سيكون سببا اضافيا لمغازلة رصيده الانتخابي من النساء والشباب والجامعيين (الفئات التي صوتت له). ربما لا يكون لكل منهم على انفراد ثقله لكن إجتماعهم في قائمات موحدة سيجمع العديد حولهم، من الأسماء التي يراهن عليها ائتلاف الكرامة؛ سيف الدين مخلوف ، راشد الخياري، محمد أمين العقربي ريكوبا، عماد دغيج، قدماء رابطة حماية الثورة.

 العائدون من الماضي:

ماضيان، الماضي الاول القريب الذي يعود منه التيار الديمقراطي، الذي كان أمينه العام محمد عبو في حملة المرزوقي، حكومة الترويكا، والمؤتمر من أجل الجمهورية. (كما تمتع مرشحه للرئاسة بإشهار مجاني لحزبه). وماضٍ ثانٍ تعود منه عبير موسي رئيسة الدستوري الحر بقائمات في 33 دائرة مع حظوظ وافرة للفوز تؤكدها القاعدة الشعبية لـ "يا حسرة على عهد الزين" والتي لا يمكن الاستخفاف بها بالاضافة الى الحملة المُسبقة التي وفرها ترشح موسي للرئاسية. طرفان سيكون لهما حضور كبير وربما كُـتل نيابية قادة على التأثير في المشهد. العملاق النهضاوي.. مُـعتّل: كانت الرئاسية فخّا وقع فيه مورو الذي أنهى مسيرته السياسية بالمرتبة الثالثة التي لم تخول له المرور للدور الثاني. انتحار سياسي خرج على اثره الرجل الثاني في الحركة الاسلامية من الباب الصّغير! وماهذه النتيجة إلاّ بُرهان على تراجع شعبية النهضة، وعدم قدرة الحزب "الاكثر ديمقراطية الذي ظل متماسكا لثمانية سنواتٍ صعبة، على إحتواء قواعده المتمرة، على احتواء "صقور" الحركة المتمردة مقابل خضوع تام لـ "حمائمها'' . انتقامًا -ربما- من ديكتوتارية سماحة الشّيخ. سماحته، راشد الغنوشي، كان قد بعثر أوراق التشريعيات وغير العديد من الأسماء في اللحظات الأخيرة، كما دعم ترشح عبد الفتاح مورو رغم تحذيرات المحيطين به من خطر تشتت أصوات الإسلاميين.

 نوّاب " السيد الرئيس":

سيكونون إما نوّاب قيس سعيد، الذي ربما يبادر بإنشاء حزب أو تبني قائمة مُستقلة قريبة من توجهاته. أو نواب قلب تونس، الذي تشير استطلاعات الرأي إلى تقدّمـه، والذي قدم قائمات تشريعية في كامل الدوائر وله حظوظ وافرة. في كلتا الحالتين هؤلاء سيكونون الجبهة البرلمانية لدعم مقترحات الرئيس.

 

دعونا في خضم هذا الاكتئاب الجماعي، الذي سببه عدم مرور مترشح تقدمي ذو برنامج سياسي جدير بالاحترام الى الدور الثاني، نتذكر أنه وبفضل الاصوات التقدمية التي تصدت للتغول السياسي وضمنت تغيير النظام الرئاسي الى نظام برلماني مختلط- أننا اليوم لا نخشى على تونس من رئيسها القادم أيا كان، لأن الشعب حرص خلال 8 سنوات على تحذير الطبقية السياسة من محاولات مس كرامته، حرياته، وحقوقه. وأيا كان المشروع القادم، فان تونس غير قابلة للاخونة وغير قابلة لأن تتحول الى شركة اقتصادية. هي دولة، وستظل تسير وتدار كدولة. لها دستور وقضاء مستقل ومجتمع مدني وسلطة رابعة ستتصدى لكل محاولات الانحراف بالنظام الجمهوري. من يحسن فله الثناء والشكر، ومن يخطأ فليواجهنا – جميعا، والمسيرة تستمر.

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter