alexametrics
الأولى

هل يغيّر سعيّد موقف تونس الحيادي وينضمّ لأردوغان دعما لحكومة السرّاج؟

مدّة القراءة : 8 دقيقة
هل يغيّر سعيّد موقف تونس الحيادي وينضمّ لأردوغان دعما لحكومة السرّاج؟

وفقا للفصل 77 من الدستور التونسي، فإنّ رئيس الجمهورية يتولّى تمثيل الدولة، ويختصّ بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة.

في هذا الإطار، شهدت العلاقات التونسيّة اللّيبيّة استقرارا على الرّغم من الحرب التي تشهدها ليبيا منذ سنة2011، بسبب الصراع على الشرعية والسلطة يتمركز حاليًا بين حكومة الوفاق الليبي التي يقودها فائز السرّاج في طرابلس (غرب)، وقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر التابعة لمجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق (شرق).


كانت تونس دائما وأبدا إلى جانب الدولة الشقيقة ليبيا، وكانت تقف أمام خطّ المساواة بين الطرفيْن المتخاصمين ولم تنحاز تونس إلى أيّ طرف من الطرفيْن. الراحل الباجي قائد السبسي، استقبل  يوم الاثنين 18 سبتمبر 2017 بقصر قرطاج، المُشير خليفة حفتر في إطار الجهود التونسية المبذولة من أجل التقريب بن الفرقاء الليبيين وتشجيعهم على الحوار، لتسوية سياسية شاملة للأزمة في ليبيا. وأكّد الراحل لحفتر حرص تونس على عدم التدخل في الشأن الداخلي لليبيا ووقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف ودعوتها المستمرة إلى ضمان وحدة ليبيا وأمنها واستقرارها، وشدّد على أنّ حلّ الأزمة الليبية يبقى بيد الليبيين أنفسهم، موضّحا أنّ دور تونس ودول الجوار يقتصر على تسهيل الحوار وتشجيعه بين كافة مكونات الشعب الليبي وفي إطار من التعاون والتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة لإنهاء الأزمة القائمة والبدء في ترتيبات العملية السياسية. وفي نفس السياق،  استقبل الراحل قائد السبسي، يوم الأربعاء 22 ماي 2019 بقصر قرطاج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا فائز السراج، وتطرّق اللقاء إلى مستجدات الأوضاع على الساحة الليبية والجهود المبذولة إقليميا ودوليا لوقف الاقتتال. وأكّد الراحل على وقوف تونس إلى جانب الشعب الليبي وذكّر بموقفها الداعي إلى ضرورة الخروج من هذه الأزمة في أسرع الأوقات وتجنيب البلاد مزيدا من الخسائر والمعاناة من خلال الإنهاء الفوري للاقتتال والتزام جميع الأطراف بالتهدئة وضبط النفس وتغليب المصلحة العليا للوطن. وشدّد أنّ تونس ليس لديها أيّة أجندة في ليبيا سوى عودة الوئام والأمن والاستقرار إلى ربوعها حيث أنّه لا مصلحة لتونس إلاّ في أن تستعيد ليبيا عافيتها وتسترجع مكانتها الطبيعية وتحافظ على وحدتها.


يوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2019، استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد بقصر قرطاج  رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، وتمحور اللّقاء حول العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين والمسائل الإنسانية العالقة. وأكّد قيس سعيد على ضرورة إيجاد حلّ للوضع في ليبيا في إطار الشرعية الدولية ويكون نابعا من إرادة الليبيين أنفسهم، وأشار إلى  أهميّة إيجاد تسوية سياسية شاملة تخدم مصلحة الشعب الليبي مشددا على أن الشأن الليبي هو شأن تونسي.

يوم الاثنين 23 ديسمبر 2019، استقبل رئيس الدولة قيس سعيد بقصر قرطاج، ممثلي المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية لتباحث الإمكانيات المتاحة للخروج بمبادرة لحل الأزمة الليبية. عقد هذا الاجتماع على إثر دعوة المجلس الأعلى للقبائل لرئيس الدولة للتدخل العاجل لحقن الدماء ولم الشمل بين أبناء الوطن الواحد، ويأتي هذا التفويض لما لمسه أعضاء المجلس لدى قيس سعيّد من مؤازرة للشعب الليبي في محنته، ووقوفه على مسافة واحدة من كل الأطراف وحرصه على إيجاد حل للأزمة الليبية بعيدا عن التدخلات الخارجية وعن لغة السلاح. 

وتمّ على إثر هذا اللّقاء إعلان تونس للسّلام، وأجمع الحاضرون على تفويض قيس سعيد لحلّ شامل للخلاف اللّيبي وفقا للرّؤية والمبادئ، من بينها دعوة كلّ الليبيين للجلوس إلى مائدة الحوار بهدف التّوصل إلى صيغة توافقيّة للخروج من الأزمة اللّيبيّة الرّاهنة في إطار الاتفاق السّياسي اللّيبي واحترام الشّرعية الدّوليّة، وذلك بالانتقال من هذه الشّرعيّة إلى الشّرعيّة اللّيبيّة التي ترتكز على مشروعيّة شعبيّة. قيس سعيد أكّد أنّ الحلّ في ليبيا لن يكون إلّا ليبيّا – ليبيّا دون إقصاء أو تهميش لأيّ طرف مهما كانت انتماءاته السياسيّة أو الفكريّة أو المنطقة التي ينتمي إليها تحت سقف نظام مدني في دولة ليبيّة موحّدة، ودعم جهود المصالحة الوطنيّة الشّاملة. بالإضافة إلى العمل على الإعداد لمؤتمر ليبي تأسيسي يضمّ كلّ مكوّنات الطّيف السّياسي والاجتماعي واعتماد قانون مصالحة وطنيّة شاملة وتنظيم انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة ومحليّة حرّة ونزيهة. وتهدف هذه المبادرة إلى عودة الأمن والاستقرار للشّعب اللّيبي وحقن الدماء في ظلّ وطن موحّد تحفظ فيه الحقوق والحرّيات وتحترم فيه سيادة الوطن والسّيادة الكاملة للدّولة اللّيبيّة. 


استقبال قيس سعيّد لرئيس حكومة الوفاق فائز السراج واجتماعه بممثلي المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، أثار حفيظة وقلق العديد من التونسيّين واعتبروا أنّ قيس سعيّد منحاز إلى حكومة الوفاق وهذا ضرب للحياديّة تونس ووقوفها المتساوي إزاء الطرفيْن المتصارعيّن في ليبيا. السفير السابق والمحامي سمير عبد الله، بيّن استحسانه للتّفويض الذي أسنده المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية لرئيس الجمهورية قيس سعيد من أجل "رعاية شاملة" "للأزمة الليبية''، ولكنّه عبّر عن غضبه وتحذيره لرئيس تونس بمجرّد قراءته لنصّ إعلان تونس للسّلام، والذي يدعو لدعم الشرعية الحالية بالمشروعية الشعبية. وأكّد عبد الله أنّ هذا يعني بوضوح دعم شرعية حكومة السراج وبالتالي اصطفاف تونس  مع شق في الصراع الليبي. ووجّه نداء لرئيس الدولة قيس سعيّد داعيا له بالانتباه بعدم السقوط في فخ جرّ تونس بأن تصبح طرفا في الأزمة اللّيبيّة، وإلى الرجوع لبوصلة تونس الددبلوماسيّة القائمة على الحياد الإيجابي. كما إعتبر المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي، في تصريح لـ"آخر خبر أونلاين" يوم الثلاثاء 24 ديسمبر 2019، أنّ محاولة قيس سعيد جاءت في الوقت الضائع لأن المسائل خرجت من الإطار الاقليمي أي المغرب العربي والليبي. وأضاف الحناشي أنّ الأمور وصلت إلى درجة حرجة يصعب فيها إيجاد حل من قبل الأطراف التي إستقبلها رئيس الجمهورية بعد أن أخذت بعدا دوليا خاصة عقب إجتماع برلين الذي غيّب وأقصى أطراف الجوار، وبيّن المحلل أن سعيّد كان بإمكانه أن يلعب دورا أفضل توقيتا بإعتبار أنه من الصعب جدا أن يكون "إعلان تونس للسلام" ذو وزن أو تأثير على الأرض وحتى على المستوى الدولي، مشيرا إلى أنّ القوى الدولية ذات الوزن أخذت بزمام الأمور وهي على دراية بما يجري في ليبيا. وتابع أن الأطراف المتنازعة على الميدان في ليبيا هي الناطق الرسمي بإسم الأطراف المتنازعة عربيا ودوليا لذلك ّ فإن الحل الليبي الليبي الذي جاء به إعلان قيس سعيد يعد مستحيلا في ظل تطور الأحداث.


ويظلّ الملّف اللّيبي محور النقاشات بعد تدخّل تونس بقوّة وإطلاقها مبادرة السلام، في زيارة مفاجئة وغير معلنة، استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد اليوم الأربعاء 25 ديسمبر 2019، بمطار تونس قرطاج الدولي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفقة كلّ من وزيري الخارجية مولود تشاووش أوغلو، والدّفاع خلوصي أكار، إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون، والمتحدث باسم الرئاسة ابراهيم قالن.


في نقطة صحفيّة قام بها قيس سعيّد رفقة أردوغان بقصر قرطاج،  تمّ منع العديد من الصحفيّين مواكبتها  وتعمّدت قوات الأمن الرئاسي إلى احتجاز بطاقات الفريق الصحفي لقناة "التلفزيون العربي" المعتمدة في تونس، وطالب الأمن الرئاسي الصحفيين بمرافقتهم لتحرير محضر تصوير دون ترخيص بتعلة أنّ التصوير أمام القصر الرئاسي يخضع لترخيص مسبق. وندّدت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بيان لها اليوم الأربعاء، بتواصل سياسة التعتيم التي تنهجها رئاسة الجمهورية منذ تولي الرئيس الحالي قيس سعيد الحكم والقائمة على التمييز بين وسائل الإعلام وغياب الشفافية والآنية في الإعلان عن نشاطات رئاسة الجمهورية وغياب التنظيم المحكم للتغطية الإعلامية القائم على المساواة بين كل المؤسسات الإعلامية.


الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، أشار إلى أنّه  تحدث مع رئيس الوزراء البريطاني والمستشارة الألمانية والرئيس الروسي بخصوص مشاركة تونس والجزائر وقطر في مشاورات برلين، واعتبرأنّ غياب هذه الدول هو بمثابة النقص في المشاورات بحكم معرفتهم للمنطقة وبالوضع السياسي والاجتماعي في ليبيا لافتا إلى أن المشير خليفة حفتر طرف غير شرعي يريد الاستفادة من الوضع الحالي وليس معترف به دوليا وأنّ تركيا تتعامل مع الأطراف المعترف بها دوليا فقط، وقال إن تركيا تتعامل مع فائز السراج وحكومته المعترف بها دوليا. ودعا إلى ضرورة وقف إطلاق النار في ليبيا في أقرب وقت مشيرا إلى أنّه تباحث مع الجانب التونسي الخطوات التي يمكن القيام بها لضمان وقف إطلاق النار في ليبيا والعودة للعملية السياسية. كما أكّد الرئيس التركي ثقته في أن تكون لتونس إسهامات قيّمة للغاية وبناءة في إطار الجهود لتحقيق الاستقرار في ليبيا، مشيرا إلى أنّ التطورات السلبية التي تشهدها ليبيا  لها تأثير على دول الجوار بما فيها تونس، قائلا ''أنها منزعجة جدا من ذلك''. وفيما يتعلق بإمكانية إرسال بلاده لقوات عسكرية إلى ليبيا، أكد أردوغان أن تركيا ستقوم بدراسة أية دعوة ليبية للتدخل. وانتقد موقف اليونان من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أبرمها مع حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فائز السراج، معتبرا أن هذه الاتفاقية ليست من شأن أثينا، ونذكر أن تركيا وقعت في الشهر الماضي اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا في خطوة أثارت غضب اليونان. وتقول أثينا إن الاتفاق ينتهك القانون الدولي لكن أنقرة تقول إنه يهدف لحماية حقوقها في المنطقة ويتفق تماما مع القوانين البحرية.


بدوره قيس سعيد رفض  التعليق على هذه الاتفاقية باعتبارها شأنا يخص تركيا وليبيا وليست لتونس أية علاقة بها، مشيرا إلى أنّها لا تمس من سيادة تونس ولا تتعلق بحدودها وهي مسألة ليبية تركية بالخصوص. وأوضح أن جلسة العمل تطرقت إلى مبادرة تونس للسلام مؤكدا على أهمية جمع الليبيين على كلمة سواء وطي صفحة الماضي وهو ما أعرب عن الاستعداد له كلّ ممثلي القبائل والمدن الليبية خلال لقائه بهم منذ يومين في تونس. وأكد أن المباحثات مع الجانب التركي ارتكزت بشكل أكبر على تدعيم التعاون الثنائي بين البلدين على الصعيد الاقتصادي.

 

زيارة أردوغان إلى تونس المفاجئة مثّلت محلّ انتقاد الكثير من السياسيّين من مختلف الأحزاب، حيث إعتبر النائب عن قلب تونس زهير مخلوف في مداخلته صلب لجنة الحقوق والحريات صباح اليوم الأربعاء، أنّ ما يقوم به قيس سعيد من تدخّلات في شؤون خارجية ولقاءات مع أطراف خارجية  يشكل خطورة على تونس مرجّحا أن تكون سببا في مشاحنات على الحدود الليبية التونسية. أيضا ندّدت حركة مشروع تونس في بيان لها بهذه الزيارة، وبعد الاطّلاع على تركيبة الوفد المصاحب للرئيس التركي، حذّرت الحركة من أي تفكير في استعمال تونس منصة لأي عمل استخباراتي أو أمني أو عسكري لصالح تركيا في اتجاه ليبيا. ودعت رئاسة الجمهوريّة إلى الشفافيّة التامّة مع الشعب التونسي بصدد أهداف الزّيارة واللّقاءات المرتبطة بها ومخرجاتها. كما اعتبرت أنّ هذه الزيارة واللّقاءات المرتبطة بها توحي باصطفاف رسمي تونسيّ لصالح محور تركيا – حكومة الوفاق اللّيبيّة الذي أنتج إتفاقيّة هي محل رفض أغلب العواصم العربية والأوروبيّة وأكّدت على رئاسة الجمهوريّة إلى النأي بتونس عن هذه الاصطفافات وعلى هذا الأساس، وليكون موقف تونس معتدلا ومحايدا، أشارت الحركة إلى ضرورة دعوة المشير حفتر ورؤساء مصر واليونان، لزيارة تونس. وعبّرت الحركة عن رفضها في أن تستعمل تونس منصّة سياسيّة لمحور دوليّ معيّن تتناقض مصالحه مع مصالح تونس ومع سلامة علاقاتها العربيّة والدوليّة.

 

السفير السابق والمحامي سمير عبد الله، أكّد أنّ أي اصطفاف لتونس مع أحد أطراف الصّراع في ليبيا هوّ انتحار ديبلوماسي وتصدير للأزمة الليبيّة للدّاخل التونسي المتأزّم أصلا. واعتبر أنّ تصريح  أردوغان من قصر قرطاج " حفتر طرف غير شرعي" يمثّل استفزاز لرمزيّة قصر قرطاج وتوريط لقرار تونس الوطني.


بعد لقائه برئيس حكومة الوفاق فائز السراج واجتماعه بممثلي  المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، وإعلانه تونس للسلام، واليوم يستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي صرّح بصريح العبارة أنّ المشير خليفة حفتر طرف غير شرعي في ليبيا، هذه المبادرات من قيس سعيّد مسّت من موقف تونس الذّي لم يتغيّر منذ سنوات وهو الوقوف بنفس المسافة أمام كلّ الأطراف وعدم الإنحياز لأيّ طرف. بعد هذه اللّقاءات بيّن قيس سعيّد أنّ تونس تصطفّ مثل تركيا مع حكومة الوفاق الوطني معلنة موقفها من الأزمة الليبيّة وهذا له تداعيات وخيمة وخطيرة على تونس. 

يسرى رياحي










تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter