alexametrics
آراء

تجري الرياح بما لا تشتهي النهضة

مدّة القراءة : 4 دقيقة
تجري الرياح بما لا تشتهي النهضة

 

تقف النهضة هذه الأيام ضدّ رياح، يمكن القول بأنّها لافحة شيئا ما، والحقيقة إن أردنا البحث في المداخل التي تسلّلت منها هذه الرياح ، أن زمنها يرجع إلى تقرير دائرة المحاسبات الأخير الذي أثار نقاطا تعتبر جريئة وليس للنهضة بها عهد.

فالنهضة تعوّدت طيلة هذه  السنوات التسع على الراحة، وعلى عيش لطيف: هي الحاكمة الناهية.. والمشيرة المؤدّبة.. تنازلت عن رتبتها طوعا حتى تترك الصدارة لمن يتقبّل السهام بدلا عنها.. وبالمقابل انطلقت حثيثا في التسلّل داخل الجسم الاجتماعي، لتغذّيه بمبادئها وقيمها، ولتلوّنه بطابعها.. والحقيقة يمكن القول إنّ النهضة حقّقت في هذه السنوات القليلة ما لم يحقّقه اتجاه أو حزب، لأنّها التحمت بعصب المجتمع أيّما التحام.

عملت أسباب خارجية حتى تعبّد الطريق أمام الغنوشي وجماعته: ولا نأتي بجديد عندما نقول إنّ الفضل في توفير هذه الأسباب يعود إلى السيد الباجي قايد السبسي الذي فتح ذراعيه للسيد الغنوشي واحتضنه وآمنه من غضب المجتمع . ظلّ السبسي درعا حاميا للغنوشي منذ 2014، ومكّنه من دواليب الدولة، ولا أعلم إن كان على علم بذلك أم لا، ولكن أعلم أنّه كان واعيا بما يجري، بما أنّنا نحن هذا الشعب كان يراقب ويندّد ويتهم، ولا يمكن بأيّة حال أن يكون السبسي في صندوق عاجيّ لا يسمع ولا يرى ولا يفقه، فمستشاروه كانوا حاضرين في المواقع الاجتماعية بترسانة مدجّجة للردّ على المخالفين وتكذيبهم...

ظللنا على هذه الحال منذ 2014، ورغم الخصومة بين السبسي والشاهد التي آلت إلى ما يشبه القطيعة فإنّ النهضة ظلّت في مأمن من هذه الهزّات بين الرجلين، بل قل كانت بمثابة " الموفّق" الذي اختار الكفّة التي تناسب موقعه.. ولا أبالغ أو أجانب الصواب إن قلت : لو اختار الغنوشي تأييد السبسي لبقي السبسي على عهده معه ولتواصلت سياسة " زيد الماء زيد الدقيق.." ولعشنا حفل تنصيب رئيس حكومة بديل بلباس رئيس الحكومة المقال.. لكن اختار الغنوشي أن يحتضن الشاهد، وليس حبّا فيه أو شغفا وإنّما لأنّ الوقت يسير حثيثا نحو تاريخين مصيريين في البلاد، وبهما ستتمكّن النهضة من إحكام غلق جميع الملفات، وتأمينها بين أيدي أعينها التي نشرتها في جميع المؤسسات. عندئذ ستكتمل الصورة ويتوفّر للنهضة ما حرم منه إخوانها في بقية البلدان العربية التي عاشت تجربة الإخوان وحكمهم. ولا يغيبنّ عنك سيدي القارئ أنّ للنهضة مسؤولية عظيمة عند الإخوان المسلمين لأنّها الوحيدة التي وفّقت في توفير أرضية ليحكم فيها الإخوان المسلمون، وفشلها هو إنباء بفشل تجربة الحكم الإخواني، ولعلّ هذه المسؤولية صارت أشدّ صعوبة بعد أن كسّرت شوكة الإخوان بالمغرب، وعادوا إلى مكانتهم الأصلية؛ وعلى وجه الخصوص بعد انتفاضة السودانيين وقيامهم ضدّ الحكم الإخواني ورفضهم لسياسته إلى يومنا هذا.

تحوّلت تونس إذن إلى " بلد أمين" في نظر الإخوان المشرّدين.. بلد سيؤمّنهم من خوف وهو الأهمّ لأنّ ما لديهم من مال كفيل بأن يطعمهم هم وأحفادهم من جوع..

رأيتم إذن كيف أنّ النهضة صارت تتبختر بين بقية الأحزاب بتونس، وصمّت آذانها عن نقد المجتمع المدني لها، لأنّها ضمنت تحالف الغرب معها، كيف لا وهي رسول السلم والإسلام المعتدل والوسطي.. إسلام رسموه بأقلام مختلفة الألوان: هو خليط من المسيحية مع قليل من خليط المواثيق الدولية وإضافة روائح من ميولات سياسية للأحزاب الحاكمة الغربية... وإذا أردت أن تحدّد هوية هذا الإسلام فإنّك لا تجد شيئا سوى شعارات فضفاضة لا غير.. ولهذا تجد من اعتبر عالما عندهم ما يزال منغرسا في الأصول التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية بما تحمله من تمثّلات بشرية تكرّس العنف والدونية وتكرّس العبودية والطاعة...

ذهب في ظنّ النهضة أنّها أعدّت العدّة لاستقبال موسم الانتخابات التشريعية والرئاسية.. واشتغلت في راحة كبيرة ، وخاصّة بعد البلديات، كيف لا وقد أمسكت بزمام الجهات والمدن الصغرى والقرى والحوم!!!! بل ذهب بها الأمر إلى المزايدات والخطّاب من الطامعين يطرقون أبوابها ونوافذها.. وأخذت تتلاعب بأعصاب المجتمع المدني مستهينة بالمبادرات الفردية أو الجماعية.. لكن...

تجري الرياح بما لا يشتهي الغنوشي:

  • استقالات أو لنقل دفع للاستقالات في مناطق بلدية حساسة، ولعلّ أهمّها بلدية باردو، وفي مثل هذا الوقت الحسّاس..
  • تقرير دائرة المحاسبات الذي كشف تجاوزات في العمليات الانتخابية السابقة، ولعلّ أهمّها تمويلات مجهولة المصدر أو تمويلات للحزب من طرف أموات، وشبعوا موتا.. أضف إلى وجود أموات في قائمات الناخبين.. ولعمري مثل هذه الحقائق تقدّم إلى رئيس حكومة، من المفروض أن يكون مستقلاّ هي دافع أساسي حتى يأذن بفتح تحقيقات وتتبعات... وإلاّ لما كان لعمل مضن وشاق قامت به محكمة المحاسبات من قيمة... لكن " ذبحت السياسة عندنا واغتيلت الجرأة وبقايا قلب في رماد" هاج المجتمع المدني واشتعلت المواقع الافتراضية نارا.. ورئاسة الحكومة في سبات كأنّ التقرير يتحدّث عن بلاد أخرى غير تونس.. وكعادتها أخفت النهضة رأسها مثل النعامة تنتظر سكون الرياح لتعود حاكمة في البلاد.. ولا أظلم في كلامي أحدا: ففي خضمّ العاصفة تستنكر النهضة على الشاهد تعيينات صدرت دون استشارتها، وعشية تأسيس حزبه يلتقي الغنوشي والابتسامة تحدوهما وبلل الرضا يغمرهما.. كلّ ذلك كان رسالة مضمونة الوصول إلى المجتمع المدني..
  • تتعثّر مرّة أخرى النهضة بما أفرزته عمليات سبر الآراء، وأنا هنا لا أقف عند مسألة المصداقية بقدر ما أتوقّف عند تحوّل العلاقات بين النهضة ومن يدير هذه المؤسسات التي دفعت إلى تقديم إحصائيات تشتمل على تعديلات تبعث اطمئنان الناس إليها خاصّة بعد التهم التي ظلّت تلاحقها منذ سنوات وتمسّ مصداقيتها..

وينضاف إلى النهضة التحوّل في خطاب هيئة الاتصال السمعي والبصري، فبعد أن كانت تسلك سياسة كتمان الخبر تحوّلت هذه الهيئة إلى متّهمة رسميا النهضة بامتلاكها للإعلام وتحكّمها فيه.. و إن كانت الهيئة لم تأت بجديد لأنّ مسألة تحكّم النهضة في القنوات التلفزية والإذاعات والمواقع الالكترونية وتوظيف كثير من الصحافيين.. هي من قبيل المعروف بيننا والمتداول، وكم بلغتنا أخبار عن قائمات سوداء في شخصيات منعت النهضة ظهورها الإعلامي وانصاعت إليها هذه القنوات وطبقتها، بل ذهب الأمر ببعضهم إلى أن صار يتجاهل هذه الشخصيات ويسعى إلى التخلّص من تهمة محتملة في أنّ له علاقة به أو بها.. وتجاربنا الشخصية شاهدة على ذلك.. لكن كنّا دائما نبحث لهم أو لهنّ عن أعذار من نوع " يلقّط في خبزتو"، وهذا هو حال الإعلام هذه الأيام كما أرادته له النهضة.. والنتيجة تردّي في مستوى البرامج وفي مستوى الخطاب الإعلامي، وحضور صريح لإرادة النهضة في القنوات التلفزية ، وجميع ذلك تكريس لإعادة إرواء المنابع بمياه إسلاموية...

  • وإذا أضفنا التردّي الاقتصادي الذي يعيشه المجتمع، والانطباعية في الحكم التي وصفت " بالمراهقة السياسية"، وخاصّة صورة تونس ونحن نعيش العشر الأوائل من رمضان.. صورة المتسوّلة، تذكّرك بقصيدة " المرأة المرضعة".. تونس الأبية رغم صغر رقعتها صارت في الصور تلك القابعة الذليلة التي لفظها حاكمها ويئس منها وانتظر من يعولها بدله.. تونسنا صارت في سكينة الذلّ تمدّ يدها لجمعيات إخوانية وسلفية تتعامل مع جمعيات ولدت من رحم النهضة..فإذا بتونس مقحمة في صندوق كرذونة مثلما أقحم ملائكتها الرضّع.. وإذا بالتونسي يقتات الدم والموات سواء بالذلّ أو بحفر الأرض بيديه فإذا به يتغذّى من دمه بدل الثمار التي زرع..
  • هذه صورة تونس اليوم.. ولعلّ هذه الصورة هي التي رجّت من كان مستكينا رجّا، هي التي دفعت بأبناء تونس الذين تعوّدوا على أن يروها شامخة وجميلة ومتألقة إلى التسجيل في الانتخابات، وإذا بنسبة المشاركة ترتفع وإذا بهذا الشباب يستفيق وينزع عنه التخاذل والتباكي ليأخذ بيديه زمام أموره ولينظّف تونس ممّا شانها من وسخ وهوان، وينجّيها من الفاقة الكبرى..

هذا ما لم يكن في الحسبان.. ولا يمكن أن يدرج في قائمة الاحتمالات.. وذكّرني موقف النهضة بالمثل التونسي" إلاّ الزلقة موش مقيدة.." وكلّ ما أرجوه أن لا تنزع النهضة قناع السلم والتوافق و...و... وتخرج لكم بوجهها الحقيقي: فتسعى إلى تأجيل الانتخابات سعيا إلى البحث عن آليات أخرى لمواجهة تسونامي المجتمع.. وفي هذه الحال أعجز عن تقديم احتمالات لما يمكن أن نعيشه..

غاب عن الغنّوشي أنّه وإن امتلك السبسي أو الشاهد فإنّه واهم إن اعتقد لحظة أنّه امتلك مؤسسات الدولة أو وفّق في ترويض المجتمع، لأنّه مجتمع غذّته حرّة تجوع ولا تأكل بثدييها..

وربي يحمي تونس

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0