alexametrics
آراء

نبيل القروي وقيس سعيّد "أفضل ديمقراطيا" من بورقيبة وبن علي

مدّة القراءة : 4 دقيقة
نبيل القروي وقيس سعيّد

 

"المواطن التونسي الذي لا يحترم قواعد السير  والجولان ويقطع الطرقات ويدخّن سيجارته في الفضاءات المخصصة لغير المدخنين والذي لا يحترم الطوابير ويشتري الغلال من الشاحنة الرابضة قرب مفترق الطرقات ويستهلك السجائر الجزائرية والمحروقات الليبية المهرّبة والذي يعطي دينارا لمن يحرس سيارته عوضا عن دينارين مقابل اقتطاع تذكرة.. هذا المواطن الذي لا يدفع الأداءات البلدية ويقصد مكة لأداء مناسك العمرة أو الحج وهو يخفي عن مصالح الڨمارڨ بعض المئات من العملة الصعبة دون التصريح عنها.. هذا التونسي الذي يؤجّر مستودعا أو غرفة على وجه الكراء دون خلاص الضرائب المستوجبة ويتابع القنوات الفرنسية وباقة بي إن سبور  دون اقتناء الديكودور بل عبر الشيرينغ.. هذا المواطن التونسي هو ذاته الذي ينعت نبيل القروي بالمافيوزي ويفضّل التصويت لقيس سعيّد".

 

هذا النص الرائع الذي لا يُعرف من صاحبه انتشر كثيرا عبر الفايسبوك في الأيام القليلة الماضية وهو يعكس بوضوح واقعنا اليوم في أدق تفاصيله .. بإمكاننا ذكر عشرات الأمثلة الأخرى من الحياة اليومية للمواطن العادي الذي يؤتي الشيء ونقيضه.

 

منذ الإعلان عن نتائج الدور الأول للإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها نكاد نطالع كل يوم نصوصا وكتابات في شكل دروس ومواعظ تهاجم كل من يعتزم التصويت لفائدة نبيل القروي أو ينتقدون "النبي" قيس سعيّد.

 

لكن من هو قيس سعيّد ؟ ومن هو نبيل القروي ؟ .. لا أحد بمقدوره الجواب بدقة على هذين السؤالين ومع ذلك يتظاهر الجميع بأنهم على معرفة جيّدة بهما .. هناك من سيقول إن نبيل القروي مافيوزي وأن قيس سعيّد إنسان فوضوي وأنهما يشكلان خطرا على الديمقراطية وعلى الدولة أيضا. وسيقول لك إن التونسي أحمق وغبي بتمكينه هذين المترشحين من المرور إلى الدور الثاني.

وإذا أمعنّا في هذا الخطاب فإنه يتضح لنا بجلاء أنه هو الخطير على الديمقراطية وعلى الدولة.

 

من بين التدوينات الطريفة التي تم تداولها بكثافة خلال الأسبوع الماضي، عقب الدور الأول من الرئاسية، "الآن استوعبت لماذا كان بورقيبة وبن علي يصوّتان عوضا عنّا" .. فالرسالة تعكس تفكير "نخبة" معيّنة تعتبر أن التونسي غبي وأحمق طالما لم يفرز الدور الأول عبد الكريم الزبيدي أو يوسف الشاهد أو مهدي جمعة أوسعيد العايدي .. فماذا يمكن أن نقول إذن عن الولايات المتحدة الأمريكية التي جاءت بجورج بوش الأب والإبن ودونالد ترامب إلى البيت الأبيض ؟ وماذا عن فرنسا التي مرّت بمارين لوبان إلى الدور الثاني وكذلك إيطاليا التي أوصلت سيلفيو برلسكوني وماتيو سالفيني إلى سدة الحكم أو حتى أوكرانيا التي شغل فيها مؤخرا ممصل فكاهي خطة رئيس للدولة في سن 41 عاما ؟.

 

اختارت تونس في 2011 السير على درب الديمقراطية ومن هذا المنطلق واجب على التونسي قبول أي شخص يتم انتخابه. لكن يبدو أن هذا المبدأ مرفوض من يعتقدون أنهم "أرجح منّا عقلا ورأيا" وفي طليعتهم حكُّامنا أنفسهم. لدينا كذلك هؤلاء القضاة الذين ينتهكون مبدأ افتراض البراءة بالإبقاء على نبيل القروي وراء القضبان، رغما عن أنف الجميع .. والإسلاميون والمتشددون الذين يدعون إلى التصويت لفائدة قيس سعيّد في حين أنهم يجهلون تماما تفاصيل برنامجه أو كذلك التيار اليساري الذي يدعو إلى انتخاب القروي، فقط لأن سعيّد يحظى بمساندة المتشددين.

 

فاختيار رئيس المستقبل هي قناعة شخصية وفعل إرادي من حق كل مواطن أن يمارسه والتشكيك في الدوافع الكامنة وراء هذا الخيار هو من قبيل ازدراء الآخر الذي يُحسب صوته تماما مثل صوتك .. فهذا الشعور بالإزدراء لا مكان له في الممارسة الديمقراطية.. حتّى كل ما يقال عن "المقرونة" فهو مردود على أصحابه فالقروي لم يرسل عجين المقرونة للمحتاجين وإنما بثّ فيهم الأمل في مستقبل وغد أفضل. وهو شعور عجزت كل الحكومات المتعاقبة بعد 2011 عن تحويله إلى برامج وأفعال ملموسة.

 

كما أن الإعتقاد بأن مناصري قيس سعيّد، أغبياء لأنهم يسعون إلى نشر الفوضى، يعد ضربا من ضروب الازدراء تجاههم.. فإذا كانوا يرفضون النظام القائم ويرغبون في نظام جديد فلأنهم ملّوا ويئسوا من منظومة تسحقهم ولا تعترف بهم فلم يجد لهم فيها مكانا.  

 

إذا كنّا نتطلّع إلى ديمقراطية حقيقية فعلينا القبول بقواعدها والكف عن نظرة الإستعلاء وازدراء المناصرين الذين اختاروا التصويت لفائدة نبيل القروي أو قيس سعيّد.

 

حالة الإزدراء هذه أصبحت شبه عامة وهي بارزة للعيان لدى الشقين .. فالمتشددون يصفون الحداثيين بالمافيا التي نهبت ثروات البلاد طيلة ستين سنة .. الحداثيون من جهتهم يعتبرون المتشددين أميين وفوضويين الذين يسعون إلى "صوملة" تونس.

 

هذه الحالة العامة من الكره والحقد خطيرة على المسار الديمقراطي، لأن هناك من يتربّص بنا وهو في انتظار هذا لإعلان انتهاء الحقبة الديمقراطية.. تذكرون كيف أن يوسف الشاهد حاول، دون جدوى، تمرير قانون لقطع الطريق أمام نبيل القروي؟.

 

ما العمل إذن؟ هل نقبل بالنتائج التي أفرزها الصندوق وبالتالي نتقبّل الآخر حتى وإن كنا نعتبره شيطانا أو مهرّجا .. تلك هي الديمقراطية. فالمعركة لا تدور انطلاقا من الشتائم والسباب على صفحات الفايسبوك ولا باستغلال مسارب قضائية وقانونية ذات وجهين .. فقضاء يأتمر بأوامر الجهاز التنفيذي قد ينقلب عليكم في أية لحظة ما دام يميح مع اتجاه الريح.

 

ففي غياب مبدأ القبول بالآخر وبنتائج صناديق الإقتراع، ينتهي بنا الأمر بقبول فكرة أن يأتي شخص آخر لينتخب عوضا عنا ولا أعتقد أن هذا ما يطمح له التونسيون .. فلخير الأجيال القادمة ومن أجل غد أفضل لأبنائنا، يستحسن أن يكون لنا رئيس منتخب ديمقراطيا سواء كان إسمه قيس سعيّد أو نبيل القروي، أفضل من الحبيب بورقيبة أو زين العابدين بن علي اللذين فرضا نفسهما علينا وكانا يفكّران وينتخبان عوضا عنّا.. الثمن سيكون باهظا، سواء على المدى القصير أو المتوسط، لكن على الأمد البعيد لن يتحقق الإنقاذ إلا عبر الطريق الديمقراطي.

 

ملاحظة هامة: توفّي زين العابدين بن علي يوم 19 سبتمبر 2019 بالمملكة العربية السعودية ووري جثمانه الثرى بالمدينة، احتراما لرغبته وطبقا لوصيته .. كانت له رؤيته للدولة وسيادة الدولة مما جعله يقرر بدلا عنا لفترة طويلة. لذلك كنا نعتبره دكتاتورا لأنّه فضّل الدولة على الفرد. التاريخ سيحاسبه وهذا يتطلب بعض الوقت .. ربّما كان دكتاتورا وسجّانا .. قد يكون أيضا مزوّرا وسارقا لكن الأكيد أنه كان رجلا وطنيا ومعترضا دائما على أي محاولة أجنبية في التدخل في شؤون بلادنا .. كان رافضا لبعض المنظمات الدولية غير الحكومية من قبيل "أنا يقظ" ولبعض الشخصيات مثل سهام بن سدرين وغيرهم ممن باعوا ضمائرهم لقطر والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا .. كان يعتقد مثل كثير من الناس أنه على حق وأنه من الأفضل أن يقرر هو مصيرنا عوضا عنا .. لكن ثقافتنا وعاداتنا تملي علينا اليوم أن نترحّم على الرجل بما أنه فارقنا.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0