alexametrics
الأولى

الرئاسية بين 2014 و2019: أوجد الفوارق السبعة!

مدّة القراءة : 5 دقيقة
الرئاسية بين 2014 و2019: أوجد الفوارق السبعة!

في كتابهِ "الجمهورية" ، يُـوَّصِف أفلاطون الديمقراطية بلفظةٍ صادمةٍ للبعضْ، لكن فيها شيئًا من الحقيقة في سياقاتٍ ما- قد يكون السياقُ التونسي واحدا منها. يتحدّثُ الاغريقي المُولع بالسياسة فيقول "الديمقراطية.. إنها سفينةُ الحمقى".  


في سياقنا التونسّي، يمكن أن تتنزل المقاربة الاغريقية القديمة لأنها كانت تفضّل الكـمّ على الكيف، العدد على الكفاءة، الكثرة على " البركة". في سياق 2019 نُعامل الديمقراطية كأنها مفهوم جامد، الديمقراطية التمثيلية التي تقتضي عدد كبيرا لأنه سيترجم "حكم الشعب/الأغلبية". هذا التعريف يصح فقط في خانة التشريعيات. لكن الرئاسية لها براديغم مُخالف يؤدي لإختيار مرشح واحد، لا مجلس نيابيّ مُـلوّن. 97 ترشحا في المجمل كانت ممارسة صحيّة للديمقراطية، لكنها دُون قيمة فعلية. بعد الفرز القيمي والنوعي تبين أن 26 مرشحا فقط هُم المؤهلون للمشاركة في "السباق" الإنتخابي. مرّت خمس سنواتٍ منذ اختبرنا- معًا ديمقراطيتنا قصيرة العُمر (كبيرة الشّأن في منطقةٍ خالية منها) في آخر محطّة تم فيها اختيار رئيس للجمهورية عبر أهم أدوات الديمقراطية وهي الانتخابات، في 2014. واليوم نضرب لنا موعدا معها مرة أخرى (وإن جاء مبكرا)، بعدد غير بعيد عن رئاسية 2014 التي تم فيها قبول 27 من المترشحين للرئاسية للمرور للدور الأول.  

أول الفروق بين 2014 و2019؛ مترشحون .. من داخل "الماكينة"

لئن ترشح المنصف المرزوقي في 2014 راميا اليمين الثلاثية الحاسمة "لن أستقيل.." في وجوه التونسيين، فانه كان المترشح اليتيم من داخل منظومة الحكم التنفيذية (ومع ذلك خسر). في 2019، ثلاثة مترشحين قادمون من داخل السلطة ومتجهون في ذات الوقت اليها في سير لا يفهم ان كان اتجاهه الى الأمام- أم الى الوراء. هذه ليست أول مرة في تاريخ تونس المعاصر يصبو فيها رئيس الوزراء (رئيس الحكومة حاليا) الى انتقال "سلس" من القصبة الى قرطاج كحال الحبيب بورقيبة والباجي قائد السبسي، من نفس العائلة الحداثية يرنو يوسف الشاهد الى رئاسة الجمهورية بينما لا يزال في منصبه. ولقصر باردو أيضا نصيب في مانيفستو الترشحات من داخل الدولة، اذ تشهد الرئاسيات هذه المرة ترشح عبد الفتاح مورو الذي كان في 2014 اسما من الاف المتنافسين على الكراسي الخضراء المريحة في ثالث السلط –وربما أهمها. اليوم مورو هو مرشح حركة النهضة لبلوغ السلطة الأولى في الهرم. اسم ثالث يريد متلبعة سياسة التدرج في المناصب التي بنيت عليها السياسة في العالم الحديث، هو وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي الذي لم يقدم استقالته رسميا بعد، رغم تصريحه بذلك.

 

ولادة "الزواليزم".. تيار الشعبوية المشوه

مايختلف بين اللحظتين التاريخيتين 2014 و2019 أنه في الرئاسية الأولى بعد الثورة كانت هناك تيار شعبوي- خفيف. تيار لم يتمكن أغلب رائديه كالهاشمي الحامدي والبحري الجلاصي من بلوغ الدور الأول فهدأت الشعوبية وبدا كأنها تلقت درسها الأخير ووهبتنا الصمت الذي نريد كي نتمكن من الاصغاء بصفاء ذهن ودون غوغاء مزعجة الى المترشحين الجديين. في 2019 عادت الغوغاء أكثر حدة وشؤما من ذي قبل، كأنها كانت طيلة 6 سنوات تغذي وجودها وتدرس معاناة المواطنين عن كثب كي تتمكن لاحقا من المتاجرة بماسيهم. "الزواليزم" في الواقع لفظة لا وجود لها في المعاجم، لكنها شائعة في الثقافة الشفاهية الشعبية وتعني الاستثمار في الفقر. عديدون هم، وعلى رأسهم القادمون الى السياسة من بوابة العمل الجمعياتي. في قراءة عامة، أهم الشعبويين هو نبيل القروي، مرشح حزب قلب تونس. لا برنامج حقيقي للرجل سوى ثلاث جمل يكررها في كل لقاء صحفي "احنا مع الزواولة" "الناس جاعت" "خليل تونس دارت 24 ولاية". قيس سعيد وان كان لسانه العربي فصيحا، فان خطابه المبالغ في العاطفية، وتعويم الأفكار الذي يعاني منه، وتركيزه على مسألة الهوية التي تجاوزها الزمن، جعلته كذلك مرشحا شعبويا. وجه اخر قديم جديد مثابر على شعبويته مفاخر بها، هو الهاشمي الحامدي. النقطة المشتركة بين الحامدي والقروي هي متلازمة المنقذ الأبيض، كلاهما يملك منبرا اعلاميا يمرر صور الفقراء مع موسيقى تصويرية حزينة ليظهر فيما بعد المنقذ في صورة الواعظ الطيب االذي يحس بالام الفقراء. ثلاثة مرشحين اخرين يتأرجحون بين الشعبوية والجدية، هم الناجي جلول الأمين العام المستقيل من نداء تونس والوزير السابق، عبير موسي رئيسة الدستوري الحر، وسليم الرياحي المترشح  بالوكالة من وراء البحار.

 

اليسار يتجاوز عقدة الأخ الأكبر

رواية 1984 لجورج أرويل هي تصور لديستوبيا شيوعية لا زعيم فيها الا الأخ الأكبر. اليسار التونسي كان نسخة مصغرة عن هذه الديستوبيا، وتجازها أخيرا لأول مرة في تاريخها (عن غير قصد، ودون تخطيط). اليسار التونسي يدخل الانتخابات بثلاثة أسماء بدل اسم واحد لا شريك له، في 2014 كان حمة الهمامي مرشح اليسار التونسي للرئاسة حينها اصطف جميع الرفاق –عن قناعة ربما، مرغمين غالبا- وراء شعار حمة رئيس. 2019، للماركسيين وحلفائهم مرشح، هو (مرة أخرى، طبعا) حمة الهمامي. للوطنيين الديمقراطيين وحلفائهم مرشحهم، منجي الرحوي. ويقدم الاجتماعيون، والاشتراكيون، والجمهوريون، والوسطيون الديمقراطيون تحت لواء ائتلاف انتخابي الوزير الأسبق عبيد البركي (وطد سابقا) للرئاسية.

 

وجود-هن غير الكافي

في 2014 تم قبول ملف سيدة واحدة للرئاسية وهي القاضية السابقة كلثوم كنو. في 2019، مازال العدد قليلا-محتشما- ومخجلا، سيدتان مقابل 24 رجل، هن سلمى اللومي وعبير موسي. مازال الواقع السياسي بعيدا عن قاعدتي التناصف والمساواة، ومازالت مراكز القرار مذكرة. تحسن طفيف يكاد لا يعتبر تحسنا، ربما يعكس أن العقل الجمعي التونسي مازال يعتبر أن الرجال أقدر على القيادة لأنهم أكثر صلابة وحكمة (حكم عام مستمد من العرف/الدين لا أساس علمي أو تاريخي له). أغلب الأحزاب قاموا بتقديم مرشح عوض مرشحة، تماشيا مع الفكر السائد طبعا وحتى لا يخاطروا بحظوظهم في الفوز مقابل ترشيح امرأة وهي بطولة رمزية لا يأبهون بها رغم حضورها في برامجهم الانتخابية.

 

الاسلاميون في السباق لأول مرة

في 2014 اكتفت حركة النهضة بمساندة منصف المرزوقي (وان كان أغلبهم ينكرون ذلك)، في 2019 تمردت الحركة على نفسها وقررت أنها لن تكون صندوق دعم لأي مترشح، بل ستقوم بتزكية مرشح من داخلها. رشحت الحركة الرجل الثاني فيها، عبد الفتاح مورو وستخوض الرئاسية لأول مرة في تاريخها. لكن الاسلاميين –في ظاهر الأمور- ليسوا النهضاويين فقط اذ تشهد رئاسية 2019 ترشح حمادي الجبالي (الأمين العام المستقيل من النهضة)، حاتم بولبيار (المستقيل من النهضة كذلك)، المنصف المرزوقي (القريب من النهضة سابقا)، وسنضع قيس سعيد في سجل الاسلاميين كذلك، نزولا عند رغبته التي عبر عنها لما صرح مؤخرا بضرورة أن يستمد المشرع القوانين من الشريعة الاسلامية، وموقفه الرافض للحريات الفردية والمساواة. أما سيف الدين مخلوف، الناشط الاسلامي، فينتمي الى سجلين في الواقع.. الاسلاميون والثوريون.

 

2019.. رد الاعتبار للثورة (أو ربما)

 الثوريون (دون حرف الجيم) هم الذين يؤمنون بثورة 2011 ويعتبرون أنها كنست المنظومة القديمة وأن أبناءها هم الحل وبناة المنظومة الجديد. هذا هو التعريف النبيل للكلمة لكن، لنسمي الأشياء بمسمياتها، ليس كل من يدعي الشيء، ممثل/سفير له. محمد عبو مرشح التيار الديمقراطي أبرز الثوريين. التيار في الواقع له مكانة ضبابية في الخط السياسي. فاليسار يعتبره قريبا من اليمين واليمين يعتبره قريبا من اليسار، اما الحزب فيصنف نفسه من المنتمين للعائلة الوسطية. سيف الدين مخلوف المحامي الشاب الذي يختص في الدفاع عن الارهابيين، يقدم نفسه كذلك للرئاسة "انتصارا للثورة وشهدائها على حد تعبيره". لا ندري أي شهداء يقصد، الذين اغتالهم الارهاب في خضم المسار الثوري، أم الذين اغتالهم النظام السابق حين نادوا بالحرية والمدنية، اللذان يرفضهم. يمكن اعتبار مرشحي اليسار كذلك ضمن سجل الثورية، لأنها أطروحتهم المشتركة في النهاية/ وبذلك ترتفع حصيلة الثوريين الى 5 أسماء.

 

 نهاية النداء التاريخي.. أسماء عديدة لفكرة واحدة

يتقدم الندائيون هذه المرة فرادى للانتخابات. في 2014 كان للنداء مرشح واحد، هو قائده الرمزي الباجي قائد السبسي الذي قام بتأسيسه في 2012 وراهن على المرتبة الأولى في تشريعيات ورئاسيات 2014، وفاز بها. أما 2019، فيشهد ترشح 6 ندائيين قدامى. يترأس المعسكر الندائي عبد الكريم الزبيدي الذي دعمه النداء في بيان رسمي. أما عن الاحزاب التي ولدت من النداء، فيترشح محسن مرزوق عن مشروع تونس، سلمى اللومي عن حزب الأمل، سعيد العايدي عن بني وطني، يوسف الشاهد عن تحيا تونس. ويترشح ناجي جلول، بصفة مستقلة.

 

فيما تقتضيه الديمقراطية، المساواة بين الجميع في تقديم ترشحاتهم لمناصب الدولة. لكن المساواة في هذا السياق تعني تجاهل التفاوت في الكفاءات والقيمة العلمية والقدرة على ادارة الأزمات والمعرفة بالدستور والدولة، من أجل أن يكون جميع المترشحين في الخانة ذاتها. وفي ذلك انكار لخصوصية المنصب الرئاسي، الذي لا يقتضي المساواة بين المترشحين بل العدل بينهم. المساواة هي رفع أحد الطرفين إلى مكانة الآخر، بينما العدل إعطاء كل ذي حق حقه وبالتالي ضمان الانصاف. ان فجوات كهذه، تعني أن مصير السفينة لن تحدده النخبة العالمة التي تملك المعرفة ولا تملك الأصوات والشعبية بل الأغلبية، التي لا تملك برنامجا ولا معرفة وفي المقابل تملك مخزونا جاهزا من الأصوات.. وهؤلاء، لا دراية لهم بكيفية قيادة السفينة.

 

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter