ازمة صحية تكشف عن ازمة غذائية
تهافت التونسيون منذ انتشار فيروس كورونا على استهلاك و شراء المواد الغذائية بطريقة غير مسبوقة و يفسر هذا التصرف بأسباب اقتصادية و أيضا نفسية و سيكولوجية فوراء هذا الافراط في الاستهلاك عوامل نفسية تعبر عن حالة خوف و قلق من المستقبل تدخل المستهلك في دوامة المبالغة في الاستهلاك فيسعى من خلال الهلع و التفريط الى التخفيف من وطأة الاثار النفسية للفيروس ولاستعادة الثقة في مستقبل غامض و قد يؤدي هذا الفرط في الاستهلاك الى التحول من حالات شراء عادية الى الإصابة بهوس الشراء ما يسمى باللغة الإنجليزية Oniomania وهو احد مظاهر الاندفاع في السلوك ، فيصبح الشراء و التبضع احد أساليب الهروب من الواقع خوفا من المجهول.
من عدوى كورونا الى عدوى الاستهلاك
في حالة الازمة الصحية الراهنة أصبح التبضع المبالغ فيه وسيلة للهروب من شبح الفيروس ولعل ابرز مثال على مبالغة التونسيين في التبضع هو اكتظاظ الأسواق منذ شهر مارس أي منذ الإعلان عن اول حالة إصابة بفيروس كورونا رغم تحذيرات وزارة الصحة، فالأسواق الكبرى على غرار سوق سيدي عبد السلام و سوق منصف باي لم تأخذ قسطا من الراحة حتى في فترة الحجر الصحي و رغم ارتفاع عدد الإصابات.
و بالإضافة الى عدوى فيروس كورونا ظهر نوع اخر من العدوى في المجتمع التونسي و هو "عدوى الاستهلاك" فيكفي ان يتم الحديث عن منتج معين حتى يتهافت عليه الالاف لشرائه خاصة بالنسبة للمنتوجات التي زعم البعض انها تشفي من الفيروس، فتضاعف سعر الثوم مثلا خلال الأسابيع الأولى من الإعلان عن فيروس كورونا بعد انتشار خبر على وسائل التواصل الاجتماعي يفيد بان "الثوم يعالج فيروس كورونا" في حين ان الثوم كمضاد طبيعي حيوي و رغم تعدد فوائده لا يشفي من الفيروس و لا يقلل من خطر الإصابة به وهو ما أكدته دراسات علمية دولية. أيضا تهاطل التونسيون على شراء مادة السميد (دقيق القمح الصلب) ما أدى الى فقدان هذه المادة في بعض المناطق و تحدث البعض عن ازمة غذائية فاقت الازمة الصحية. و تجدر الإشارة في هذا الخصوص الى ان اقتناء المواد الغذائية قد لا يكون بغرض الاستهلاك حيث يميل التونسي في بعض الأحيان الى التخزين خوفا من إمكانية عدم توفر هذه المواد في المستقبل و تعد هذه العادة تقليدا تاريخيا ورثه التونسيون عن اجدادهم الذين عاشوا فترة الحرب و دفعت بهم الظروف الاجتماعية حينها الى تخزين المواد الغذائية.
فرصة لا تعوض
يعد اقتناء أكبر كمية ممكنة من المواد الغذائية خلال ازمة كورونا فرصة لا تعوض بالنسبة للتونسيين ما أدى الى ارتفاع أسعار عدة منتجات غذائية منذ شهر مارس 2020 وهو ما تؤكده ارقام المعهد الوطني للإحصاء الذي اشار الى ارتفع مؤشر استهلاك التونسي للمواد الغذائية وهو ما أدى بالتالي الى ارتفاع مؤشرات الأسعار عند الاستهلاك ففي شهر افريل مثلا ارتفع مؤشر الاستهلاك العائلي بنسبة 0.9 % و يعود ذلك حسب معهد الإحصاء الى :" الى ارتفاع أسعار الملابس و الاحذية بنسبة 2,6 %وأسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة %0,9 " ارتفعت أسعار البقول الجافة بنسبة 5.0 %وأسعار الاسماك الطازجة بنسبة 3.5 %وأسعار الغلال بنسبة 2.4 %وأسعار اللحوم الحمراء بنسبة 1.7% خلال فترة الحجر الصحي.
و تواصل ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي خلال شهر سبتمبر2020 بنسبة 0,6% مقارنة بشهر اوت 2020 و بنسبة و5.4 %مقارنة بشهر سبتمبر 2019 ولعل احد أسباب ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي خلال شهر سبتمبر الماضي هو ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 1,4% وأسعار مواد وخدمات التعليم بنسبة 3,8%.
فبالنسبة للمواد الغذائية مثلا شهدت أسعار بعض المواد ارتفاعا ملحوظا و هو ما تظهره مؤشرات و ارقام المعهد الوطني للإحصاء:" ارتفاع أسعار البيض بنسبة 9.3% وأسعار الدواجن بنسبة 5.4 %وأسعار الخضر الطازجة بنسبة 4.0 % وأسعار الاسماك الطازجة بنسبة 5.3 % وفي المقابل شهدت أسعار لحم الضأن وأسعار التوابل تراجعا على التوالي بنسبة 4,0 %و5,0 %" .
اما فيما يتعلق بنسبة التضخم عند الاستهلاك أشار المعهد الوطني للإحصاء الى:" استقرار في حدود 5,4% بعد سلسلة من التراجع خلال الثلاثة الأشهر الفارطة" و يعود هذا الاستقرار حسب المعهد :" الى تطور نسق ارتفاع أسعار المواد الغذائية (5,3% مقابل 3,9%) ومن ناحية أخرى الى تراجع وتيرة ارتفاع أسعار مجموعة المشروبات الكحولية والتبغ (10,6% مقابل 17,5%)".
من الاستهلاك الى التهريب والاحتكار
ارتفاع أسعار الاستهلاك والتهافت على شراء المواد الغذائية عمق ظاهرة التهريب والاحتكار في تونس و لم تقلل إجراءات الحجر الصحي و لا فرض حظر التجول من تفشي هذه الظواهر كذلك لم يقتصر التهريب و الاحتكار على بعض الولايات فقط ، ففي شهر مارس 2020 مثلا كشفت الوحدات الأمنية عن أكثر من 100 مخرن ومستودع عشوائي مخصص لتخزين المواد الغذائية والبضائع المهربة نحو ليبيا وفي شهر افريل 2020 قامت دورية تابعة لفرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني في بن قردان بمداهمة مستودعات عشوائية في المنطقة و حجزت أكثر من 76 طنا من المواد الغذائية المدعمة كانت معدة للتهريب.
وفي شهر ماي 2020 تم الكشف عن شبكة تهريب لمادة السميد في الكاف كانت تعتزم تهريب المادة من تونس باتجاه الجزائر كذلك تم خلال نفس الشهر تسجيل 317 مخالفة اقتصاديّة في تونس الكبرى وحجز عدّة منتوجات منها 5.4 طن من الخضر والغلال و 7440 بيضة و3.95 طنا عسل و 6.4 طن من الفارينة و7.8طن سميد و1316علبة تبغ و434 لتر من الحليب و 36 لتر من الزيت النباتي المدعم.
و خلال شهر سبتمبر 2020 تم تحرير 305 مخالفات اقتصادية في ولاية بنزرت تعلقت اغلبها باحتكار مواد غذائية 73 مخالفة بالإضافة الى مخالفات خاصة بتسعيرة الخضر والغلال ب43 مخالفة و أخرى في قطاع الدواجن واللحوم الحمراء ب30 مخالفة أيضا تم تسجيل 121 مخالفة في ولاية سليانة خلال الفترة الممتدة من يوم 25 اوت الى غاية 14 سبتمبر 2020 و في تصريح صحفي اكد المدير الجهوي للتجارة بسليانة محمد جابر حريز ارتفاع عدد المحجوزات خلال شهر سبتمبر 2020 حيث تم حجز:" 35 كغ من الدواجن و15 كغ من اللحوم الحمراء و20 كغ فلفل أحمر مرحي و856 علبة يا غورت و10 كغ فستق و10 كغ حلوى و15 كغ شربة شعير " .
يتواصل نسق استهلاك للمواد الغذائية و غيرها من المواد في الارتفاع خلال ازمة كورونا فبالرغم من الازمة الاقتصادية التي تعيشها تونس بتسجيلها انكماش اقتصادي بنسبة 21.6 في المائة خلال الربع الثاني من سنة 2020 و نموا اقتصاديا دون 3 بالمائة لم يتوقف التونسي عن شراء المواد الغذائية بل ارتفع نسق الاستهلاك بالرغم من ارتفاع أسعار بعض المواد. و يمكننا القول انه امر طبيعي ففيروس كورونا لا يؤثر فقط على الجهاز التنفسي بل يؤثر ايضا و بشكل كبير على الصحة النفسية وهو ما يفسر حالات الاكتئاب و القلق التي يمر بها الانسان خلال الازمات الصحية حيث يعد الاستهلاك بالنسبة للبعض فرصة للهروب من الواقع.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires