alexametrics
الأولى

الهجرة غير النظامية بين تونس وايطاليا: المقاربة الأمنية ليست الحل

مدّة القراءة : 4 دقيقة
الهجرة  غير النظامية بين تونس وايطاليا: المقاربة الأمنية ليست الحل

استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، أمس الاثنين 17 أوت 2020 بقصر قرطاج، كلا من  لويجي دي مايو، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، و لوتشيانا لامورجيزي، وزيرة الداخلية الإيطالية، و أوليفر فاريلي، المفوض الأوروبي المكلف بالتوسع وبسياسة الجوار الأوروبية، و يلفا يوهانسون، المفوضة الأوروبية المكلفة بالشؤون الداخلية، الذين يؤدون حاليا زيارة عمل إلى تونس لبحث ملف الهجرة، خصوصا  بعد أن أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية عن ارتفاع عدد المهاجرين الوافدين إليها بنسبة تناهز الـ150 بالمائة خلال السنة الأخيرة، وتزايد عدد القوارب التي تنطلق من السواحل التونسية.


بين واحد أوت 2019 و 31 جويلية 2020، وصل واحد و عشرون ألفا و ستة مائة و ثمانية عشر مهاجرا إلى السواحل الإيطالية، بزيادة قدرها 148بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي وفق معطيات قدمتها وزيرة الداخلية الإيطالية يوم السبت الماضي قبل قدومها إلى تونس.

وفي تصريح عقب اللقاء أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي على أنه "لا مجال لبقاء من يصل إلى إيطاليا بطريقة غير قانونية"، مشيراً إلى "استمرار التفاوض بين الجانبين التونسي والإيطالي لإيجاد صيغ للتعاون الثنائي". في حين شدد قيس سعيد على "ضرورة اعتماد مقاربة شاملة وتوافقية في مجال الهجرة، ترتكز بالأساس على محاربة الفقر والبطالة، عبر دعم جهود التنمية في البلدان الأصلية، والتشجيع على الهجرة النظامية"، موضحا أن "الحلول الأمنية وحدها ليست كفيلة للقضاء على الهجرة غير النظامية".

و قد عبر الطرف الضيف و الطرف التونسي الذي ضم أيضا كل من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال هشام المشيشي وكاتبة الدولة المكلفة بتصريف أعمال وزارة الشؤون الخارجية، سلمى النيفر عن الرغبة المشتركة في تعزيز الشراكة في مختلف المجالات خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي بما يساعد على الحدّ من ظاهرة الهجرة غير النظامية ومعالجة أسبابها العميقة.

 

 ترهيب و ترغيب
هذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيه طرف ايطالي بالرئيس قيس سعيد حول موضوع الهجرة غير النظامية، حيث التقت وزيرة الداخلية الايطالية منذ أيام و تحديدا منذ بداية الشهر الجاري مع سعيد قبل أن تلتقيه مجددا أمس مرفوقة بوزير خارجية بلدها و ممثلي الاتحاد الأوروبي، فتزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين الدين وصلوا إلى أراضيها دفع بالحكومة الايطالية إلى محاولة الضغط على تونس و ليبيا حيث ان الأرقام الرسمية التي يتم تداولها في ايطاليا تشير إلى أنهما مصدر أكثر من من 80% من المهاجرين الذين وصلوا في الفترة الأخيرة و ان ثلث المهاجرين غير النظاميين الموجودن في ايطاليا تونسيون.

لويجي دي مايو، وزير الخارجية الايطالية بدا و كأنه بصدد ممارسة سياسية الترغيب و الترهيب مع تونس، فمن جهة، اعتبر  أن اللقاء مع  سعيد كان مثمرا وهو مواصلة لحوار تاريخي بين تونس وإيطاليا وأعرب عن استعداد إيطاليا لتقديم كل المساعدات اللازمة لتونس، وتوفير برامج للشباب وغيرها من وسائل الدعم، و توجه بالشكر لبلادنا على تكثيف المراقبة على الهجرة غير النظامية وأشار إلى مواصلة التفاوض بين الجانبين التونسي والإيطالي لإيجاد صيغ للتعاون الثنائي، و من جهة أخرى تداولت وسائل إعلام ايطالية أن وزير الخارجية الإيطالي،  طلب من اللجنة المشتركة للتعاون الإنمائي أن تؤجل مناقشاتها بشأن تخصيص أموال لتونس، حيث قال "أطلب منكم تعليق هذا التخصيص، والذي يبلغ 6.5 مليون يورو، بانتظار وضع خطة أوسع وأكثر تكاملا، وكذلك التعاون الذي طلبناه من السلطات التونسية في مجال الهجرة".

في سياق اخر، صرحت وزارة الداخلية الايطالية اليوم الثلاثاء 18 أوت 2020، بأنه سيتم تخصيص 11 مليون يورو لتونس كي تستخدمها في تعزيز السيطرة على حدودها البحرية للتصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية

موقف ايطالي استنكرته منظمات و جمعيات حقوقية في تونس حيث اعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح لناطقه الرسمي رمضان بن عمر خلال حضوره له اليوم في راديو شمس ان الاتفاقيات الممضية من قبل الاطراف الأوروبية وتونس بخصوص الهجرة غير الشرعية لا تعطي حقوق الا الطرف الأجنبي ودعا الى  امضاء شراكة تحمي مواطني الطرفين و"لا تكون معادلة  في اتجاه واحد " وفق قوله.

و وجه  المنتدى جملة رسائل لجميع الأطراف التي اجتمعت أمس و اليوم  في تونس لبحث ملف الهجرة، منتقدا الاتفاقيات السابقة التي وقعتها تونس مع الاتحاد الأوروبي والتي كرست "عدم التكافؤ في التمكن من الحقوق وعدم المساواة في حرية التنقل، كما أنها لا تستجيب للتطلعات الشرعية لمواطنات ومواطني تونس في عدالة المعاملة".

 

واستنكر المنتدى التونسي عمليات "الترحيل القسري للمهاجرين غير النظاميين" التي "تشوبها خروقات قانونية وانتهاك صريح لحقوق وحريات المرحلين حيث يتعرّض المهاجرون إلى استخدام مفرط للقوة، والتعذيب، وضروب أخرى من سوء المعاملة". وذكر المنتدى "أنه لا يمكن الطعن في قرار الترحيل، ولا يحظى المهاجرون بالترجمة المحايدة ولا الدعم القانوني المناسب ليتم بعد ذلك طردهم جماعيا في مخالفة للبنود 3 و4 و14 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان".

 

الأزمة الاقتصادية و السياسية في تونس هي السبب


أشار المنتدى التونسي إلى أن "المكاسب السياسية والحقوقية في تونس هشة ومهددة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد، والذي تساهم في تعميقه شراكات غير عادلة وسياسات وممارسات تساهم في تعميق الأزمة الاجتماعية بما يهدد بنسف المسار الديمقراطي بالبلاد".

و هو ما أكدته وزيرة الداخلية الايطالية خلال الكلمة التي ألقتها أمس حيث اعتبرت أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه تونس هو السبب الفعلي لتضاعف نسب الهجرة الغير شرعية، و هو ما تؤكده الأرقام أيضا، حيث انكمش اقتصاد تونس بنسبة 21% في الربع الثاني من العام الحالي، ، بينما سجل الاقتصاد تراجعا بنسبة تقارب الـ12% خلال النصف الأول من 2020 مقارنة بالفترة نفسها من 2019، بسبب انتشار فيروس كورونا و الآثار التي خلفها في كل أنحاء العالم.

و شهدت تونس موجة غير مسبوقة من الهجرة أعادت إلى الأذهان السيناريو الذي شهدته تونس عقب الثورة في صائفة سنة 2011، حيث شاهدنا منذ بداية 2020 عدة فيديوهات توثق رحلات هجرة جماعية لعائلات بأسرها فرت من الوضع الاقتصادي الصعب و ارتفاع نسب البطالة و تراجع فرص العمل و البطالة المرتفعة في صفوف أصحاب الشهائد العليا و هو ما يؤكد الطرح الذي قدمه قيس سعيد حين اعتبر أن الحل الأمني ليس مناسبا في التعامل مع ظاهرة الهجرة الغير شرعية، حيث عبر رئيس الدولة  خلال اللقاء عن استعداد تونس المستمر لتطوير التعاون مع جميع الأطراف لإيجاد الحلول الكفيلة للحد من هذه الظاهرة، مع تأكيده على ضرورة فتح الآفاق للشباب التونسي للتنقل بشكل قانوني إلى أوروبا من خلال إبرام اتفاق شامل مع إيطاليا في مجال التصرف التوافقي للهجرة والتنمية المتضامنة.

 

الثابت أن المقاربة الأمنية ليست الحل المناسب للقضاء على ظاهرة الهجرة غير المنظمة، و الثابت أيضا أن تونس ليست " الحارس الأمين " للحدود الايطالية بقدر ما هي شريك مع ايطاليا في أزمة عالمية تجابهها كل الدول في العالم فالولايات المتحدة الأمريكية تلاقي صعوبات كبيرة في التحكم في الهجرة الغير شرعية بينها و بين المكسيك و عدة دول أخرى في العالم تجد صعوبة في حماية حدودها من الهجرة الغير منظمة و بالتالي فالحل يكمن في القضاء على السبب الحقيقي للازمة، أي البطالة و بحث السبل الكفيلة لخلق تعاون حقيقي بين تونس و ايطاليا يسمح بالتقليص في نسب الهجرة الغير شرعية.

حسام بن أحمد

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter