صراعات نواب البرلمان تتعمّق في زمن كورونا
اعتقدنا أنّ أزمة كورونا التي اجتاحت بلادنا منذ شهر مارس المنقضي قد ساهمت في تغيّير عقليّة التونسيّين وطريقة تفكيرهم وخلقت بينهم قيم قد تناسوا التحلّي بها على غرار المحبّة والتسامح والتضامن فيما بينهم وقد تجسّدت هذه القيم من خلال تضافر المجهودات من قبل كلّ المواطنين للمساهمة في الحدّ من تفشي وباء كورونا. وكان حديث الرّأي العام وشغلهم الشاغل يوميا مراقبة مدى انتشار الفيروس وطرق مقاومته وحثّ النّاس على الإلتزام بقرارات الحكومة والحجر الصحي العام لتفادي تفاقم هذا الوباء، إلى حدود يوم أمس الثلاثاء 21 أفريل 2020، انهارت كلّ قيم التضامن والتعاون وارتكز الرّأي العام على عودة مشاكل نواب البرلمان وسبّهم وشتمهم لبعضهم البعض أمام مرآى ومسمع الجميع والسقوط بقيمة وهيبة الدولة إلى الحضيض.
''إنت خايف لا نتكلّم..انت خايف لا انقول لحقيقة.. هذا فساد..(الفساد تعمل فيه انت).. لا لن انضبط للتعسّف..وهذا تستّر عن الفساد (_نقصي من التهريج_التاريخ الأظلم متاعك والتاريخ في صالحي أنا مش في صالحك إنت_آخر واحد يحكي على الفساد هو إنت وآخر واحد يحكي على الفساد هو منظومة بن علي) ..تو الوحوك كيما لوحوا إلي قبلك..تتستروا على الفساد (الألفاظ السوقيّة خليها عندك خليها في الوحل متاعك_إنت قمّة الفساد وأنت الفساد نفسه_إنت أفسد ما خلق الله_ما فماش ما أفسد منك وجودك الكل فساد_وجودك السياسي فساد).
هذا مستوى نواب انتخبهم الشعب التونسي ليُمثّلهم في البرلمان وليجدوا حلولا عاجلة للقضايا الحارقة في البلاد، تلاسن وقذف بالكلام الرّديئ بين رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحرّ في البرلمان عبير موسي وعياض اللّومي النّائب عن حزب قلب تونس أثناء اجتماع لجنة الإصلاح الاداري والحوكمة الرشيدة يوم الثلاثاء 21 افريل لمساءلة وزير الصناعة صالح بن يوسف حول صفقة الكمامات التي أثارت حفيظة الرّأي العام بعد أن كان قد طلب من النائب جلال الزياتي صنع كميّة من الكمامات في مصنعه وكانت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قد حذّرت في بيان لها من تضارب المصالح مُذكرة بالفصول التي تمنع الجمع بين عضوية البرلمان وممارسة وظيفة أخرى في اشارة الى وضعية الزياتي الذي يملك مصنع خياطة للكمامات.
رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي كانت قد حضرت في اجتماع لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة وأثناء منحها الكلمة لمدّة دقيقتين و 38 ثانية تمّ قطعها ومن هنا بدأت حرب التلاسن بالكلمات الرديئة بينها وبين عياض اللومي وأشارت في تصريح لبيزنس نيوز أنّها حضرت الإجتماع بصفتها رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر وكان لها أسئلة تريد التوجّه بها لوزير الصناعة والطاقة والإصلاح الطاقي بخصوص ملف الكمامات ومواجهته مباشرة. وأكّدت في تصريحها أنّه لم يكن مرحّب بها منذ بداية الجلسة وقيل لها ''علاش جيت و برا ابعدنا'' و حاول رئيس اللجنة تأجيل كلمتها قدر المستطاع رغم أن النظام الداخلي يسمح لها بالتدخل وعندما رفعت الجلسة بعد أن تمّ قطع الكلمة عنها، بيّنت في تصريحها أنّه عند الخروج من الجلسة وجّهت لها عبارات سب وشتم بألفاظ بذيئة من قبل النواب حيث وصفوها بكونها مجنونة حسب قولها وأضافت أن عياض اللومي قال لها أن مكانها في ''عبد الله قش" و ليس بمجلس النواب، و أضافت أنّ عضوا من ائتلاف الكرامة تهجم عليها بالقول و حاول الاعتداء عليها.
في تدوينة على صفحتها الرسميّة بالفايسبوك مساء أمس الثلاثاء، نشرت موسي توقيت توزيع الكلمة من قبل رئيس اللجنة داخل لجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد حيث تحصّل محمد العفاس 6 دق و 11 ثانية، فريدة العبيدي 5 دق و 21 ثانية، عياض اللومي 7 دق و 31 ثانية، جوهر المغربي 5 دق و 29 ثانية ثم عبير موسي تسحب منها الكلمة بعد 2دق و 38 ثانية، قائلة '' دون وجه حق خوفا من كشف المستور''. واعتبرت عبير موسي أنّ نواب البرلمان يريدون تشويه سمعتها ويتعمّدون نعتها بأبشع التّهم، ''يكيلون لي أبشع التهم ويهتكون عرضي ويتكتلون ضدي لتشويهي واتهامي بالتشويش على جلستهم''. منذ دخولها البرلمان، عبير موسي كان هدفها واضحا وهو الوقوف ضدّ حركة النهضة التي تصفها ''بالخوانجية والتابعين للإخوان المسلمين'' وكانت في تدوينتها قد أشارت أنّ النواب تعلّموا الديمقراطيّة من راشد الغنوشي رئيس الحركة الإسلاميّة قائلة ''هذه ديمقراطيتهم التي تعلموها من سيدهم الشيخ..أما الخضوع للتعسف والانكماش ليرتعوا في الأرض فسادا واما العنف والتشويه''. واعتبرت أنّ البرلمان أصبح ساحة تهديد وعنف وهرسلة لشخصها '' حقوقي مستباحة وكرامتي مستباحة ولا من عقاب ولا ردع'' مؤكّدة أنّها ستواصل النضال مهما كانت التكاليف. في تصريح لقناة الحوار التونسي، اتّهمت موسي النائب عن قلب تونس عياض اللّومي بثلبها وتوجيه عبارات نابية لشخصها ''عياض اللومي قال لي مهبولة وقلي انت بقعتك في عبدالله قش وقال لي ملاّ هم أزرق وسخطة على مخّك'' وبيّنت أنها تشعر وكأنّها ليست في مجلس نواب بل إنّها موجودة في مكان يعجّ بالعنف والضغوطات والهرسلة.
النائب عن قلب تونس عياض اللّومي نشر تدوينة على صفحته بالفايسبوك، وضّح فيها حقيقة ما تمّ تداوله وكذّب تصريحات عبير موسي قائلا ''أكاذيب وأراجيف عن عبير موسي ومجدي بوذينة عبر قنوات التواصل الاجتماعي وقناة الحوار التونسي تحمل اتهاما خطيرا بأنني توجهت اليها بالتصريح التالي " انتي بلاصتك في عبد الله قش" وتلى هذه الأراجيف حملة ممنهجة شملت كل أنواع الشتم والقذف والكلام النابي ضدي وضد حزب قلب تونس الذي وصفه مجدي بوذينة بالماخور وضد عائلتي المكونة من زوجتي وبناتي القاصرات التي تم وصفها من قبل صفحات عبير موسي بابشع النعوت''. اللّومي أشار أنّ الموضوع تجاوز الإختلاف السياسي وتحوّل إلى هرسلة له ولعائلته ''بشكل جارح ولغاية تسجيل نقاط سياسية''. أكّد في تدوينته أنّ ما جاء على لسان عبير موسي ليس من أخلاقه ولا تربيته مؤكّدا أنّه يحترم المرأة ويرفض أن يتحوّل ''السّجال السياسي إلى مسّ من الأعراض''، اللومي أشار إلى أنّ موسي إعتادت لعب ''دور الضحيّة من خلال الادعاء بالباطل على كلّ من خالفها الرأي وخاصّة في مجلس نواب الشعب'' وذكر خلافها مع ليلى الحداد وسامية عبو وجميلة كسيكسي وسميرة الشواشي وحتى من حزبها على غرار لمياء جعيدان. وفي تصريحه لقناة الحوار التونسي، بيّن أنّ عبير موسي تعتبر أنّ لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة تريد التستر على الفساد ''هذا مرفوض وأسلوبها تعوّنا به ورئيس اللجنة طبّق عليها القانون ونحن متضامنون معه'' وأضاف قائلا ''من حقّها أن تقوم بإستعراضها وحملتها الإنتخابيّة المتواصلة''. كما أشار اللومي في تصريح له اليوم الأربعاء على إذاعة إي أف أم، أنّ كلّ تصريحات عبير موسي بأنّه قال لها مكانك في ماخور ''عبدالله قش'' عار من الصحّة وهو مجرّد كذب قائلا ''للأسف لم أتوقّع منها أن تنزل إلى هذا المستوى وصحيح أنّ حياتها السياسية بنتها على هذه الأساليب والمغالطات''، مضيفا ''عبير موسي من 2011 وهي تكذب على زملائها، كذبت على رئيس المجلس، رفضت أداء اليمين''. وندّد النائب عن قلب تونس بالإعلاميّة مريم بلقاضي التي صرّحت في برنامجها أنّها اطّلعت على التسجيل الذي يثبت فيه قول اللومي لعبير موسي ''مكانك عبدالله قش'' معتبرا أنّها مسؤولة عن الحملة التي وجّهت ضدّ شخصه، قائلا ''أتحداها لو كان لديها رُبع تسجيل لأنني ببساطة لم أقل ذلك''. عياض اللومي أعلن أنّه قدّم قضية ضدّ عبير موسي والنائب عن الدستوري الحرّ مجدي بوذينة مؤكّدا أنّ سيتتبّع قضائيا كلّ من كذب في حقّه وساهم في هرسلته وثلب عائلته. وأضاف قائلا '' عبير موسي خدمتها البلطجة وإيقاف أعمال المجلس وتعوّدت على ذلك لترذيل عمل المجلس''، وأشار أنّ خلافها كان رئيس لجنة الإصلاح الإداري موضحا أنّها تريد أن تأخذ الكلمة كما تريد ''تدير الجلسة على كيفها..ترفض المجلس'' معتبرا انّها لها مشكلة شخصيّة معه.
النائب عن الدستوري الحرّ مجدي بوذينة في تصريحه لقناة الحوار التونسي مع مريم بلقاضي يوم أمس الثلاثاء أكّد أنّ عياض اللومي قال لرئيسة حزبه عبير موسي '' أنت مكانك في عبدالله قش'' واشار قائلا ''أريد أن أقول له أمام الجميع إلي يحكي على الماخور راهو الماخور هو الحزب إلي إنت جاي منو'' معتبرا أنّ حزب قلب تونس هو حزب ماخور مشيرا أنّ ما قاله اللومي ليس من شيم وقيم نائب في البرلمان ''عيب وشيء يعمل العار''. من جهته، أكّد رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة، النائب بدر الدين قمودي، أنّ المعنيّين بالتدخل للنقاش هم أعضاء اللّجنة ولكنّ القانون يسمح للنواب خارج اللّجنة أن يكونوا حاضرين في الإجتماع ويتمّ إعطاؤهم الوقت في حدود ما تسمح به الجلسة، وأشار أنّه تمّ ضبط الوقت بثلاث دقائق للنواب خارج الجلسة وأنّه مكّن عبير موسي من ذلك التوقيت ولكنّها لم تلتزم به قائلا ''كلّ مداخلتها كانت حديث عام لا علاقة له بموضوع الجلسة وبعد انتهاء وقتها أرادت أن تأخذ وقت زائد كما تريد''. وأضاف قائلا ''عبير موسي كانت مستفزّة إلى أبعد الحدود بصراخها واستفزازاتها وهذا ليس سلوك نائب شعب.. كان سلوكها ليس سلوك نائب وهذا لا يشرّف مجلس النواب وكم من جلسة في البرلمان تمّ رفعها نتيجة سلوكها''. كما أكّد النائب أنّه لم يسمع من زميله النائب عياض اللّومي ''أيّ كلمة قد تثير أيّ إلتباس داخل اجتماع اللّجنة'' مشدّدا أنّه متضامن معه، وأضاف قائلا ''نحن لا نمارس السياسة داخل اللجنة''.
كانت هذه تصريحات كلّ ممثّلي المهزلة التي حصلت في اجتماع لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة، وكلّ نائب فيهم ينزّه نفسه من الحقد السياسي ويوجّه التهمة لغيره متناسين صورة وهيبة البرلمان الذي جعلوه مقرّ صراعات إيديولوجيّة وسياسيّة وشخصيّة امام كلّ التونسيّين دون اكتراث. الرّأي العام يوم أمس الثلاثاء انقسم إلى شقّ يناصر النائب عياض اللومي ويدافع عنه ويُنزّهه من تلك التصريحات النابيّة، والشقّ الآخر دافع بشراسة على النائبة عبير موسي وعن المرأة التونسيّة بصفة عامّة، المحامي حازم القصوري أعلن رسميا عن تكوين لجنة دفاع لمقاضاة النائب عياض اللومي وإعلان التعبئة العامة ضد العنف المسلط على المرأة طبقا للقانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. الكاتبة والمؤلفة والباحثة التونسية ألفة يوسف، عبّرت عن تضامنها مع عبير موسي ''كل التضامن مع عبير موسي ضد العبارات الشاتمة التي وجهت لها في المجلس''، واعتبرت انّ المجتمع التونسي وصفته ''بالمتخلّف'' ينزعج من كلّ إمرأة تسير عكس التيار. القيادية في حزب آفاق تونس ريم محجوب، عبّرت كذلك عن دعمها لموسي معتبرة انّها ''تعرّضت لعبارات بذيئة ومنحطة بكلّ قذارة في المجلس'' مشيرة أنّ هذه العبارات تعتبر موجّهة لكلّ إمرأة تونسيّة قائلة ''هذا العنف السياسي المسلّط على المرأة يعاقب عليه القانون في دولة القانون''. رئيس الجمعية التونسية للحوكمة والخبير الاقتصادي معز الجودي، دعا عياض اللومي إلى تقديم الإعتذار لعبير موسي وإلا فإنّه لن يعتبره صديقا له.
بينما تحتاج البلاد إلى أكثر لحمة وتضامن بين الشعب التونسي بمختلف فئاته للحدّ من انتشار فيروس كورونا والسيطرة عليه، واصل نواب البرلمان التمادي في صراعاتهم السياسية وتبادل العبارات النابية التي لا تليق بممثلي المجلس الذي أصبح مكانا لفضّ النزاعات السياسية وليس لإيجاد حلول للقضايا الحارقة في البلاد.
فيروس كورونا لم يتمكّن من تغيّير عقليّة بعض التونسيّين الذين تغلبهم الأحقاد الإيديولوجية والسياسيّة والرجعيّة، صراعات داخل البرلمان، تهديدات لخوض حرب مسلّحة ضدّ الدّولة ورئيسها لفائدة حركة النهضة والقيام بعمليات تفجيريّة في العاصمة والساحل، احتكار وفساد من قبل العديد من المسؤولين في البلاد.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires