تجديد ثقة صُوريّ - من صوت بنعم لسحب الثقة من الغنوشي ؟
133 نائبا حاضر، 84 نائبا متغيّب، 97 صوتوا مع سحب الثقة، 16 صوتوا بـ لا، 2 ورقة بيضاء و18 ورقة ملغاة، كانت هذه نتائج جلسة سحب الثقة من راشد الغنوشي رئيس البرلمان التي سقطت خلالها لائحة اللوم ولم تنجح في تجميع نصاب 109 صوتا لمرورها في جلسة بلا نقاش وبتصويت سري.
لن تنشر قائمة النواب الذين صوتوا بنعم أو لا، لكن مسحا سريعا يمكننا من معرفة الأطراف التي صوتت بنعم عبر اقصاء الغائبين والمقاطعين. الداعمون للغنوشي لسيوا سوى كتلة حركة النهضة التي تضم 54 نائبا منهم من لم يصوت ومنهم من تغيب، و كتلة ائتلاف الكرامة التي تضم 19 نائبا قاطعوا التصويت لكنهم حضروا الجلسة للتصفيق وافتعال المناكفات والصبيانيات. أما الموقعون انفا على لائحة سحب الثقة والذين صوتوا مع سحب الثقة هُم : الكتلة الديمقراطية التي تضم 39 نائبا، كتلة تحيا تونس بـ 11نائبا، كتلة الإصلاح الوطني بـ 16 نائبا ، كتلة الدستوري الحر بـ 16 نائبا، الكتلة الوطنية بـ11 نائبا، المستقيلون من تحيا تونس 3 نواب، منجي الرحوي مستقل، ليليا بالليل مستقيلة من قلب تونس، فيصل التبيني مستقل، وياسين العياري مستقل. مجموع هؤلاء النواب هو 97، عدد المصوتين بنعم.
لذلك، عمليا، فان كتلة قلب تونس (27 نائبا) لم تكن ضمن المصوتين لسحب الثقة، ويمكن أن يكون بعضهم - اضافة الى كتلة المستقبل - قد صوتوا بـ لا، أو تعمدوا تقديم أوراق مُلغاة أو بيضاء.
يُفهم من زغاريد نائبات حركة النهضة وقفز نواب الائتلاف الاسلامي الكرامة-كالفراشات- انشراحا لاسقاط لائحة سحب الثقة، أنّهم يظنون أن التصويت كان تجديدا لشرعية راشد الغنوشي وتأكيدا لثقة النواب فيه، الا أنّ النتائج تقول أمرا اخر; محصلةُ راشد الغنوشي من خمسين سنة وأكثر من ممارسة السياسة وعشر سنوات من السلطة كانت 16 عشر نائبا صوتوا بـ لا ضد سحب الثقة منه حتى لا يرغم ذليلا على مغادرة دُفة المؤسسة التشريعية- من الباب الصغير.
"الحمد لله" هذا ما نشره الشيخ على صفحته دقائق بعد اعلان نتيجة التصويت، ليغادر الجلسة مباشرة الى نقطة صحفية أكد خلالها التصويت اليوم هو انتصار آخر للديمقراطية في تونس.
متابعا أن تونس تحتاج لمزيد ترسيخ الديمقراطية و ثقافة الحوار.
" أقف على نفس المسافة من الجميع وأعد الرأي العام بتحسين أدائي في إدارة البرلمان والتقرب أكثر من المواطن والكتل. المجلس يعمل مثل 'خلايا النحل وهو متميّز مقارنة بالبرلمان السابق. اليوم جُدّدت فيا الثقة كرئيس للبرلمان لشخصي وقد قررت بكلّ طوعية قبول هذا الإختبار في تجديد الثقة مقابل قرار سحب الثقة لأنّي واثق من أنّ هذا المجتمع مجتمع ديمقراطي ولأنّ الكلمة النهائية للزملاء النواب في من يرأسهم. لم ات على ظهر دبابة بل بعد العديد من الإختبارات. لست خائفا على نفسي حتى ولو تمّ سحب الثقة مني. أشكر كل من شارك في ملحمة الديمقراطية التونسيّة."
فكيف يكون ذلك ردّ اعتبار ومدعاة للاحتفال بينما الأسلم أن يكون وقفة لمراجعة المردودية المخجلة للشيخ الذي ضمن مكانه لا عن جدارة وتصويت مُحترم لصالحه بل عبر التحايل والتحيّل ؟ أي مشروعية لرئيس مجلس لا يرغب في وجوده سوى 16 نائبا؟ قراءة أولى في تفاصيل التصويت تُبدي مدى هشاشة الانتصار الوهمي للغنوشي- ومن وراءه النهضة. 84 نائبا مُتغيبا، هم في المشهد الانتخابي امتداد للممتنعين عن التصويت، الأغلبية الصامتة التي لو حضرت لقلبت الموازيين. أصّر مكتب المجلس على تحديد تاريخ يوم عطلة يسبق عيدا دينيا للتصويت، ضامنا بذلك استغلال ثغرة الغيابات لصالحه. 18 ورقة ملغاة، رقم غريب، يحيل اما الى أنّ التصويت كان بـ نعم ثُم غُيّر الى لا (أو العكس) أو ان الورقة مشطوبة أو تحمل عبارات لا علاقة لها بالتصويت. رئاسة صورية لزعيم النهضة التي تحاول في هذه المرحلة التواجد فقط من أجل التواجد- ضمانا لبقاءها في المشهد السياسي وعدم ازاحتها لمعارضة، وليس تواجدا فعليا يحمل مشروعا و رؤية. النائب عن التيار هشام العجبوني اعتبر الاصوات الملغاة لنواب "باعوا الطرح" بينما أوضح زميله بالكتلة زياد الغناي أن أصحاب الاوراق اللاغية غيروا تصويتهم.
نصفُ الانتصار لراشد الغنوشي يقابله انتصار للديمقراطية وللممارسات الدستورية، لكن من الجهة الاخرى تقابله حسابات سياسية أهمها انتصار رمزي لـ عبير موسي التي نجحت في تقسيم المجلس الى موالي للنهضة ومحسوبين على الدستوري الحر حتى ان لم يريدوا ذلك لنعود لمربع الاستقطاب الثنائي العقيم. تراجع مصداقية كتلة قلب تونس التي وان لم تعلن عن موقفها الرسمي لكن تصويتها بـ نعم كان سيكون جليا في نتائج التصويت كونها الكتلة الثالثة عدديا في البرلمان، الكتلة التي تعود لحزب أقسم قائدخ نبيل القروي خلال البث المباشر أنه لن يتحالف مع النهضة وسيعمل على ازاحتها. كان لقلب تونس فرصة تاريخية في رئاسة البرلمان في صورة تنحية الغنوشي لأن نائبته سميرة الشواشي ستكون مكانه ليكون حزب نبيل القروي في رئاسة باردو بأول سيدة في تاريخ البرلمان. السياق السياسي ومشاورة تكوين الحكومة القادمة هي حسابات حالت دون ذلك، وبذلك يصبح الحزب الاسلامي مدينا لقلب تونس مرة ثانية، كما كان مدينا له في مشاورات حكومة الفخفاخ المُغادرة. الفرق الوحيد، أن النهضة ليست الحزب الأول المؤثر خلال المشاورات- بل هي طرف سياسي عاديّ أمام رئيس حكومة مكلف يبدو أنه يقف على نفس المسافة من جميع الأحزاب.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires