رئاسية 2019 - صفحات فيسبوك غير رسمية وأموال أجنبية أثرت على الديمقراطية التونسية
نظم القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء والذي تم تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 فيفري 2017 والقانون الأساسي عدد 76 لسنة 2019 المؤرخ في 30 أوت 2019، العملية الانتخابية وأقر مبادئها الأساسية فأوجب بخصوص الحملة الانتخابية حياد الإدارة وأماكن العبادة وحياد وسائل الإعلام الوطنية وإحترام الحرمة الجسدية للمترشحين والناخبين وأعراضهم وكرامتهم والحفاظ على حرمة الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية للمترشحين وشفافية مصادر التمويل وطرق صرف الأموال المرصودة لها.
بقي هذا القانون حبرا على ورق ولم تحترم الأحزاب السياسية العملية الإنتخابية وكان تقرير محكمة المحاسبات قد كشف العديد من الخروقات والتجاوزات من قبل المترشحين للإنتخابات الرئاسية 2019، وصلت إلى تبيّيض الأموال وغيرها من التجاوزات الأخرى على غرار استعمال وسائل التواصل الإجتماعي وخاصّة الفيسبوك للدعاية الإنتخابية. خوّل الفصلان 57 من القانون الانتخابي و 25 من قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد 22 لسنة 2019، للمترشح للانتخابات الرئاسية استعمال الوسائط الإشهارية الثابتة أو المتنقلة أو الإلكترونية في إطار الحملة الانتخابية مع وجوب مدّ هيئة الانتخابات بالبيانات المتعلقة بالوسائط الإشهارية المزمع استعمالها وبما يثبت تحمل المترشح لنفقات دعم الصفحات الإلكترونية أو الترويج لها.
وفي إطار صلاحياتها، تولّت محكمة المحاسبات طلب معطيات من عدة أطراف على غرار الوكالة الفنية للاتصالات وهيئة الانتخابات والوكالة التونسية للأنترنات وعقدت جلسات عمل مع ممثلين عن المجتمع المدني مختصين في مراقبة الحملات الانتخابية على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك باعتباره الوسيلة الأكثر استخداما من قبل التونسيين، ومكّن فحص المعطيات المتحصّل عليها من مختلف الأطراف المعنية ومعالجتها والمقاربات التي تمّ القيام بها من الوقوف على ملاحظات تتعلق أساسا بتعدّد الحسابات التي تمّ اعتمادها للقيام بالدعاية لفائدة المترشحين للانتخابات الرئاسية بدورتيْها واعتماد تقنية الاستشهار من خلال هذه الصفحات وغياب معطيات حول تقدير التكلفة الناتجة عن استعمال الاستشهار وكيفية تأديتها.
ولئن صرح أغلب المترشحين للإنتخابات الرئاسية (23 مترشّح صرّح من ضمن 26) استجابة لطلب هيئة الانتخابات بالمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي التي تم اعتمادها خلال الحملة الانتخابية، فإنّ أربع من المترشحين (عمر منصور وعبيد بريكي ومحمد عبو وأحمد الصافي سعيد) لم يتولوا قبل انطلاق الحملة الإنتخابية مدّ هيئة الانتخابات بالبيانات المتعلقة بالوسائط الإشهارية المزمع استعمالها من قبلهم. ولم تقتصر الحملة الانتخابية الرئاسية لفائدة المترشحين على استخدام الصفحات الرسمية التي أدلوا بها إلى هيئة الانتخابات، فقد تمت معاينة وجود مجموعة من الصفحات غير الرسمية (لا تمتلك شارة زرقاء) والتي أصبحت نشطة سياسيا بشكل متزايد مع اقتراب الانتخابات وخلال فترات الحملات الانتخابية ووفّرت هذه الصفحات غير الرسمية فرصة للأطراف السياسية الفاعلة ومناصريها للتواصل بحرية وبدون رقيب وبلغ عددها على التوالي 47 و 22 و 197 صفحة. كما تمّ الوقوف من خلال المعطيات المتحصل عليها على وجود عدد من المشرفين على الصفحات غير الرسمية بالخارج وتعدد توزّعهم الجغرافي على غرار تركيا وفرنسا وألمانيا وكندا والصين والسعودية وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية.
وكشف تقرير محكمة المحاسبات، استعمال 16 مترشحا للانتخابات الرئاسية منشورات مدعومة (اعتمدت تقنية الإستشهار) ضمن الصفحات المصرّح بها من قبلهم وتراوح عددها بين منشورين و 37 منشورا مدعوما مع عدم تقديم 11 مترشحا من بينهم (الناجي جلول ومحمد الهاشمي حامدي ومحمد المنصف المرزوقي ومحمد الصغير نوري وعمر منصور وعبد الفتاح مورو وسيف الدين مخلوف وسلمى اللومي وحمة الهمامي وحمادي الجبالي وأحمد الصافي سعيد) لهيئة الانتخابات ما يثبت تحمّلهم نفقات دعم هذه الصفحات الإلكترونية أو الترويج لها. مثّلت الصفحات غير الرسمية التي تولّت الدعاية للمرشحين والتي لم يتم التصريح بها لدى هيئة الانتخابات المصدر الرئيسي للإستشهار بالإضافة إلى القيام بالدعاية الانتخابية خلال فترة الصمت الانتخابي على صفحات التواصل الاجتماعي المصرح بها وغير المصرح بها وبلغ في هذا الإطار عدد المخالفات بالنسبة إلى الصفحات المصرح بها 73 مخالفة من 16 مخالفة تخصّ المترشّح ''مهدي جمعة'' في حين بلغ عدد المخالفات على الصفحات غير المصرح بها 551 مخالفة منها 183 مخالفة تخصّ المترشّحة ''سلمى اللومي''.
ووقف التقرير على ارتفاع مخاطر التمويل الأجنبي للمترشحين الذي استفادوا بعمليات الاستشهار في غياب وسيلة مباشرة تخوّل للمشرفين التونسيين على الصفحات التعامل مع فيسبوك، كما واجهت المحكمة صعوبة في حصر المنشورات التي استعملت كأداة للقيام بالحملة الانتخابية بصفة شاملة ودقيقة وصعوبة إثبات الصلة المباشرة بين بعض الصفحات والمترشحين المنتفعين بالدعاية عبر منشوراتها وهو ما لم يمكّن المحكمة من التصريح بشأن مصادر تمويل هذه الخدمات وشرعيتها نتيجة صعوبة تحديد كلّ ممولي الصفحات والطريقة التي تمت بها تسديد كلفة المنشورات وتحديد العملة التي تم بواسطتها الخلاص. كما تبيّن خلال فترة الحملة الانتخابية ارتفاع مستوى نشاط الصفحات التي لم يكن لها أي انتماء أو هدف سياسي مُعلن وذلك مقابل ثبات الصفحات السياسية الرسمية في مستوى نشاطها المعتاد، وعلى سبيل الذكر بلغ عدد المنشورات الرسمية للمترشح عبدالكريم الزبيدي 58 في حين بلغ عدد المنشورات غير الرسمية لصالحه 1058، كذلك بالنسبة للمترشح يوسف الشاهد حيث بلغت المنشورات الرسمية 98 وبلغت غير الرسمية 1059. وفي نفس الإطار بينت المعطيات والبيانات التي تحصلت عليها محكمة المحاسبات أنّ العديد من المنشورات المتشابهة تمّ تداولها في توقيت متقارب في العديد من الصفحات مما يشير إلى إمكانية وجود تنسيق محتمل بين مسؤولي هذه الصفحات أو إمكانية أن تكون على ملك نفس الشخص.
ودعت محكمة المحاسبات في تقريرها إلى ضرورة وضع الضوابط القانونية اللازمة لإستعمال شبكات التواصل الإجتماعي من ناحية وتأهيل الهياكل التي لها من الإمكانيات والتجهيزات الفنية اللازمة على غرار الوكالة الفنية للاتصالات لمتابعة الصفحات المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي ورصد الجرائم الانتخابية خاصة أن ّهذه الوكالة قد أفادت بأنّها لم تتلق أي إذن قضائي في الغرض ومن شأن مثل هذه الإجراءات أن تساهم في قيام المترشحين بحملات انتخابية تتلاءم ومبادئ الحملة من إنصاف وشفافية ومشروعية.
لعب موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك دورا هاما في الدعاية للمترشحين لرئاسية 2019، الذين صرّحوا بصفحاتهم وحساباتهم الرسمية والتي تُعتبر منشوراتها ليست بالمتعدّدة في حين صفحاتهم غير الرسمية والمموّلة من أطراف أجنبية لم يُصرّحوا بها ومكّنتهم من الإستفادة بعمليات الاستشهار دون رقابة.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires