حوار وطنّي دون محاورين ..
بقدر ما ثُمنت مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل للحوار الوطنّي باعتبارها محاولة للتجميع والمضيّ قدما بعد تسوية الخلافات، الا أن بوادر الاخفاق بدأت في الظهور حتى قبل انطلاق الحوار ليُعيد "الحل" المرتقب اثارة الأزمات ذاتها التي بُعث من أجل في تكرار عبثي للأخطاء ذاتها تجرّد أي مبادرة ولو كانت صادقة وذات أهداف نبيلة من معناها.
الصورة العامة تزداد قتامة مع كلّ مستجد على كلّ الواجهات، بينما مكونات الحوار ذاتها تتمنّع أو تُمنع من المشاركة. رئاسة الجمهورية ترفض مشاركة الفاسدين ورئاسة الحكومة في صراع غير معلن مع قرطاج، الدستوري الحرّ يرفض المشاركة مع النهضة والحزب الاسلامي يهاجم اتحاد الشغل في كلّ فرصة، المنظمة الشغيلة ترفض مشاركة ائتلاف الكرامة والائتلاف الاسلامي يُهدد رئيس الدولة، وهكذا- تستمّر الصراعات أزلية في حلقة مفرغة والكل يدعي أنه يملك الحلّ والحقيقة والكلّ يرحب بالحوار والكل يريدُ حوارا مشروطا على المقاس والكلّ يريد اقصاء الكلّ.
على مضض، وافقت حركة النهضة على المشاركة في الحوار. لكن كيف ترضى الحركة أن تُجرّد من سلطتها المعنوية في قيادة الحوار وتقبل بأن تكون مجرد مشارك من الصف الثاني، تحت رعاية رئاسة الجمهورية بدلا عن رئاسة البرلمان؟ القيادي في اتحاد الشغل سامي الطاهري يُجيب على هذا السؤال: بأن تحاول ترذيل العمل النقابي وتشويه الاتحاد في كلّ فرصة اعلامية عبر اتهامه بأنه خلف تعطيل الانتاج وتجييش التنسيقيات العشوائية واقصاء النهضويين من النقابات وبذلك تشكك في قدرته على التجميع تحت خيمة الحوار. النهضة تملك شروطا للتواضع والقبول بالحوار، أولها أن يكون حليفها الجديد قلب تونس (الذي يقبع رئيسه حاليا في السجن بتهمة تبييض الأموال) حاضرا في الحوار وثانيها أن لا تكون مشاركة الشباب في الحوار "غير منظمة" أي أن يتم اقصاء الشباب غير المنتظم في جمعيات أو منظمات أو أحزاب. لم؟ لأن هذا الشباب على لسان عبد الكريم الهاروني هو افراز لوضع غير طبيعي بسبب غياب التأطير، واتجه للمشاركة في تنسقيات تعتبر مجرد تنظيم للفوضى. أما على لسان الغنوشي، فان شرطه أن يضم الحوار منظمات شبابية و طلابية، طبعا لأن حركة النهضة تملك ذراعين طلابيين في الجامعة التونسية هما شباب النهضة بالجامعة والاتحاد التونسي للطلبة ناهيك عن شبكة الجمعيات المنتشرة في كامل الجمهورية.
الدستوري الحر رفض قطعيا الجلوس على طاولة واحدة مع "الاخوان" لكن ليس هذا السبب الوحيد الذي يمنع الحزب من المشاركة في الحوار، بل أيضا صراع جديد مع المنظمة الشغيلة. رئيسة الدستوري الحر عبير موسي أكدت في تصريح لزملائنا بالمغرب أن النهضة توظف اتحاد الشغل في صراعاته وأن الحوار مع الاسلاميين هو مجرد رسكلة للحوارات السابقة بنفس النتائج.
"مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل المتعلّقة بحوار وطني بمشاركة الإخوان اللذين دمّروا البلاد منذ تسلّمهم السلطة في سنة 2011 ومن همّ سبب كل الأزمة التي تعيشها البلاد، بمثابة طوق نجاة لهم وتبييض لهم بالجلوس معهم مرّة أخرى بعد النتائج الكارثية على البلاد لحكمهم خاصّة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والذي أثبته قانون المالية والميزانية لسنة 2021 وما حفّ به من تجاذبات ونقاشات تؤكّد ان تونس على حافّة الإفلاس." علقت موسي.
في تصريح ثان، كانت عبير موسي أوضح في توجيه اللوم، حيث اتهمت الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل بالتواطؤ مع راشد الغنوشي و حركة النهضة مؤكدة أن نور الدين الطبوبي وصمة عار على الاتحاد والمنظمة الشغيلة في حاجة الى انقاذ وليست بين ايادي امينة وأن الاتحاد سقط في ايادي قادة الاغتيالات، على حد تعبيرها.
تبقى مشاركة قلب تونس مؤجلة. الفيتو ضد حزب نبيل القروي مصدره ليس الاتحاد هذه المرة بل الجهة المشرفة على الحوار، رئاسة الجمهورية الت يترفض الحوار مع الفاسدين في احالة الى تورط رئيس الحزب في قضايا فساد وتورط الحزب في تمويلات أجنبية وفق ما أكده تقرير محكمة المحاسبات. الاتحاد لم يعبر عن أي موقف متعلق بمشاركة الكتلة الثالثة عدديا في البرلمان من عدمها ربما لترك باب الحوار مفتوحا مع الرئاسة قبل اصدار أيّ قرارات نهائية.
رئيس كتلة قلب تونس، أسامة الخليفي، توقع أن يعدل قيس سعيد عن موقف عبر ترجيع العقل وتجميع الفرقاء كما يقتضي دوره التاريخي في هذه الفترة.
"من غير المعقول إقصاء حزب مثل قلب تونس ثاني أكبر حزب في البلاد نحن نرحب بكل حوار غير مبني على الإقصاء ويهدف لإيجاد حلول حقيقية اقتصادية واجتماعية، لا يمكننا تفهم رفض بعض الأطراف لمشاركة أناس منتخبين من طرف الشعب ولهم الشرعية الكاملة» علّق الخليفي.
البطاقة الحمراء النهائية كانت ضد ائتلاف الكرامة. خطابات متطرفة، تهديد رئاسة الجمهورية، تهجم على الاعلام والنساء والنقابيين، عنف تحت قبة البرلمان، خرق للقانون والقائمة تتواصل من الجرائم التي ارتكبها ائتلاف الكرامة في فترة قياسية تحت مباركة رئاسة المجلس التي لم تكلف تفسها حتى اصدار مجرد بيان ادانة يسمي الأشياء بمسمياتها بعد تكرر اعتداء نواب الكتلة المتطرفين على زملائهم حدّ التسبب في أضرار جسدية. هذا ما جناه الائتلاف الاسلامي حتى يُمنع من في الحوار الوطني وفق تصريح نور الدين الطبوبي أمين عام الاتحاد بأنهم يرفضون الجلوس مع ائتلاف الكرامة. ولا يظن العاقل أن رئاسة الجمهورية ستقبل بمشاركة الذراع الأيمن للحزب الاسلامي، الذي تجرّأ قائده سيف الدين مخلوف على التهجم على مؤسسة الرئاسة وتهديد رئيس الجمهورية بصفة مباشرة.
يرافق القطيعة بين الفرقاء السياسيين قطيعة أخرى بين مؤسسات الدولة ذاتها زادت تعقيدا مع اقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وزير الداخلية المعين من طرف قيس سعيد رئيس الدولة، توفيق شرف الدين. ومع وجود فراغ على مستوى العديد من الوزارات كالثقافة والبيئة والداخلية يستعد المشيشي لطرح تحوير وزاريّ مرتقب لا شكّ أن قلب تونس سيكون له فيه نصيب- ولا شك أنه سيزيد من تعقيد الوضع بين القصبة وقرطاج.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires