تجّار الدين دُفعة 2020..في حالة حرب ضدّ وسائل الإعلام
أدّت انتخابات 2019 التشريعيّة إلى منح الفرصة إلى الكثير من الأشخاص الذين لا يعترفون بالحقوق والحريات والمساواة والذين يستعملون الدّين لتوظيفه لمصالحهم أن يتمتّعوا بمقعد في مجلس نواب الشعب، شخصيات إشتهرت بتشددها وتطرفها ومعاداتها للحريات ولا رصيد سياسي لها سوى الأعمال التي يعتبرونها نضاليّة في الإقصاء والتكفير واستعمال خطابات داعية إلى القطيعة.
ثلاث شخصيات معروفة أشهر من نار على علم، بخطاباتهم المتطرّفة وتحريضهم للعنف وتعصّبهم الدّيني وتنديدهم بالمرأة ودورها في الحياة السياسيّة ووضعوا أنفسهم كمدافعين عن الدّين وما يجوز وما لا يجوز. هؤلاء الثلاث هم كلّ من النائب راشد الخياري المستقيل من ائتلاف الكرامة ومدير موقع الصدى، والنائب سعيد الجزيري رئيس حزب الرحمة وصاحب إذاعة القرآن الكريم، والنائب رضا الجوادي المستقيل من ائتلاف الكرامة.
راشد الخياري
يُقدّم نفسه على أساس أنّه صحفي وهو لا يعلم أيّ شيء من مبادئ وأخلاقيات المهنة حتى أنّه لا يملك بطاقة صحفي وفقا لنقابة الصحفيّين التونسيّين. إستغلاله لموقعه الإسلامي ''الصدى'' وتعمّده بنشر أخبار تترجم فكره ضدّ الحريّات وكلّ ما يتصوّره عقله أنّه يتخالف مع الدين وتوسيع نطاق النشر على حسابه الخاصّ بالفايسبوك منحه شعبيّة خوّلت له بالحصول على مقعد في البرلمان وزادته قوّة للمواصلة في نشر فكره المتطرّف والمُنحاز إلى أفكار يؤمن بها هو والبعض من الذين يشتركون معه في ذلك.
يدّعي الخياري أنّه صحفي ويحترم المهنة وأخلاقياتها، في حين أنّ موقعه ''الصدى'' بالمرصاد لكلّ البرامج التلفزيّة التي لا تتشابه مع تفكيره وتوجّهه حتى أنّه لا يتأخر في التشهير بالقنوات واتهامها بالتشجيع على الفساد والإنحراف الأخلاقي، هذا من جهة. موقع الصدى نشر مقالا بتاريخ 30 جانفي 2020 تحت عنوان ''البرامج التلفزية في تونس..التطبيع مع الفساد والإنحراف الأخلاقي''، اتهم فيه بعض البرامج التلفزيّة التي تُعنى بالمشاكل الإجتماعيّة وفضّ مشاكل النّاس بالتحريض على الفساد واعتبر كاتب المقال أنّ هذه البرامج فيها تعدّ على الأخلاق والدّين وجاء في افتتاحيّة المقال ''أصبح الشارع التونسي يعيش على وقع الرداءة والابتذال اللذين تكرسهما البرامج التلفزيونية في مختلف القنوات الخاصة مثل برنامج “صفي قلبك” أو برنامج “عندي ما نقلك” أو “حكايات تونسية” وغيرها''. تعمّد كاتب المقال شتم أصحاب القنوات التلفزيّة التي تمرّر تلك البرامج على غرار القناة الأولى في نسب المشاهدة ''الحوار التونسي''، ووصف مقدّمي البرامج ومديري القنوات بـ ''أدعياء الرذيلة'' واعتبر أنّهم يدّخرون جهودا كبيرة للسيطرة على وسائل الإعلام حرصاً منهم على تذويب الهوية وطمسها، كما أنّهم يريدون هدم العادات الأصيلة وزعزعة القيم الفاضلة، وهي محاولة للتطبيع مع الفساد والإفساد والانحلال الأخلاقي وفق ما جاء في المقال التحريضي على وسائل الإعلام.
من جهة أخرى، بعد أن تعمّد جيشه الإلكتروني شتم وسائل الإعلام واتّهامهم بالتطبيع مع الفساد ونشر مقالات تدافع على الدّين وكأنّهم أوصياء عليه، ككلّ مرّة أظهر الخياري مدى تعصّبه وتطرّفه وعدم اعترافه بالمساواة في الحقوق والحرّيات بتعليقه السافر على جنازة الراحلة المناضلة الأيقونة لينا بن مهنّي. النائب المتشدّد الديني في تفكيره الإستئصالي، تمنى في تدوينة نشرها على حسابه بالفايسبوك الموت للنساء التونسيات بعد أن خرجن في جنازة الفقيدة لينا وقُمن بحمل نعشها على أكتافهن. هذه السابقة الأولى والكاسرة لكلّ العادات والتقاليد لم تعجب الخياري واستفزّته هو ومجموعة من أمثاله المتطرّفين دينيا واعتبر أنّ حمل النساء للنّعش هي سابقة لم تقم بها أيّ ديانة أخرى في العالم وكتب '' لم يفعلها اليهود ولا المسيحيون ولا حتى قريش فعلوها هؤلاء الشرذمة المرضى يمنعن الرجال من حمل النعش و هن يرددن "مساواة مساواة" الله يقطع ريحتكم حتى الموت يتاجروا بيه و يخدموا بيه''. من ناحية أخرى، دعا راشد الخياري إلى تفعيل عقوبة الإعدام بشكل عاجل وذلك في تدوينة نشرها على حسابه أيضا، مندّدا بتنامي ظاهرة البراكاج واعتبر أنّ عقوبة الإعدام هي الحلّ للحدّ من الجرائم والسرقات. كما تعمّد الخياري إعاقة عمل مخرجة جلسات البرلمان التابعة للقناة الوطنيّة، بسمة خنيفر، يوم 8 ديسمبر 2019، أثناء تصويرها لمداخلة رئيسة الحزب الدستوري الحرّ،عبير موسي وقام حين تمّ فتح الميكروفون لموسي بوضع يده على عدسة الكاميرا ومنع التصوير ثم رفع شعار رابعة أمام عدسة الكاميرا. ووصف في تدوينة نشرها زميلته بالبرلمان عبير موسي بـ ''الكلوشارة'' وقال أنّ حزبها هو ''حزب نازي فاشي''.
رضا الجوادي
عُرف الجوادي بخطاباته المطرّفة وهو إمام سابق بمسجد سيدي اللخمي بصفاقس فاز بمقعد بمجلس نواب الشعب بعد ترشحه عن ائتلاف الكرامة عن دائرة صفاقس 1، والذي استقال منه يوم الأحد 26 جانفي 2020. لم يكفّ هذا الأخير من الشتم والتحريض والدعوة إلى الفتنة ضدّ الدّولة ورموزها. الجوادي جعل من منبره في المساجد فضاء لنشر فكره المتطرّف، فهو لم يتوانى في المتاجرة بالدّين وتعمّد القيام بنشاط نقابي بالجامع تحت غطاء ديني. هذا الفكر المتطرّف، دفع بـ 82 نائبا بمجلس الشعب سنة 2015، بتقديم عريضة لرئاسة الحكومة من أجل عزل رضا الجوادي عن إمامة جامع سيدي اللخمي بولاية صفاقس. واعتبر النواب أن الجوادي أصبح يمثل "خطرا على الأمن العام للبلاد من خلال خطابه التحريضي المتطرف الذي يتبناه ضد الدولة ورموزها"، كما أنّه خرق القوانين المنظمة للمساجد والجوامع. وفي 15 سبتمبر 2015، قام وزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ بعزله بسبب تلك الأسباب وفضلا عن خطاب كراهية ضدّ الوزارة.
وظّف الجوادي أيضا، حسابه على الفايسبوك وصفحته الرسميّة لهتك وشتم العديد من السياسيين والمسؤولين في الدّولة وعُرف بتدويناته التحريضيّة ضدّهم. سنة 2018، وصف الجبهة الشعبيّة بالمنظّمة الإرهابيّة في أحد تدويناته. كما اتّهم حكومة مهدي جمعة سنة 2014، بإعلان الحرب على الإسلام بدعوى محاربة الإرهاب، مندّدا بغلق بعض المساجد. كما أعلن الجواجي أنّه سيخوض معركة ضدّ اتحاد الشغل أثناء حضوره في قناة التاسعة يوم 6 ديسمبر 2019، مشيرا إلى أنّ الإتّحاد يتضمّن في قواعده فاسدين وإنتهازيّين. على غرار تجارته بالدين وتوظيفه في المساجد وتحريضه للعنف عبر حسابه بالفايسبوك، استعمل الجوادي قناة ''الإنسان'' ذات التوجّه الدّيني كأداة تساعده للدعاية لحملته الإنتخابيّة في التشريعيّة وذلك بظهوره المتواصل في القناة. الهايكا وجّهت لفت نظر للقناة يوم 20 أوت في الغرض، واعتبرت ظهوره المتواتر في برنامج حوار العقل بصفته ضيفا قارا به خرقا للعمليّة الإنتخابيّة والحال أنه مترشح للانتخابات التشريعية لسنة 2019، وذلك له الدور في المسّ من مبدأ تكافئ الفرص بين كافة المترشحين وضرب نزاهة الانتخابات وشفافيتها.
الجوادي لا يعترف بالهايكا ولا بقرارتها ولا يكفّ عن شتم ممثليها بأشد العبارات الدنيئة، وندّد في تدوينة نشرها على حسابه بالفايسبوك بقرار الهيئة بتسليط خطية مالية بـ 50 ألف دينار على قناة ''الإنسان'' بسبب برنامجه "خليك معانا" الذي تبثه القناة كل ليلة أحد. وتعمّد الجوادي وضيف البرنامج محمد العفاس نقد الهايكا وأعمالها. الجوادي في تدوينته وصف ذلك القرار بالفضيحة وأشار إلى أنّ الهايكا منتهية الصلوحية ''العصابة'' وتهجّم على عضو الهيئة هشام السنوسي، واعتبره متحكّما في قراراتها، ووصفه بالمطرّف الإستئصالي. واعتبر أعمالها حاقدة ضد كل ما له علاقة بالإسلام والقرآن الكريم. ''فِعْلاً اليسار الفاشل في الانتخابات يريد النّجاح بقمع الحرّيات''. في هذا الإطار، ندّدت العديد من المنظّمات والجمعيات والهيئات الوطنية والنقابات يوم 27 جانفي 2020، على غرار النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين - الاتحاد العام التونسي للشغل - الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بما قام به الجوادي من تحريض في حق هشام السنوسي وأعضاء مجلس الهايكا، واعتبروا تدوينته خطابا تحريضيا فجا وسافرا وخطيرا وظّف فيه الدين كأحد المكونات الجمعيّة لجعل هشام السنوسي وزملاءه خارج الملة وهو ما يمكن أن يهدد حياتهم وسلامتهم الجسدية ويجعلهم عرضة لأعمال انتقامية.
رضا الجوادي الذّي يتاجر بالدين ليحقق مصالحه ومانفكّ دائما وأبدا في إهانة العديد من الشخصيات الوطنيّة وهو يقف كالشّوكة في حلق كلّ من يخالفه التفكير، له علاقة ببعض الصحفيين ووسائل إعلام صحفيّة ما فتئت تلمّع صورته وتدافع عنه في منابرها الإعلاميّة. ليس هناك أي أثر في البنك المركزي لمصادر تمويل قناة الإنسان على الرغم من عدم تمتّعها بالإشهار وهي تقوم كلّ شهر بخلاص معلوم البثّ بالدولار أو بالأورو، أيضا على غرار قناة الزيتونة. هل هناك لوبيات فساد وراء مصادر تمويل هذه القنوات؟.
سعيد الجزيري
أما رئيس حزب الرحمة المتشدد، سعيد الجزيري، فيمتهن اطلاق النار على كل الجبهات، حتى على من يشبهون ثقافته "الاسلامية" من نواب ائتلاف الكرامة ونواب حزبه السابقين.
لم يتردد الجزيري في تخصيص ساعات من البث الحي على اذاعة غير قانونية للتيل من الهيئة العليا المستقلة للانتخات وتشويه أعضائها وبث خطا الكراهية والتحريض ضدهم مصورا رفضهم لمواصلة البث الخارج عن القانون كمهاجمة للمنبر "الاسلامي" الوحيد الذي يجمع من خلاله الجزيري بين موظف لدى الدولة برتبة نائب شعب وداعية ديني يقيم المواعظ وينصح السائلين ويفتي بلا حسيب ولا رقيب.
الجزيري، الرافض للمساواة والذي شن حملة تشويه ضد النائبة السابقة بشرى بالحاج حميدة، وصاحب نظرية "تحريم زيارة المرأة لطبيب نساء لأن توليدها يشعرها باللذة" يوجه حربه مباشرة لهشام السنوسي معتبرا أن المسألة معه شخصية. في الواقع، الأمر لا علاقة له بدفاع الجزيري المستميت عن اذاعة القران الكريم بل لأن السنوسي قارب على جعل الجزيري يخسر كرسيه في البرلمان بسبب الاشهار السياسي في كل من قناة الانسان الاسلامية واذعة القران.
بالاضافة الى السنوسي، يعتبر الجزيري الصحفي سمير الوافي عدوا له، عدو لم يدخر جهدا في شتمه وثلبه في نفس المنبر، اذاعة القران، التي يستخدمها الرجل كمساحة لتصفية الحسابات الشخصية والتعبئة ضد الاعلاميين والصحفيين والتقدميين.
لا شك أن تجارة الدين المربحة، قد أوصلت العشرات الى مجلس النواب ومنحتهم الامتيازات والحصانة وجعلتهم من صفوة القوم، بداية من النهضة سنة 2011 وصولا الى الكرامة والرحمة سنة 2019. وهم الالتزام الديني وتطبيق تعاليم الاسلام وأخلاقه، يسقط كلما تعلق الأمر بمهاجمة الصحفيين ويتحول هؤلاء الى نقيض ما يدعون.
يسرى الرياحي
تعليقك
Commentaires