رفض الغنوشي للمساءلة في علاقته السياسية بأردوغان يجعل موسي في موقع قوّة
منذ تتويج رئيس الحركة الإسلامية راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، يوم 13 نوفمبر 2019، لم تهدأ وتيرة المشاكل والخلافات داخل مجلس نواب الشعب الذي انقسم بين كتل معارضة ومستقلين وأحزاب أخرى داعمة للنهضة ولحكومة إلياس الفخفاخ. على امتداد أشهر متتالية، أظهر البرلمان كميّة كبيرة من الحقد والكراهية بين النواب من مختلف الأحزاب وتنامت السياحة الحزبيّة حتى إنّ صراعات النواب موثّقة في الجلسات المباشرة أثارت سخط الرّأي العام وغضبهم لأنّ هؤلاء النواب وليس أغلبهم، بتلك الخلافات التي بينهم لم يرتقوا إلى أن يكونوا النُخبة التي تمثّل التونسيّين ومشاغلهم.
رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي منذ دخولها البرلمان كانت مواقفها واضحة غير قابلة للتّغيّير أو الإستبدال بالفترة أو حسب الظروف، فهي لم تشارك في الحوار لتكوين الحكومة ولم تقتنع يوما بأن يكون راشد الغنوشي رئيسا في البرلمان لأنّه وفقا لمبادئها له أغراض شخصيّة ومصالح سياسية كبرى من ذلك المنصب. موسي تلقّب حزب حركة النهضة بحزب الإخوان وهي على يقين دائما أنّ الغنوشي هو مؤسّس ومكوّن أساسي من حركة الإخوان المسلمين، وكانت دائما وفي مختلف الجلسات تستميت في الدفاع عن موقفها ونقد كلّ تصرّفات الغنوشي وكلّ النواب التابعين لحركة النهضة والداعمين لها حتى يضطرّ المجلس إلى رفع الجلسات أحيانا بل غالبا.
في زمن كورونا لم تهدأ كذلك صراعات النواب، بل زادت حتى أنّها أحيانا أصبحت محور حديث الرّأي العام بدلا من حديثهم عن مخاطر فيروس كورونا. دائما رئيسة الحزب الدستوري الحرّ هي التي تجدها في معمعة الخلافات داخل المجلس والكثير من الوقت تجدها على غرار خلافها ورفضها المطلق للنهضة، تجدها في خلاف مع ائتلاف الكرامة الذي تميّز نوابه بالعديد من الطرائف التي أثارت سخط التونسيّين. في أواخر شهر أفريل، مثّل الخلاف بين عبير موسي وعياض اللّومي النّائب عن حزب قلب تونس أثناء اجتماع لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة حول صفقة الكمامات محور حديث الرّأي العام، خاصّة بعد أن صرّحت موسي أنّ اللومي قال لها مكانك الطبيعي في الماخور، لتنقسم مواقف التونسيّين بين مساندين للّومي وبين مساندين للمرأة التونسيّة عامّة.
في بداية شهر ماي، عادت معركة عبير موسي مع راشد الغنوشي إلى الساحّة، حين أعلنت موسي أنّ رئيس الحركة الإسلامية النهضة راشد الغنوشي له علاقات علاقات مخالفة للقانون مع الجانب التركي والرئيس رجب طيّب أردوغان بصفة حزبية للتدخل في ليبيا. رئيسة الحزب الدستوري الحرّ، اعتبرت أنّ هناك ''اتصالات تحت الطاولة" بين الغنوشي ورئيس تركيا أردوغان لتمكّنهم من "موطأ قدم للمرور إلى ليبيا عبر تونس" كما ستمكنهم وفق قولها من توفير الأموال والتسهيلات اللوجستية وشخصيات من الخارج تحت غطاء هذه الاتفاقيات. ولكشف المستور بين الغنوشي والجانب التركي، تقدّمت كتلة الدستوري الحرّ بمطلب إلى عقد جلسة عامة لمساءلة راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب حول إخفاء تواصله مع جهات أجنبية خارج الأعراف الدبلوماسية والبرلمانية ونشر أخبار مغلوطة على الصفحة الرسمية للمجلس بخصوص هذا التواصل، واعتبر الدستوري الحرّ في مطلبه الذي توجّه به لمكتب البرلمان أنّ تحركات راشد الغنوشي غامضة ومخالفة للقوانين وللأعراف الدبلوماسية والبرلمانية وآخرها اتصاله بخالد المشري المعروف بانتمائه للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بليبيا والذي يشغل حاليا خطة رئيس المجلس الأعلى للدولة وهي هيئة استشارية لا صفة برلمانية لديها، واعتبر الحزب الدستوري الحر أن اخفاء هذه التحركات عن النواب وعدم نشرها بالصفحة الرسمية لمجلس نواب الشعب فضلا عن نشر معلومات مغلوطة في الصفحة حول التحركات الخارجية لرئيس المجلس موجب للمسائلة.
حركة النهضة عبّرت عن إدانتها لما تمّ نسبه لرئيس الحركة واعتبرتها حملات ''مشبوهة'' الهدف منها خلق الفوضى وإرباك المسار الديمقراطي التونسي وإضعاف مؤسسات الدولة، في ظل تحديات صحية واقتصادية استثنائية. واستنكرت النهضة كلّ التصريحات السياسية وبيّنت أنّها ممارسات تغذي الخلافات وتضعف مجهود الدولة في السيطرة على الوباء وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وأكّدت على ضرورة تجسيد معاني الوحدة الوطنية في جميع المستويات.
بعد أن أعلن مكتب البرلمان رفضه لجلسة مساءلة للغنوشي، لم يهدأ لرئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي بال إلاّ بكشف كلّ ما أرادت قوله في المساءلة للغنوشي، ونشرت فيديو يوم الخميس 7 ماي، حذّرت فيه من وجود وضع خطير في تونس الهدف منه التغطية وحماية رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي. وجاءت موسي على ذكر المراسلة التي توجّه بها حزبها إلى مجلس نواب الشعب والتي دعت فيها إلى عقد جلسة عامة لمساءلة راشد الغنوشي حول إخفاء تواصله مع جهات أجنبية خارج الأعراف الدبلوماسية والبرلمانية ونشر أخبار مغلوطة على الصفحة الرسمية للمجلس بخصوص هذا التواصل، وطالبت كتابة المجلس بإدراج نقطة إضافية بجدول أعمال مكتب المجلس المقرر لليوم الخميس، للتداول حول عقد جلسة عامة لمساءلة الغنوشي.
ونظرا إلى إعلان مكتب مجلس النواب يوم الخميس رفضه لطلب عقد جلسة عامة لمساءلة الغنوشي بتعلّة ''إنتفاء أيّ أساس قانوني لها''، أكّدت موسي رفضها لتصرّفات الغنوشي الغامضة وذكّرت بالإتّصال الهاتفي الذي جمعه بالرئيس التركي رجب طيّب أردوغان وكانت وكالة الأنباء التركية "الأناضول" قد أعلنت عنه يوم 25 أفريل الفارط مشيرة أنّ محور المكالمة هو سبل التعاون بين البلدين في مكافحة كورونا وعن القضايا الإقليميّة المشتركة. وأشارت أنّ تلك المكالمة لم يتمّ الإعلان عنها في صفحة رئاسة البرلمان ''لا أثر له في الصفحة الرسمية'' مؤكّدة أنّ زيارة الغنوشي إلى تركيا ولقائه بالرئيس رجب طيب أردوغان، كانت بصفته البرلمانيّة وليس بصفته الحزبيّة كما أعلنت الصفحة الرسميّة لحركة النهضة التي أفادت أنّ اللّقاء تمحور بين الجانبين حول التطورات الجديدة في المنطقة والتحديات التي تواجهها وأنّ الغنوشي هنّئ أردوغان على السيارة التركية الجديدة.
كما عادت عبير موسي في الفيديو، على بلاغ صفحة البرلمان الذي تمّ الإعلان فيه أنّ الغنوشي أجرى محادثات مع رؤساء البرلمانات المغاربية يوم 4 ماي 2020، وبيّنت موسي أنّه لم يقم بإتّصال مع رئيس البرلمان اللّيبي وإنّما أجرى إتّصالا مع خالد المشري رئيس حزب العدالة والبناء الليبي، قائلة ''هو إخواني ويمثّل هيئة إستشارية للبرلمان الليبي''، واعتبرت أنّ الغنوشي يُغالط في الرّأي العام موضّحة انّ الصفحة الرسميّة للبرلمانات الجزائريّة والمغربيّة لا أثر فيها لهذه المكالمات. كما استغربت عبير موسي من نشر الإعلان عن هذه المكالمات يوم 4 ماي وكان الغنوشي قد اتّصل بهم وفق البلاغ في الأسبوع الأوّل من شهر رمضان. واعتبرت عبير موسي أنّ رفض الغنوشي للمساءلة دليل على أنّ له أغراض شخصيّة من تلك المكالمات التي قام بها بطريقة غامضة، و أكدت ان الغنوشي يغالط التونسيين بالقول أنه لا علاقة له بالتنظيم الإخواني و بالتالي يخفي كل ما يمكن أن يشوه الصورة التي يريد أن يوصلها للتونسيين.
عبير موسي أكّدت أنّه أصبح لراشد الغنوشي حزام سياسي قوي في البرلمان يُسانده ويُدافع عنه بإستماتة، مشيرة إلى كلّ النواب الذين ندّدوا بدعوتها لجلسة مساءلة الغنوشي على غرار سفيان طوبال وسميرة الشواشي وطارق الفتيتي. وفق قولها إنّ الغنوشي وحلفائه يفعلون ما يريدون في المجلس دون إكتراث ببقية النواب، ''آلة على كلّ المستويات وأنا موجود وأحكم بأمري''، موسي شدّدت أنّ الدستوري الحرّ سيظلّ عند وعده في المعارضة ولها كلّ المؤيّدات ضدّ الغنوشي وبالنسبة لها فإنّ ما يقوم به نواب حزبها شرف كبير لهم في كشف حقائق الغنوشي المخفيّة والمستورة. ''المساءلة تمّت لك يا غنوشي، تمّت سياسيا وتمّت شعبيا وتمّت أمام الرّأي العام الوطني والدّولي والجميع بات يعلم أنّك تقوم بتحرّكات غامضة''، بهذه الكلمات أكّدت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ انّها كشفت بكلّ الوثائق أنّ للغنوشي له تحرّكات خطيرة مع دول أجنبيّة، وأفادت أنّها ستقوم بتقديم شكاية ضدّ الغنوشي لأنّ له علاقة مباشرة برئيس دولة أجنبيّة في خرق للأعراف الدبلوماسيّة ويتعمّد إخفائها. حركة النهضة والممثّلة في رئيسها راشد الغنوشي لم تسمح لأيّ جهة مهما كان مصدرها إلى كشف حقائقها وأسرارها، على غرار الإعلامي سامي الفهري الذي منعته النهضة من تمرير برنامج يكشف أسرار النهضة وكانت تترصّد كلّ من يريد تعطيل مسارها وكلّ كشف للحقيقة يعتبرونها تشويه ويصنّفونه في الحملات المشبوهة ولكنّ الإنتخابات شاءت أن تخلق للنّهضة كتلة معارضة بعنوان الدستوري الحرّ في شخص عبير موسي التي تقف كالشوكة في حلق الغنوشي والتي لا تقبل له أيّ خطأ وهي بالمرصاد لكلّ التجاوزات.
صحيح أنّ رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي تمقُت حركة النهضة وتصفها بحركة ''الإخوان المسلمين'' ولكنّ المؤيّدات التي قدّمتها لمساءلة الغنوشي ثابتة وموثّقة ونجحت في إيصالها للرّأي العام، كما أنّ رفض راشد الغنوشي للمساءلة في البرلمان يُثبت صحّة ما قدّمته موسي ضدّه وإنّ كان يرغب في إثبات العكس، عليه قبول المساءلة.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires