اعتداءات على المواطنين والمحامين- هل النقابات الأمنية فوق القانون؟
مثّل مشروع قانون زجر الإعتداء على القوات المسلحة وتمريره للمصادقة عليه في البرلمان محور نقاش الرأي العام منذ أسابيع واحتدّت وتيرة التشنّج بين الأمنيين والمجتمع التونسي من مواطنين ومنظمات وطنية وسياسيّين. استمات الأمنيون في الدفاع عن تمرير هذا القانون الذي اعتبروه جدارا لحمايتهم في حين رفضتهم العديد من الأحزاب والمجتمع التونسي بصفة عامة.
النقابات الأمنية والأمنيين بمختلف رتبهم ووظائفهم شنّوا هجمة مسعورة على كلّ من يعبّر عن رأيه في هذا القانون ويرفضه، ووصلت بهم الدناءة إلى تهديد الكثير من رواد موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك إلى أن يكفّوا في التحريض والدعوة إلى عدم تمرير قانون زجر الإعتداءات على الأمنيين. في تعريفه يهدف القانون حماية قوات الأمن الداخلي والديوانة من "التهديدات الجدية والاعتداءات التي تمسّ من السلامة الجسدية للأعوان أو بحياتهم أثناء أداء وظيفتهم كما تشمل الحماية عائلة أعوان الأمن، أزواجهم وأصولهم وفروعهم (بأقصى العقوبات) وسياراتهم ومنازلهم (عقوبة ذلك 6 سنوات) إضافة للمقرات والمنشآت الأمنية". وبما أنّ المشرّع لم يحدد نوع الاعتداء أو تعريفا دقيقا للمس من سلامتهم، أو حصرا للفظة التهديدات، لن يتضمن القانون تشريعا لعلوّ الأمني عن القانون فقط- بل علوّ عائلته وأبنائه وممتلكاته مهما كان نوع "التهديد" فسيكون مسّا من المقدسات يرمي بمُرتكبه في السجن لسنوات. كما سيضاعف مشروع القانون العقوبات الواردة في المجلة الجزائية في جرائم الاعتداء على الحرمة الجسدية لذوي الأمني (عائلته) المرتبطة بأدائه لمهامه أو بصفته. كما أنّ التوظيف السياسي لهذا القانون يتجلى في أنه يطرح عبر استعجال النظر مع كل تهديد ارهابي، وتم ذلك في ثلاثة مناسبات تلت جميعها عملية ارهابية في 2015 ثم 2017 واخرها بعد عملية أكودة في سبتمر 2020، يعتبر القانون أداة سياسيّة لإفراغ كل الضمانات الدستورية للحريات العامة وحرية التعبير من محتواها تذرّعا بمقاربة الأمن مقابل الحرية.
النقابات الأمنية بعد هضمها وتهجّمها الخطير عبر الفيسبوك على العديد من المواطنين وهرسلتهم بالكم الهائل من الشتائم والسب، دخلت في صراع مع السلطة القضائية محاولة فرض سيطرتها وجبروتها تحت غطاء التضامن الأمني حيث جدّت يوم الجمعة 9 أكتوبر 2020، واقعة خطيرة أمام المحكمة الابتدائية بصفاقس والمتمثلة في تجمهر منتسبي النقابة الجهوية لقوات الأمن الداخلي بصفاقس والذين قاموا برفع شعارات ماسّة باستقلال القضاء على خلفية تعهد قضاة المحكمة الابتدائية صفاقس 2 بشكاية رفعها أمني ضدّ مدونة وتمّ إحالة هذه الأخيرة على الدائرة الجناحية بتلك المحكمة التي قرّرت إبقاءها بحالة سراح، بالإضافة إلى العربدة والتعدي الخطير الذي قام به الأمنيون حين قاموا بمحاصرة المحكمة الابتدائية ببن عروس في ضغط منهم على السُلّطة القضائية عند مباشرة أعمال التحقيق مع رئيس مركز الأمن الوطني بالمروج الخامس وأحد مساعديه ومن طرف عدد من المحامين من لجنة الدفاع على الشاكية الأستاذة المحامية نسرين القرناح من خلال الاعتصام أمام مكتب وكيل الجمهورية واقتحام مكتب قاضي التحقيق المتعهد لفرض خروج ملحقة قضائية متربصة من مكتبه. وكانت المحامية نسرين القرناح قد تعرّضت في شهر أوت الفارط للإعتداء بالعنف من قبل رئيس مركز المروج الخامس ومعاونه أثناء تنقلها صحبة موكلها إلى المركز المذكور لتقديم إعلام نيابة في حقه وسماعه كمتضرر، إلاّ انّ سجالا قانونيا بينها وبين رئيس المركز تطوّر إلى الاعتداء عليها وافتكاك بطاقتها المهنية.
المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين اليوم الإثنين 12 أكتوبر 2020، نشر بيانا ندّد بجميع أشكال الضغط المسلطة على الهيئات القضائية بمختلف أصنافها سواء صدرت عن أطراف القضايا المنشورة ذاتها أو من الهياكل النقابية أو المهنية الممثلة لها لما ينطوي عليه من مساس بجوهر استقلال القضاء واستقلالية القرارات والأحكام الصادرة عنه وخرق لمبدأ المساواة بين المواطنين أمام العدالة. واعتبرت جمعية القضاة أنّ تكرار منتسبي بعض النقابات الأمنية وبعض المحامين لممارسات الضغط على القضاة بمقرات المحاكم وبقاء تلك الأفعال دون محاسبة هو ما شجّع على التمادي في تلك التصرفات اللامسؤولة التي من شأنها ضرب مصداقية مؤسسات الدولة وفسح المجال لإستباحتها من قبل الكافة. وطالبت الجهات القضائية المختصة بفتح التحقيقات القضائية اللازمة في كافة وقائع الضغط والتجاوزات التي طالت القضاء والقضاة ومتابعتها بالجدية اللازمة والإعلام بمآلاتها كما طالبت وزير الداخلية بفتح الأبحاث الإدارية الفورية في تصرفات منظوريه بخصوص وقائع المحكمة الابتدائية بصفاقس والمحكمة الابتدائية ببن عروس وتحميل المسؤوليات لكل من ثبت تورّطه في ارتكاب التجاوزات غير المقبولة إنفاذا للقانون وتكريسا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب. كما شدّدت جمعية القضاة على أنّ العدالة المستقلة ليست عدالة تحت الطلب ولا عدالة تحت حصار وضغط أي جهة كانت وحمّلت المجلس الأعلى للقضاء والسلطة التنفيذية وهياكل المحاماة والجهات القضائية المباشرة للتحقيقات التي فتحت في الانتهاكات السابقة لمقرات المحاكم وللاحترام الواجب للهيئات القضائية، كل من موقعه وبحسب الصلاحيات الموكولة إليه، مسؤولية بقاء مثل هذه الأفعال الخطيرة دون محاسبة ودون ردع. ودعت كافة الأطراف المعنية وعلى رأسها المجلس الأعلى للقضاء إلى تحمل مسؤولياتها الوطنية في حماية مؤسسات القضاء والسلطة القضائية من جميع الضغوطات ومظاهر استعراض القوة التي تمارس عليها للمسّ من استقلال القرارات والأحكام القضائية وتوجيهها وفق الطلبات القطاعية بفتح التحقيقات وتحميل المسؤوليات واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير والقرارات الضرورية لضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله.
هذه العربدة والتعدّي السافر على السلطة القضائية ندّد به التيار الديمقراطي، واعتبر ما قام به مجموعة من الأمنيين المدججين بالسلاح المنتمين لبعض النقابات الأمنية إلى محاصرة المحكمة الابتدائية ببن عروس بغاية الضغط على قاضي التحقيق بالمحكمة المذكورة والمكلف يومها باستنطاق رئيس مركز الأمن بالمروج واحد مساعديه على خلفية اعتدائهما بالعنف الشديد على محامية شابة كانت بصدد القيام بواجبها، هو تحدّي سافر لمؤسسات الدولة ولسلطتها القضائية يوم الجمعة 9 اكتوبر 2020. وأدان التيار هذا التصرف الأرعن وهذه الممارسات اللاقانونية واللامسؤولة التي تأتيها النقابات الأمنية وعناصرها المتمرّدة استضعافا منها للدولة ولمؤسساتها، وحمّل المسؤولية للحكومة ووزير الداخلية رأسا على ذلك التسيب والانفلات والعربدة، مؤكّدا على ضرورة فتح تحقيق جدي ضد هذه النقابات ومحاسبة منتسبيها. كما دعا التيار الديمقراطي النقابات الأمنية إلى التقيد بأحكام الدستور والقانون الذي يضمن الحق النقابي للأمنيين دون التعدي على مؤسسات الدولة أو سلطتها القضائية أومحاولة الضغط عليها وابتزازها وتهديدها بالسلاح، مدينا الإفراط في استعمال القوة ضدّ الاحتجاجات الشعبية والايقافات التعسفية ضدّ الشباب المحتج مشددا على الحق في التعبير و الاحتجاج السلمي.
الاعلامي في اذاعة “اف م” مراد الزغيدي علّق على حادثة الاعتداء على المحامية من قبل النقابات الأمنيّة في محكمة بن عروس، ونشر تدوينة على حسابه الخاصّ بالفيسبوك اعتبر فيها أنّ عدم قيام وزير الداخلية السابق ورئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي بأي ردّة فعل إزاء ما حصل في محكمة بن عروس من تهديد جسدي خطير جدّا للسلطة القضائية من طرف النقابات الامنية ووصفهم بـ ''الفيروس القاتل للجمهورية'' هو دليل على مساهمته ضمنيا في هدم مفاصل الدولة و أنه تبعا لذلك ليس له مقومات رجل الدّولة، هذه التدوينة كانت سببا في شتمه بأبشع النعوت والعبارات من قبل النقابة الاساسية لقوات الامن الداخلي بالمروجات وهدّدوه في شخصه. لم تسلم من هذه النقابة أيضا المحامية المتضرّرة، حيث نشروا تدوينة معلنين تحديهم لها أن تثبت حقيقة الإعتداء عليها.
عميد المحامين، ابراهيم بودربالة أكّد أنّ عددا من أعوان الأمن الحاملين للسلاح قد حاصروا محكمة بن عروس وذلك خلال جلسة استنطاق رئيس مركز الأمن بالمروج في قضية الاعتداء على المحامية المتضررة، ووصف ما قام به الأمنيون بالخطير، موضحا أنّ مقترحات الهيئة قد تصل إلى طلب تغيير الملف القانوني من محكمة بن عروس إلى محكمة أخرى.
لا يخفى عن أحد أنّ العديد من الأمنيين وليسوا جميعهم ساهموا في الإساءة إلى المؤسسة الأمنية وتشويهها من خلال ممارستهم الرديئة مع المواطنين واستغلالهم لرتبتهم للضغط على المواطن التونسي من أجل الرضوخ إلى طلباتهم ونسبة عالية من الأمنيين يمارسون التجارة بمنتهم إذ يقبلون الرشوة والهدايا مقابل إخلاء سبيل المواطنين، وإذا لم يرضخ المواطن لمطالبهم يعنّفوه ويسلّطون عليه كلّ أنواع العنف المادي والجسدي واللفظي وهذا الفيديو في ولاية نابل أكبر دليل على ذلك حيث تعمّد عون الأمن الإساء إلى المواطن وإلى المؤسسة الأمنية ولكل أجهزة الدولة. هذه الفئة من الأمنيين يجب أن تعاقب ويتم وضع حدّ لهم لتعود ثقة الشعب في المنظمة الأمنية ويتمكّن الطرفان من تحقيق التعايش السلمي.
ماذا يُخيف الأمنيين؟ أيخيفهم مواطن بسيط غير مسلّح؟ الأمنيين ليسوا في حاجة إلى قانون يحميهم وهم الذين لهم دور في حماية المواطن التونسي، كلّ أمني شريف ونزيه يطبّق عمله بكلّ شفافية ومصداقية لن يتعرّض إلى أيّ اعتداء من قبل المواطن البسيط الغير مسلّح. علاقة المؤسسة الأمنية بالوسط الإجتماعي وبمؤسسات الدولة يجب أن تكون وطيدة كي يشعر التونسيون أنّهم يعيشون في دولة يحرسها أمن كلّه عدل ومصداقية. كما أنّ النقابات الأمنية يجب أن تدافع على حقوق الأمنيين وتطلبها من وزارة الداخلية وليس أن تدافع عنهم من قبل الشعب، بل دورها توفير كل الظروف الملائمة لكي يعمل الأمنيون في كلّ أريحية.
تعليقك
Commentaires