استقالات النواب من الحركات التي أوصلتهم للمجلس.. الحاضنة البرلمانية أهم من الحاضنة الحزبية
يبدو أن الوصول-السريع الى مجلس نواب الشعب كان رهين تحالفات وقتية وخطابات انتخابية مُضللة، كغاية تبرر الوسلية. هشاشة الكتل النيابية الصورية، بدأت في الانكشاف من الأسابيع الأولى في عمر العهدة البرلمانية التي يترأسها زعيم الحزب الاسلامي النهضة، راشد الغنوشي.
أعادت استقالة النائب عن كتلة الاصلاح الوطني حسونة الناصفي من حزبه مشروع تونس موضوع الكتل النيابة الهشة الى الواجهة، بعد أن كشف الناصفي عن صراع داخلي داخل الكتلة سببه المواقف المتضادة من التصويت لحكومة الفخفاخ. صراع ينقسم الى مرديّن، الاختلاف بين مكونات الكتلة من أحزاب تعود الى هياكلها السياسية لتقرر (النداء، البديل، افاق..)، والاختلاف داخل حركة مشروع تونس.
رفع هذا التضارب داخل مكونات الحاضنة الواحدة، جدلا حول جدوى الاجتماع الشكلي في كتلة نيابية، اذا كانت المواقف ستترجم عكس ذلك. من جهة، أعلنت حركة افاق تونس عدم تصويتها لحكومة الياس الفخفاخ ومن جهة أخرى شارك كل من البديل ونداء تونس بحقائب وزارية في الحكومة ذاتها، يوم 26 فيفري جزء من نواب الاصلاح الوطني لن يصوتوا للحكومة التي شارك فيها زملائهم في الكتلة.
بينما واصل حسونة الناصفي اللقاءات مع الياس الفخفاخ الباحث عن ضمانات داخل المجلس لمرور حكومته، أعلن محسن مرزوق رئيس حركة مشروع تونس أن الحركة لن تصوت للفخفاخ منتقدا هذا الأخير في كل فرصة اعلامية تسنح له. تضاد في المواقف انتقل من الكتلة الواحدة الى الحزب الواحد وكان اخر سلسة الأحداث الاستقالة النهائية لحسونة الناصفي من المشروع وحديث في الكواليس عن توجهه لتأسيس حزب جديد. الناصفي ومرزوق كانا من أشرس المنتقدين لتفتت العائلة الديمقراطية الوسطية، ومن أبرز الداعين الى اعادة تجميع هذا الطيف السياسي لضرورة المرحلة الحالية، ورغم ذلك فلم ينجحا في ضمان وحدة هذه الكتلة التي من الأغلب أنها ستشهد استقالات في الايام القادمة.
كتلة المسقبل لم تكن بمنأى عن موجة الاستقالات، حيث أعلن أمين عام الاتحاد الوطني الجمهوري لطفي المرايحي عن انسحاب نوابه من كتلة المستقبل لأنها تحولت من كتلة تقنية الى كتلة سياسية في تعليق منه على دخول رئيس الكتلة عدنان بن ابراهيم في مشاورات مع الياس الفخفاخ قد تنتهي بدعمه في جلسةالثقة بينما يرفض حزب المرايحي دعم الفخفاخ وحكومته. المرايحي كان أكد أن الكتلة كانت شكلية لضمان الامتيازات التي تأىتي معها مثل النفاذ الى اللجان البرلمانية وتمديد وقت المداخلات في الجلسات العامة، وبتصريحه هذا أثبت المرايحي ان المستقبل كانت وليدة مصالح ضيقة بين مكوناتها ولم تنبني على هدف يوحدهم أو رؤية سياسية "مستقبلية" مثلما يحيل اسمها.
تفتت كتلة ائتلاف الكرامة ليس خبرا حديثا لكنه خبر مستجد بعد تكوين النائبين المستقيلين من الكرامة راشد الخياري وفاكر الشويخي فصيل سياسي بعنوان "سيادة" لتصيحي مسار الثورة وهو الشعار ذاته الذي تلى تاسيس ائتلاف الكرامة. بعد استقالات متتالية من الائتلاف الاسلامي وتهديدات متبادلة يكون السؤال حول مدى ثبات هذه الكتلة وتماسكها مستقبلا بديهيا خاصة انها انطلقت في "كاستينغ" سريع لضم مزيد من النواب اليها، على اساس وحيد وهو زيادة عدد نواب الكتلة وهو سبب لا يضمن دوامها أو فاعليتها أو انسجام مواقف مكوناتها.
الاستقالة الاخيرة من ائتلاف أمل وعمل للنائبة ايمان بالطيب والتدوينات المتبادلة بينها وبين ياسين العياري مؤسس الحركة، تثبت أن حتى اقل المكونات عددا يواجه الاشكال ذاته، أمل وعمل لا يملك سوى نائبين لكن ذلك لم يمنع من تسرب عدوى الخلافات اليه. في نص استقالتها شددت بالطيب ان مرد الانسحاب هو تفرد زميلها ياسين العياري بالرأي وطرد كل عضو بالحركة يملك رؤية مختلفة عنه وغياب الشفافية عن الانتخابات الداخلية في الحركة.
ولا ننسى أن موسم الاستقالات كان قد افتتحه الأمين العام المتخلي لحركة النهضة زياد العذاري الذي استقال من كتلة حركة النهضة التي ترشح باسمها وأوصلته الى مجلس النواب، حتى أكثر الكتل عدديا طالتها الاستقالة رغم الانضباط الحزبي الداخلي الذي يتبناه الحزب الاسلامي. تبدو أكثر الكتل تماسكا في المجلس، الكتلة الديمقراطية التي رغم أنها تضم حزبين ومستقلين عكس الكتل الحزبية (تحيا تونس، قلب تونس، الدستوري الحر) مواقف الكتلة الديمقراطية خلال امتحاني الجملي والفخفاخ كانت منسجمة رغم أن حركة الشعب حزب ذو مرجعية يسارية قومية وهيكل حزبي مستقل والتيار حزب ذو مرجعية وسطية ديمقراطية وله مجلسه الوطني الذي يحدد خطوطه السياسية. ورغم أن الشعب والتيار خاضا الانتخابات في قائمات مُختلفة الا أن اجتماعهما طوعيا داخل البرلمان كان حول هدف مشترك و رؤية سياسية موحدة جعلت من الكتلة الديمقراطية الكتلة الثانية عدديا في المجلس ومنحت مكوناتها شرعية التفاوض والمطالبة بحقائب وزارية تعكس حجمهم تحت قبة باردو.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires