بإحترام الحجر الصحّي العام ..ستنتصر تونس على فيروس كورونا
على امتداد ثلاث أسابيع تمكّنت جائحة فيروس كورونا في تونس من حصد أرواح ثلاث ضحايا في معدل عمري بين 60 و70 سنة من ولاية تونس وصفاقس وسوسة، وفي آخر تحيّين لوزارة الصحّة فإنّ عدد الإصابات بهذا الوباء بلغت 75 حالة مؤكّدة منها 54 حالة وافدة و21 حالة عدوى محلية على امتداد 15 ولاية. كما سجّلت تونس وجود منطقة صغيرة موبوءة بفيروس كورونا وفق ما أعلن عنه وزير الصحّة عبد اللطيف المكّي وهي بجزيرة جربة وبيّن أنّه تمّ عزلها ويبلغ عدد الإصابات بها 6 حالات، وتعتبر بؤرة لأن الحالات تعود لعدوى محلية وليس عدوى وافدة مثل بقية المناطق وقد تمّ تطويق القرية واتخاذ كافة الاجراءات اللازمة.
أمام هذا الوباء الخطير الذي ينتشر بسرعة كبيرة، لم تتأخّر السلطات التونسيّة من رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهوريّة في إتّخاذ الإجراءات الإستباقيّة والإستثنائيّة اللاّزمة للحدّ من انتشار فيروس كورونا بالتنسيق مع البرلمان ومختلف الهياكل والوزارات خاصّة وزارة الصحّة. أعلن إلياس الفخفاخ يوم 13 مارس عن مجموعة من الإجراءات الأوّليّة للتّصدي للوباء بعد أن سجّل بذلك التاريخ 16 حالة مؤكّدة على غرار غلق الحدود البحرية بصفة كلية، غلق الحدود الجوية مع إيطاليا بصفة كليّة مع الإبقاء على رحلة واحدة يوميا لفرنسا ورحلة أسبوعية واحدة لكل من إسبانيا، مصر، بريطانيا وألمانيا مع إعلام كلّ الوافدين تونسيين كانوا أو أجانب بتطبيق العزل الصحي الإجباري حال قدومهم إلى تونس، بالإضافة إلى إلغاء كلّ التظاهرات والعروض الثقافيّة والمؤتمرات العلميّة والتجمعات والمعارض وإغلاق المقاهي والمطاعم والملاهي ابتداء من الساعة الرابعة مساء وتمّ تفعيل هذه الإجراءات إلى غاية 4 أفريل المقبل مع إمكانيّة المراجعة بالتمديد أو التقليص. يوم 16 مارس إرتفع عدد الإصابات وبلغ 24 حالة، لذلك إضطرّت رئاسة الحكومة إلى تشديد الإجراءات وأعلن الفخفاخ عن تدابير أخرى إستثنائيّة على غرار غلق الحدود الجويّة والبريّة لكل الرحلات التجاريّة باستثناء البضائع والسّلع وبعض الرحلات الجويّة، بالإضافة إلى منع التجمّعات على غرار الأسواق والحمّامات والحفلات وغيرها من فضاءات التجمهر والتي ستحدّدها السلط المعنيّة لاحقا وتقرّر تأجيل كلّ التظاهرات والأنشطة الرياضيّة والبطولات الوطنيّة وتمّ إقرار العمل بنظام الحصّة الواحدة طيلة خمس ساعات يوميا وبزمنين مختلفين وذلك لتقليص الضغط في وسائل النقل العمومي والخاصّ وانطلق العمل بتلك التدابير يوم الأربعاء 18 مارس.
لم يلتزم الشعب التونسي بتطبيق تلك الإجراءات وتواصل اختلاط الناس بطريقة عشوائيّة في كلّ الأماكن والفضاءات العموميّة وزاد انتشار فيروس كورونا وسجّلت تونس حالتي وفاة، للحدّ من تنقّل الناس أعلن رئيس الجمهوريّة يوم الثلاثاء 17 مارس حظر الجولان من السادسة مساء الى السادسة صباحا وأصدر القرار إلى القوات العسكرية والقوات الأمنية للقيام بدوريات مشتركة في كامل تراب الجمهورية بتعاضد بين وزارتي الداخلية والدفاع ودعا المواطنين بالإلتزام بتطبيق كلّ الإجراءات وحمّلهم مسؤوليّة تفشّي الفيروس. على الرّغم من تلك الإجراءات، يوم 20 مارس إرتفع عدد الإصابات بفيروس كورونا إلى 54 حالة مؤكدة، وتوقّع شكري حمودة مدير الصحة العامة في وزارة الصحة أن تكون ذروة الاصابات بفيروس كورونا سترتفع في غضون 3 أو 4 اسابيع لتدخل بذلك تونس المرحلة الوبائية الثالثة. عقد في نفس اليوم قيس سعيد إجتماع مجلس الأمن القومي وأعلن في كلمة بعد انتهاء الإجتماع عن فرض تطبيق الحجر الصحّي العام وأشار أنّ تونس تخوض البشريّة كلها حربا ضدّ فيروس كورونا وأكّد أنّ تونس ستنتصر بوعي شعبها وإرادته على هذا الفيروس. اتّسمت كلمة رئيس الجمهوريّة بالغموض نظرا لإعتماده لغته العربيّة المعتادة وندّد الرّأي العام بتصريحه ودعا رئيس الحكومة إلى ضرورة تفسير الإجراءات التي أعلن عنها سعيد. رئاسة الحكومة إستجابة منها لدعوة الرأي العام بتوضيح خطاب قيس سعيد، نشرت بلاغا فسّرت فيه الإجراءات وبيّنت أنّ الحجر الصحي العام يقتضي من المواطنين ملازمة منازلهم الخروج لقضاء شؤونهم الأساسية وفي الحالات الضرورية على غرار التزود والعلاج، كما أنّ العمل سيتواصل بصفة إستثنائيّة في المرفق العام في المجالات الحيوية على غرار قطاعات الغذاء، الصحة، الإدارة، القضاء، الطاقة، الأمن، الماء، النقل، الاتصالات، الإعلام، النظافة والأنشطة الصناعية الحيوية.
نظرا لأنّ الإجراءات التي تمّ إتّخاذها سيكون لها تأثير سلبي على تونس واقتصادها، أعلن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في كلمة توجّه بها إلى الشعب التونسي يوم أمس السبت 21 مارس، عن مجموعة من القرارات الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية. هذه الكلمة على الرّغم من تأخّره في الوقت بساعتيْن، كان أسلوبه في شرح الوضعيّة التي تمرّ بها البلاد على جميع الأصعدة واضحا ومسؤولا حتى إنّ القرارات التي أعلن عنها كانت مقنعة ومطمئنة على الرّغم من أنّها تستنزف ميزانيّة الدولة الضعيفة ووفق الفخفاخ فإنّ سلامة الشعب التونسي والمحافظة على اقتصاد البلاد وديمومة الشركات الكبرى والصغرى هو من أولويات الدّولة. بيّن الفخفاخ أنّ قرابة 15بالمائة من المواطنين أي حوالي مليون ونصف تونسي سيواصلون عملهم لكي لا تتوقّف البلاد، ولم يُخفي في كلمته أنّ الوضعية التي ستصل لها البلاد ستكون لها تكلفة كبيرة على منظومة الصحّة التي تُعاني بطبعها من شح الموارد واهتراء البنية التحتية، كما سيكون لها تكلفة على الأشخاص وخاصّة الفئات الضعيفة وعلى النسيج الاقتصادي بكل أصنافه من مهن حرة وتُجّار وشركات صغرى ومتوسطة وكبيرة وبعض القطاعات سيلحق بها الضّرر أكثر من غيرها. لذلك قرّرت الحكومة بالتنسيق مع كلّ هياكلها من أجل حماية الأفراد ومواطن الشغل والمؤسسات اتّخاذ إجراءات استثنائية تُناهز كلفتها 2500 مليون دينار، ومن بينها نذكر تقرّر للمحافظة على مواطن الشّغل وضمان تواصل الدخل للعمال والأجراء والموظفين وتخفيف العبئ المالي عليهم فتح خط تمويل بقيمة 300 م.د كمساعدات لفائدة العمّال المحالين على البطالة الفنية، وتخصيص اعتمادات مالية استثنائية بقيمة 150 م.د لفائدة الفئات الهشة ومحدودي الدخل والفئات ذات الاحتياجات الخاصة وسيتمّ تقديمها في شكل منح وتأجيل خلاص أقساط القروض البنكية لمدة ستّة أشهر بالنسبة للأجراء الّذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ألف دينار.
بالنسبة للمؤسّسات الاقتصادية وخاصّة المؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة والنّاشطين الاقتصاديين للحساب الخاصّ من أشخاص طبيعيين وأصحاب مهن حرّة ولتخفيف العبئ المالي عنهم ولتتوفّر لهم السيولة اللازمة تقرّر تأجيل دفع الأداءات لمدة 3 أشهر ابتداء من غرة أفريل، بالإضافة إلى تأجيل دفع المساهمة في الضمان الاجتماعي للثلاثية الثانية لمدة 3 أشهر مع تأجيل خلاص أقساط الديون البنكية والمؤسسات المالية لمدة 6 أشهر. كما تقرّر جدولة الديون الجبائية والديوانية لمدة 7 سنوات ووضع خط ضمان بقيمة 500 م.د لتمكين المؤسسات من قروض جديدة للتصرف والأشغال، أيضا التمكين من استرجاع فائض الأداء على القيمة المضافة في أجل أقصاه شهر. وللحفاظ على المؤسّسات وتهيّئتها للعودة لنشاطها، تقرّر إحداث صناديق استثمارية بمبلغ جملي قدره 700 م.د لهيكلة ورسملة المؤسسات المتضررة، بالإضافة إلى السماح للشركات المصدّرة كليا بترفيع نسبة التسويق في السوق المحلية من 30 بالمائة إلى 50 بالمائة مع تمكين الشركات من إعادة تقييم العقارات المبنية وغير المبنية المضمنة بموازنتها حسب قيمتها الحقيقية. وتمّ إقرار عفو جبائي وديواني لفائدة المطالبين بالأداءات المتخلدة بذمتهم، وتقرّر إعفاء المؤسسات التي أبرمت صفقات عمومية وتعطل إنجازها نتيجة أزمة الكورونا من خطايا التأخير لمدة أقصاها 6 أشهر. ولدعم المخزون الاستراتيجي، تقرّر توفير اعتمادات إضافية بقيمة 500 م.د لدعم المخزون الاستراتيجي من الأدوية والمواد الغذائية والمحروقات. وأكّد الفخفاخ أنّ الحكومة بصدد دراسة التعديلات القانونية لتعليق وقتي للتتبعات في الجرائم المالية وستعمل على إيقاف كلّ القرارات التي تخصّ قطع الماء والكهرباء والإتصال لمدة شهرين.
وزارة الماليّة نشرت اليوم الأحد كلّ تفاصيل القرارات الاقتصادية التي أعلن عنها رئيس الحكومة الياس الفخفاخ وأعلنت أنّه تمّ إحداث خلية إحاطة ودعم على مستوى رئاسة الحكومة تعنى بالمؤسسات الأكثر تضررا من تداعيات وباء الكورونا وتعمل على المحافظة على مواطن الشغل وضمان حقوق العاملين بها وتتكون هذه الخليّة من ممثلين عن وزارتي المالية والشؤون الاجتماعية والبنك المركزي والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة والاتحاد العام التونسي للشغل والجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، وتبقى هذه الخليّة مفتوحة لمنظمات ووزارات أخرى عند الإقتضاء. هذه الإجراءات استحسنها البعض من رجال الأعمال وأصحاب المؤسّسات وفي نفس الوقت اعتبرها البعض الآخر أنّها لم تشمل المواطن البسيط، الخبير المحاسب وليد بن صالح في تدوينة على حسابه الخاصّ بالفايسبوك إعتبر أنّ هذه الإجراءات إيجابيّة وكتب ''إجراءات إيجابية في ظلّ الإمكانيات المحدودة للدّولة، فيها ما هو قابل للتّحسين. أتمنّى ألّا تفسدها البيروقراطية''. الخبير الإقتصادي نبيل عبد اللطيف، استحسن هذه القرارات ودعا إلى الوحدة الوطنيّة قائلا''قرارات السّيّد رئيس الحكومة تضمّنت إجراءات مطلوبة في إنتظار تجسيدها على الميدان وإثرائها. وحدة الصفّ ضروريّة في الفترة الحرجة''. من جهته، الخبير الاقتصادي معز الجودي ثمّن تلك القرارات والمبالغ الضخمة التي أعلن عنها الفخفاخ لفائدة الشركات ولكنّه تسائل عن مصادر التمويل وتمنى أن يتمّ تنفيذ تلك الإجراءات لأنّ تونس كلّها في قارب واحد وفق قوله. وعلّق البعض من رواد الفايسبوك على قرارات الفخفاخ قائلا ''خطاب الفخفاخ، 40 بالمائة من الشعب التونسي (موظفين وأصحاب المهن الصغرى) قدّم لهم 1بالمائة من الامتيازات.. 59 بالمائة من الشعب (المعوزين وبطالة) قدّم لهم 0 بالمائة من إمتيازات، و 1 بالمائة من الشعب التونسي ويمثلون كبار رؤوس الأعمال عطاهم 99 بالمائة من الإمتيازات،ويحيا العدل''. واعتبر المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي خطاب الفخفاخ مطمئن وأشار في تدوينة على حسابه بالفايسبوك أنّ ''الاجراءات الاستثنائية المعلن عنها بالأرقام 2500 م.د لمجابهة الأزمة فيها تحمّل للدولة لجانب كبير من مسؤوليتها بدون الدخول في التفاصيل أو مناقشة الارقام في قراءة أولية'' وهي تهدف جمليا إلى حماية مواطن الشغل والمؤسسات وكذلك تحميل القطاع الخاص مسؤولية التضامن مع الدولة التونسية في هذا الوضع الوبائي، ولكنّه ندّد بسوء توضيح مفهوم قرار الحجر الصحي العام الذي يهدف إلى ملازمة المواطنين بيوتهم مع إمكانية الخروج عند الضرورة للتموين او العلاج ، مشيرا أنّ الفخفاخ لم يقيّد الضرورة أو يذكر سيناريو التصدي في حالة عدم احترام قواعد الحجر الصحي العام كما هو معمول به في تجارب الدول الاوروبية خاصة تنبأ لظاهرة عدم الانضباط لقواعد الوقاية. ودعا حافظ قائد السبسي إلى حسن التطبيق على أرض الواقع والالتزام بالإجراءات التي اتخذت لأن الوضع خطير ويتطلب مدة طويلة بناءا على تجارب الدول الأخرى التي حققت تقدم في مكافحة الوباء''.
الفخفاخ صرّح قائلا ''نتحمل قليلا التضييق والتقييد، وننضبط للتعليمات الصحية، نتضامن ونُبرهن على تآزُرنا، نُضحّي قليلا لأن النجاحات الكبرى تُبنى بالتضحيات وسنتوفق بفضل الله إلى تجاوز هالوضع والخروج بسلام إلى غد أفضل، أحنا عملنا الحجر الصحي الشامل موش باش تاقف الحياة أما باش ترجع الحياة''.
فعلا إنّ تحمّل المسؤوليّة في تطبيق الإجراءات بكلّ حذافيرها والإيمان بالدّولة وبقدراتها ومعاضدة وزارة الصحّة في مجهوداتها في الحدّ من انتشار فيروس كورونا ووحدة التونسيّين وتفهّمهم لخطورة الوضع الذي تمرّ به بلادنا وخوفا منهم على أرواح النّاس، سيُمكّن تونس من النجاح في تجاوز هذه الأزمة والخروج من جائحة فيروس كورونا بأقل الأضرار.
تعليقك
Commentaires