صراع ثلاثي داخل النهضة: الطريق الى تشريعيات 2019 معبد بالنوايا السيئة!
قيادات النهضة يتمردون على الغنوشي
راشد الغنوشي مرشّح للإنتخابات التشريعيّة: لا شيء رسمي
لسنواتٍ، شاهدت حركة النهضة الإسلاميّة سقُوط الجميعِ من عِلييّهم على الإسفلت، حيثُ يبتلعِهُمْ النسيان- وغريبٌ، كم يقدرُ التونسيون على النسيانْ. التكتّل، المؤتمر من أجل الجمهورية وغيرهم من الفاعلين الأساسيين الذين عاصرُوها بعد الثورة، لم تسعهم ذاكرةُ الرأي العام القصيرة ومضتْ تُراقبهم كلّهم بعين الخبير -بعد أن كانوا حلفاءها في الحكم- منْ بُرجٍ عصيّ عن الإنقسام.
ولاحظت الحركة الاسلامية بتروٍّ- تغير المشهدياتِ وموازيين القِوى، ظهور أحزابٍ وغيابَ أُخرى، وكانت لهـا أفضليةُ الإتزّان بينما اهتزّ الجميعُ من حولها، نداء تونس، المسار، وأخيرا الجبهة التي أصبحت "جبهتين" واحدة تُدعى الجبهة الرابعة بقيادة حمة الهمامة وأخرى تدعى الجبهة الجديدة بقيادة منجي الرحوي. الى وقت غير بعيد حافظت الحركة الإسلامية بذكاء على أفضلية الوِحدة التي بدت غير قابلة للكسر، وكانت كلّ الأزماتِ تُدار بمهارة- وسريّة وراء الأبواب المغلقة وبعيدًا عن أعين السُلطة الرابعة، دام الحال غامضا لمدى 9 سنوات، لكن الغموض قارب على الانجلاء فيما تمكنت بيزنس نيوز من كشف البعض من كواليس حركة النهضة. لئن بدأت بعض المعارك للتو، فان بعضها قديم أخفاه حرص الحزب على الظهور دوما في ثوب الوحدة، كاستراتيجية تواصلية، لكنه في الواقع يعود الى 2016، تاريخ المؤتمر العاشر للحركة.
ما بعد الاسلاموية – الصقور ضد الحمائم
اقتضى دخول اللعبة السياسية من أوسع أبوابها بعد الثورة، في إطار الدولة الوطنية التي أرست دستورا مدنيا وشرعت في ارساء مؤسساته الدستورية الضامنة له، أن تقوم حركة الاتجاه السلامي ببعض التحويرات على مستوى الرؤى والمواقف خاصة أن النهضة وصلت بعد انتخابات 2011 الى الحكم ودخلت في 2014 في حكومة توافق مع أعدائها الايديولوجيين. المؤتمر العاشر أصدر وثيقة تأسيسية جديدة تنص بوضوح على فصل الديني عن الدعوي وهو التضاد الكلي لتمثلاتها القديمة في وثيقة حركة الاتجاه الإسلامي 1981 التي عرفت النهضة كمحاولة اجتهادية، تأخذ من عدة مشارب وتيارات اسلامية جهادية تهدف الى “بعث الشخصية الإسلامية لتونس حتى تستعيد مهمتها كقاعدة كبرى للحضارة الإسلامية بإفريقيا، ووضع حدّ لحالة التبعية والاغتراب والضّلال". مسار النهضة على مدى 30 سنة كان تحوليا من جماعة إسلامية في الستينيات تختص في الشأن الدعوي، الى كيان سياسي في السبعينات، الى حزب سياسي بعد الثورة، الى حركة في السلطة تتبنى الاسلام الحداثي وتعترف بدولة كانت في الماضي القريب تريد تحويلها الى دولة اسلامية تحتكم الى الشريعة بدل الدستور. هذا التغيير الفجئي على مستوى التصور والخطاب والمواقف أربك البعض، فلم يعد من تصنيف يسع النهضة، أهي حزب اسلامي او اسلامي ليبرالي أم حركة سياسية تتبنى الاسلام كواجهة اجتماعية..؟ وولد المؤتمر العاشر انقساما في الحركة بين شق يريد استعادة الهوية السياسية العتيقة التي شب وشاب عليها لثلاثة عقود، وبين من يأبى الثبات على هوية دينية تجاوزها الزمن وأصبح التمشي السياسي العالمي يتجه نحو تأكيد أن الدولة فوق الهويات سوى كانت طائفية أو دينية. تخليص العالم من اندماج الدين والسياسة كان له أثر رجعي متأخر على الحركة، التي أدركت للتو أن البقاء في السلطة يتطلب تضحيات جسام.
الشق المحافظ يضم قدماء النهضة ممن عرفوها في ثوبها القديم، وهم متمسكون بالمشروع المجتمعي الاسلامي والاحتكام للشورى الاسلامية، أما الشق "المتنور" أو ان شئتم تقدميو النهضة أمثال يمينة الزغلامي ولطفي زيتون والقيادات الشابة للنهضة فهم ينتهجون مقاربة لينة، تؤمن بحقوق الانسان والحريات المدنية والديمقراطية وتدعم الاقليات وتتكيف مع مستجدات الشأن الوطني مقدمة مواقف ديبلوماسية قابلة للنقاش بشأن أشد المواضيع اثارة للجدل من المساواة في الارث الى تقنين استهلاك الزطلة الى تعديل قانون تجريم المثلية الجنسية. شق يتبنى التصور الحقوقي مع أنه يقترح تعديلات، لكنه لا يعاديه مثلما يفعل الشق المحافظ الذي يعتبر المساواة في الارث تعديا على الحكم الالهي ويعتبر لجنة الحريات ثلة من المفسدين في الأرض. الصراع بين الشقين هو صراع هوياتي بين المتمسك بالهوية القديمة وخطاب الراديكالية الإسلاموية الهادفة لقلب نظام الحكم وبين شق-لطيف يبدو أنه يتأقلم مع المشهد الحداثي حتى لا يبتلعه النسيان ويتجاوزه الزمن، خصوصا أن الرأي العام غير توجهاته من 2011 الى 2019 وأصبح يرى في الشعيويين –حسب نتائج سبر الاراء الاخيرة- ممثلين له، مع تذيل راشد الغنوشي نوايا التصويت وتراجع النهضة من المرتبة الأولى في نوايا التصويت 2014 الى المرتبة الثالثة في 2019. بيد أن الصراعات أضحت واضحة للعلن الا ان انضباط الاقلية التي تحن الى الماضي الى الاغلبية التي ترنو الى المستقبل جعل الحركة تواصل في تمسكها بالوحدة بين شق الصقور- وهم المتمسكون بالهوية الاسلامية أمثال الحبيب اللوز والصادق شورو، وبين الحمائم اي الجناح السياسي المقرب من الغنوشي والذي يدعم مدنية الحزب والتوجه الحداثي والذي كلفهم استقالة محمد غراد القائد النهضاوي الشاب من منصبه، واستقالة لطفي زيتون من منصبه كمستشار سياسي للغنوشي بسبب الصراع بين جناحي مابعد 2016.
الطريق الى تشريعيات 2019.. معبد بالنوايا السيئة
يبدو أن الحزب الاسلامي لم يعد بمنأى عن عدوى الفوضى التي طالت غيره من الأحزاب، اذ تشهد حركة النهضة –والتي تلقب نفسها بالحزب الديمقراطي الوحيد- صراعات داخلية كبرى بشأن قائمات التشريعيات، قيادات وأعضاء الحركة، غاضبون من قرارات راشد الغنوشي رئيس الحزب الذي قام بتحويرات مفاجئة في أسماء رؤساء القائمات، بعد اجتماعات وانتخابات داخلية أفضت الى قائمات توافقية، وهو ماانفردت بيزنس بنشره اليوم بعد تحصلها على معلومات تفيد بتغيير قائمات التشريعيات قبل اقل من أسبوع على تقديم الترشيحات الى هيئة الانتخابات يوم 22 جويلية الحالي.
هل خان راشد الغنوشي رفاقه القدامى؟ عبد اللطيف المكي وعبد الحميد الجلاصي غاضبان جدا من الغنوشي، حتى أنهما هددا بالانسحاب من الترشح بسبب "المظلمة والتعسف" اثر شطب أسمائهما من القائمات المركزية بالعاصمة. تم ازاحة عبد اللطيف المكي من من قائمة تونس 1 التي كان من المفترض أن يترأسها، لترشيح محتمل لقائد الحركة الغنوشي الذي يرجح أن يعوضه على رأس القائمة المركزية الأكثر أهمية، وان صح هذا، فان طموح الغنوشي تحول من الرئاسية الى باردو.
عبد اللطيف المكي، تساءل "ما هو مبرر نقلي انا من دائرة تونس 1 فإن كان السبب ترشح رئيس الحركة اكون الثالث من بعده و الأكثر إثارة للشعور بالظلم ما هو مبرر عدم احترام الناخبين .. لماذا الظلم.. ظلم الشباب ظلم المرأة ظلم الناخبين ظلم القانون ظلم أخوتنا ظلم اخلاق النزاهة و الشفافية " المكي انتقد كذلك ازاحة صفاء المدايني من المرتبة الثانية لقائمة تونس 1 لتغييرها بمرشحة غير محجبة وازاحة رئيس قائمة الكاف 1 حسين الجندوبي. المكي الذي ظل محافظا على ولاءه للشيخ، أعلن أنه يتعرض لتصفية حسابات شخصية، راجيا الدعم ورفع المظلمة ومهددا بالمغادرة النهائية وسحب الترشح. قيادي اخر، عبد الحميد الجلاصي، تم تغييره من تونس 2 الى قائمة نابل 1 فعلق بدوره أن الغنوشي اتخذ قرارات لاديمقراطية ويتعدى على ارادة الناخبين قائلا أن "هذا القرار يمثل انقلابا على إرادة الناخبين من قواعد النهضة الذين اختاروا ترشيحه" متابعا "لن أموت إن لم أترشح للمجلس".
اضافة الى الصراعات القديمة التي تتراكم يوميا، ينضاف عداء جديد وهذه المرة بين ثلاثة أسماء كبرى طالما تباهت بديمقراطية الحركة وطريقة ادراتها للأزمات. الأسئلة التي تتبادر الى الأذهانالان تتجاوز النوايا السيئة وكواليس القرارات التي فاجئ بها الغنوشي الجميع بما في ذلك أبناء جلدته الذين من المفترض أنه يعرفونه جيدا. الجدير بالتساؤل في هذه اللحظة الهامة التي تصادف انطلاق الفترة الانتخابية، هي السيناريوهات الممكنة للانتخابات القادمة، هل فعلا يتخلى الغنوشي عن رئاسة الحركة من أجل طموح نيابي-عابر، فمن المتوقع أن سياسيا بثقله سيصبو الى الرئاسيات مباشرة حيث تصنع كبرى القرارات، مالداعي للترشح للتشريعيات في حين أن كتلة النهضة هي الأولى في البرلمان عدديا وكان بامكانها اقتراح وتمرير ماشاءت من قوانين طيلة خمس سنوات، في عمره هذا (78 سنة) هل يختم مسيرته السياسية بكرسي نيابي بين 217 نائبا بدل كرسي قرطاج الفخم- والمغري ؟ ماذا عن لطفي زيتون، هل كان قرار الاستقالة في غير محله، هل سيكلفه ذلك مكانه ضمن قائمة تونس 2، أم أن اليساري الاسلامي سيخير مغادرة الحزب نهائيا مثل قرار الجبالي في 2014؟ ماذا عن الرئاسيات، من شأن بوادر التشضي ان تؤثر على موازيين القوى داخل البيت الداخلي للنهضة. أمام عداوات جديدة للغنوشي، هل سيوافق الجميع على تقديمه للرئاسية لو فرضنا نية ترشحه؟ أسئلة عدة تطفو الى السطح بعد فترة طويلة من الغموض لم تترك لنا خلالها النهضة فسحة للتساؤل وصناعة الفرضيات، هي فجوة اتصالية ربما تكون متعمدة في اطار لعبة السياسة وربما تكون نيرانا صديقة، ولكنها دون شأن فرصة لمنافسي النهضة بالامكان استغلالها لكسر صورة 'الحزب القوي" لدى الراي العام..
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires