alexametrics
الأولى

القضاء المستقل في تونس الامتحان الحاسم

مدّة القراءة : 6 دقيقة
القضاء المستقل في تونس الامتحان الحاسم

 

طالب التونسيون منذ اندلاع الثورة بتطبيق القانون على الجميع دون استثناء و بقضاء مستقل يضمن حقوق و حريات المواطنين . تخفي مطالب التونسيين سنوات من القمع السياسي المتخفي تخت طائلة القانون و القضاء  . و لعل تصريح  رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل  انه :"طالما أنّ القضاء في البلاد بخير، فكلّ البلاد بخير" خير دليل على أهمية المرفق القضائي و تأثيره على جميع القطاعات دون استثناء،  ففي الجانب الاقتصادي مثلا يأخذ المستثمر الأجنبي بعين الاعتبار مسألة استقلالية القضاء بجدية قبل القيام باستثماراته حتى يضمن تطبيق القانون و الإجراءات ، و على الجانب الاجتماعي يقلل القضاء المستقل من حدة الاحتقان الاجتماعي فمن يشعر بالظلم مثلا سيجد قضاء مستقلا ينصفه وهو ما سيكرس الشعور بالعدل اما بالنسبة للسياسي ، يضمن القضاء المستقل حياة سياسية سليمة بعيدة عن الفساد السياسي و التدخلات السياسية في المرفق القضائي  . القضاء المستقل اذا كان و مازال مطلبا شعبيا لجميع التونسيين يتحقق به العدل و المساواة و يزدهر به الاقتصاد .

اعفاء القضاة محاولة فاشلة "لتطهير القضاء"

منذ توليه حقيبة وزير العدل حرص وزير العدل الأسبق و القيادي في  حركة النهضة على اعفاء مجموعة من القضاة "الفاسدين " حسب تعبيره و اقدم في شهر ماي 2012 على اعفاء 82 قاضيا من مهامهم من الذين تعلقت بهم تهم فساد و علاقة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي ، هذا القرار افرز ردود أفعال متباينة حينها بين المرحب بالقرار و اغلهم من الموالين والمقربين من حركة النهضة و بين الرافض لهذا الاجراء وهو موقف تبنته جمعية و نقابة القضاة : فبالنسبة لجمعية القضاة سعى وزير العدل الأسبق من خلال قرار الاعفاء الى السيطرة على القضاء وهو من قبيل المناورة السياسية و محاولة لصرف الأنظار عن مطالب القضاة بإحداث هيئة وقتية مستقلة للقضاء في ذلك الوقت ، من جهتها اعتبرت نقابة القضاة في بيان لها :" أن آلية اللجوء لإعفاء القضاة من مهامهم يتنافى ومقومات العدالة الانتقالية التي "تقتضي كشف الحقيقة للشعب ومحاسبة من أنتهك حقه مع توفير ضمانات المحاكمة العادلة وخاصة حق الدفاع" . قرار الاعفاء والذي اعتبره البحيري اصلاحا للمنظومة القضائية:" لمحاسبة الفاسدين "

و واجهت نقابة القضاة هذا القرار بإعلانها  الدخول في اضراب مفتوح في كافة محاكم الجمهورية من يوم الثلاثاء 30 ماي 2012  :" إلى حين تراجع وزير العدل عن قراره إعفاء 81 قاضيا من مهامهم واستبداله بمحاكمات" حسب ما أعلنته نقابة القضاة في بيانها  الا ان وزير العدل حينها ، نور الدين البحيري تمسك بقرار الاعفاء و أشار في تصريح اعلامي الى ان :" بعض القضاة اخطأوا  وتجاهلوا ما وهبته لهم الثورة من فرصة لمراجعة أنفسهم" في نفس السياق اكد المكلف بمهمة لدى وزير العدل الأسبق  منذر بالضيافي  ان "قرار الإعفاء اتخذ بعد تحريات دقيقة ودراسة للملفات استمرت أكثر من ثلاثة أشهر، حتى لا يتم ظلم أي قاض على خلفية هذا الإعفاء"

 

قرار وزير العدل الأسبق نورالدين البحيري اعفاء القضاء و ان كان ظاهريا يسعى الى "تطهير القضاء" و هي الكلمة التي لطالما  استعملها قياديو حركة النهضة التي ينتمي اليها البحيري ، الا انه يخفي داخله محاولات للضغط و التدخل في المرفق القضائي خاصة بالنظر لعدم اتباعه الإجراءات القانونية اللازمة في اصدار قرار الاعفاء و خاصة بعد قيامه في وقت لاحق بإعادة تسعة منهم إلى مناصبهم وهو ما يفسر التذبذب الحاصل في قراره، كذلك اصدرت المحكمة الإدارية في ماي 2014 قرارا يقضي  بإلغاء أوامر اعفاء 6 قضاة من قبل وزير العدل :"لعدم احترام الإجراءات و الصيغ القانونية الواجب اتباعها في أوامر الاعفاء ".

لهذا السبب طالبت الجمعيات الحقوقية و نقابة القضاة منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011 بإرساء المجلس الأعلى للقضاء لضمان استقلالية القضاء و حتى لا يتم التدخل في المرفق القضائي عن طريق إعفاءات عشوائية و انتظرت هذه المنظمات الى غاية سنة 2016 حتى يتم الإعلان عن القانون الأساسي الخاص بالمجلس الأعلى للقضاء و الذي لحقته جلسات ماراثونية لانتخاب اعضاءه .

المجلس الأعلى للقضاء خطوة لضمان الاستقلالية

يضمن المجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية و يتمتع المجلس بالاستقلال الاداري والمالي والتسيير الذاتي وله السلطة الترتيبية في مجال اختصاصه.

يختص المجلس الأعلى للقضاء بالنظر في المسائل التأديبية الخاصة بالقضاء و ذلك حسب الفصل 59 قانون أساسي عدد 34 لسنة 2016 :"توجه الشكايات والبلاغات والإعلامات المتعلقة بالأفعال المنسوبة لأحد القضاة والتي من شأنها أن تكون سببا في تحريك المساءلة التأديبية إلى وزير العدل أو رئيس المجلس الذي يحيلها وجوبا وعلى الفور إلى التفقدية العامة للشؤون القضائية لإجراء الأبحاث اللازمة.وللمتفقد العام أن يتعهد بها من تلقاء نفسه و عند انتهاء الأبحاث يتولى المتفقد العام اتخاذ قرار معلل إما بالحفظ أو بالإحالة في صورة الحفظ يتم إعلام الشاكي ووزير العدل ورئيس المجلس في أجل أقصاه عشرة أيام من تاريخ صدور القرار بأية وسيلة تترك أثرا كتابيا " ، اعطى المجلس الأعلى للقضاء نفسا جديدا للاستقلالية القضاء بعيدا عن التدخل الدولة او بعض السياسيين  في المسار القضائي الا ان المجلس الاعلى للقضاء لم يسلم هو الاخر من الاتهامات بالموالات لطرف سياسي معين و هو ما تحدث عنه حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد في أكتوبر الماضي في خصوص موضوع اعفاء وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس بشير العكرمي حيث اتهم حزب الوطد أعضاء من المجلس الأعلى للقضاء موالين لحركة النهضة بممارسة ضغوطات ومساومات على المجلس ليراجع قرار إعفاء بشير العكرمي من خطة وكيل للجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس و تجدر الإشارة في هذا الصدد ان تصريحات الوطد  تندرج في اطار اتهام هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي بشير العكرمي  بخدمة طرف سياسي  في قضية الجهاز السري بصفته وكيلًا للجمهورية بابتدائية العاصمة .

الا ان رئيس جمعية القضاة  أنس الحمادي اكد في تصريح اعلامي ان المجلس الأعلى للقضاء قرراستبعاد وكيل الجمهورية البشير العكرمي خلال الحركة القضائية الأخيرة  الحركة القضائية الأخيرة، ليس بسبب ملف الجهاز السري انما بسبب فتحه لملف فساد "ثقيل جدًا" لم يتم الإفصاح على محتواه .

 

امتحان حاسم لمجلس القضاء العدلي

قدم رئيس محكمة التعقيب الطيب راشد يوم 20 أكتوبر 2020 ، تقريرا إلى المتفقد العام بوزارة العدل خاص بتجاوزات مرتكبة من طرف وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي . و بحسب رئيس محكمة التعقيب مارس العكرمي تهديدات على رئيسة مجلس القضاء العدلي على خلفية قرار استبعاده وحسب ما جاء في التقرير هدد العكرمي بتوريط ابن رئيسة مجلس القضاء العدلي في قضية جزائية اذا لم تتراجع عن قراراها. 

و أضاف الطيب راشد في تقريره ان العكرمي تعمد استغلال   الضابطة العدلية والقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والقطب القضائي الإقتصادي و المالي :" لضرب كلّ من يُصنّفه عدوا له وحاد بها عن مهامها الأصلية في كشف الحقائق" .

يأتي هذا التقرير في الوقت الذي يطالب فيه بشير العكرمي برفع الحصانة عن رئيس محكمة التعقيب الطيب الراشد موجها له اتهامات بالفساد المالي ومطالبا بالتحري في ممتلكاته .

في هذا الاطار قرر مجلس القضاء العدلي عقد جلسة خاصة يوم غد الثلاثاء 24 نوفمبر 2020 للنظر في مختلف التسريبات والاتهامات المتبادلة بين وكيل الجمهورية السابق للمحكمة الابتدائية بتونس والرئيس الاول لمحكمة التعقيب . و ينتظر الراي العام التونسي قرار جلسة القضاء العدلي الذي يعتبر امتحانا لاستقلالية المجلس .

يواصل القضاة التونسيون اضرابهم المفتوح الذي انطلق منذ الاثنين 16 نوفمبر 2020 احتجاجا على تردي الأوضاع الصحية والاجتماعية للقضاة ، و يعتبر القضاة المضربون ان الوضع الاجتماعي هو من  اصعب المشاكل التي يعاني منها القاضي التونسي اثناء ممارسته لمهامه الا انه و بعد الاتهامات المتبادلة بين رئيس محكمة التعقيب و  وكيل الجمهورية السابق يبدو ان المرفق القضائي في تونس يعاني معضلة اكبر من الوضع الصحي و الاجتماعي و هو "استقلالية القضاء " ففي الوقت الذي تتسابق فيه المخابر الدولية لإيجاد لقاح لفيروس كورونا  يتسابق "البعض" لإلقاء التهم و نشر التسريبات و امام تواصل هذه الممارسات يبدو ان إعلان لقاح لفيروس كورونا سيكون اسهل من اعلان قضاء مستقل بعيد عن التجاذبات السياسية في تونس .

 

رباب علوي

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter