الحرب بين عبير موسي والإسلاميّين عرّت رداءة المستوى السياسي والأخلاقي للنواب المُنتخبين

يتّسم المشهد السياسي منذ انتخابات 2019، بالقتامة والرداءة على كلّ المستويات والمؤسّسة الوحيدة التي بقيت متوازنة بعد مخرجات هذه الإنتخابات هي مؤسسة رئاسة الجمهورية في شخصها قيس سعيد، الرئيس الغير منتمي إلى أيّ حزب والذي يؤمن فقط بعلوية الدولة وبأولويّة الشعب. 

تشريعية 2019، أنتجت برلمان يُندب له الجبين، مزيج غير متجانس من الأحزاب التي تسعى للتموقع وبسط سلطتها وتوظيف نوابها في الحكومة وجعلوا من مطالب الشعب ومصلحة البلاد آخر اهتماماتهم. هذه الأحزاب المتقلّبة في المواقف والآراء والمتنكّرة لمبادئها لم تقدّم إلى اليوم خدمة للبلاد أو للشعب يُشهد لها بها، بل قدّموا في المقابل صورة برلمان ''فضيحة'' تناقلتها كلّ الوسائل الإعلامية العالمية. 

بعد أن سقطت حكومة النهضة ''الحبيب الجملي'' بسبب شروطها اللامُتناهية واعتمادها طريقة الإقصاء ورغبتها في التفرّد بالحكم وجعل الأحزاب شبه حلفاء لأغراضها الحزبية، انهارت وراء حكومة الجملي حكومة الرئيس بعد أن قدّم إلياس الفخفاخ إستقالته بسبب تورّط في شبهة تضارب مصالح. وعلى الرّغم من استقالة الفخفاخ وتحوّل القرار دستوريا لرئيس الجمهورية قيس سعيد لإختيار الشخصية الأقدر لتكوين حكومة جديدة، صمّمت الحركة الإسلامية على تقديم لائحة سحب ثقة من الفخفاخ لكي تتمكّن بدورها من تعيّين رئيس حكومة جديد ولكنّ قيس سعيد قطع أمامها الطريق بقوّة الدستور وعلويّة القانون. 

بينما الرئيس قيس سعيد مهتم بالمشاورات لإختيار شخصية رئيس الحكومة، يشهد مجلس نواب الشعب حالة من الإحتقان والتشنّج وأصبح برلمان ''الفضائح'' وليس برلمان نواب اختارهم الشعب بكلّ إرادته. صراعات متكرّرة ومتجدّدة يوميا بين نواب كتلة الدستوري الحرّ والنواب الإسلاميّين النهضة وائتلاف الكرامة منذ 10 جويلية وتعود الأسباب إلى استماتت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي بمواصلة الإعتصام إلى حين إصدار قرارات تمنع دخول من تتعلّق بهم قضايا إرهابية إلى البرلمان وإلى حين سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي سمح لرئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف بإدخال شخص ينتمي للإئتلاف الإسلامي مسجلا في  "s17" وذلك بالقوّة  بعد أن حاول منعه الأمن الرئاسي من الدخول، قائلا لهم  ''يا أنا يا أنتم هنا''.

عبير موسي رفضت إدخال مخلوف لشخص عائد من بؤر التوتّر للبرلمان وتحوّل بهوُ البرلمان إلى حلبة صراع بين نواب الدستوري الحرّ ونواب ائتلاف الكرامة بحضور الصحفيّين وتمّ توثيق تصريحات مخلوف الحادّة الموجّهة لعبير موسي من قبيل ''يا كلوشارة..يا إرهابية.. ندّخلو اللي نحبو للمجلس، نحنا أشرف منك.. يا مسّخة". مشهد فوضويّ بين صراخ واتهامات وتدخّل الأمن الرئاسي لفضّ المناكفة بين الطرفين، مع مواصلة زعيم الائتلاف الإسلامي توجيه العنف اللفظي الى نائبة الدستوري الحر.

واصلت كتلة الدستوري الحرّ إعتصامها بقاعة الجلسات العامة مع منع رئيس البرلمان راشد الغنوشي من اعتلاء مكانه بالقاعة، وشهدت جلسة استكمال إنتخاب أعضاء المحكمة الدستورية يوم الخميس الفارط 16 جويلية، حالة تخبّط في الصراعات بين نواب الكرامة والنهضة ضدّ عبير موسي التي منعت انطلاق الجلسة صحبة نوابها تحت شعار ''لا للإرهاب بمجلس النواب''. أثار ذلك سخط وغضب سيف الدين مخلوف الذي دخل في حالة ''هستيريا'' قائلا ''هناك انقلاب تقوم به هذه العصابة'' على دولة القانون والعدالة ورفع نواب النهضة وائتلاف الكرامة شعار ''يسقط جلاّد الشعب..ديغاج''. واستمرّ اعتصام عبير موسي في البرلمان ليلا نهارا، وخلال جلسة الإعلان عن إطلاق مسار إعداد وإنجاز الإستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد يوم الإثنين 22 جويلية، اشتعلت مجدّدا نيران الحرب بين نواب الحركة الإسلامية ونواب الدستوري الحرّ وأصبح الشعب التونسي يُشاهد عملا مسرحيا وليس عملا برلمانيا. 

مسرحية تمثيل في البرلمان أبطالها نواب كتلة النهضة حيث موّهت النائبة محرزية العبيدي أنّ النائبة عن الدستوري الحرّ عواطف قريش قامت بدفعها وأخذت تصرخ بقاعة المبنى الفرعي بالبرلمان وسط أنظار النواب والعالم أجمع وتُلاحق قريش التي تحاول الإبتعاد عنها. ولعبت العبيدي دور الضحية وسرعان ما ضمّدت قدمها، وجلسة متألمة على كرسي، تلفظُ أنفساها من الهجوم الشرس الذي تعرضت له، لا ندري أين. وفوجئت عبير موسي رئيس كتلة الدستوري الحر في خضم هذه الفوضى بتدخّل الشرطة العدلية التي دخلت قاعة الجلسات العامّة وندّدت بذلك معتبرة أنّ النيابة العمومية لم تتدخّل حين حاول مخلوف إدخال شخص عائد من بؤر توتّر إلى البرلمان وتدخّلت حين أصرّت كتلتها على إخراج الإرهابيّين من المجلس ودخلت موسي في نقاش مع ممثل الشرطة العدلية الذي رفض الإستظهار بمكتوب يُصرّح له بالتدخّل في كيفيّة سير أشغال الجلسة. واعتبرت موسي أنّ حرم البرلمان تمّ انتهاكه من قبل الشرطة العدلية في الأثناء أعلمها عون الشرطة العدلية أنّه مكلّف بإبلاغها أنّه مبعوث لمعاينة جرائم تعطيل الجلسات في البرلمان. تعقيبا منها على ما حصل بين عبير موسي وممثل الشرطة العدلية، تفاعلت وزارة الداخلية ونشرت بلاغا أكّدت فيه أنّ تواجد وحداتها الأمنية بمقرّ مجلس نواب الشعب، كان بناء على تعليمات من النّيابة العموميّة بالمحكمة الإبتدائية بتونس 1 وذلك بغاية معاينة الوضعيّة بداخله.

كما شهد يوم أمس الثلاثاء 21 جويلية، حربا بين نواب النهضة والدستوري الحرّ، بعد أن انقسمت كتلة عبير موسي بين نواب معتصمين بقاعة الجلسات العامة ونواب معتصمين بقاعة المبنى الفرعي، وسط تصدّي نواب الحركة الإسلامية لنواب الدستوري الحرّ لكي لا يتمّ تعطيل سير الجلسة تعرّض النائب مجدي بوذينة إلى العنف من قبل النائب عن النهضة سيّد الفرجاني الذي صرّح أنّه تعرّض أيضا للعنف الشديد وتمّ نقل الطرفين من قبل الإسعاف إلى المستشفى. لم تقف الصراعات عند هذا الحدّ، بعد أن قرّرت عبير موسي اليوم الأربعاء تغيّير مكان الإعتصام إلى أمام مكتب رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وجدت نواب الكتلة الإسلامية في انتظارها وقاموا بحراسة المكتب ومنعها من الإعتصام أمامه وسط الكم الهائل من الشتائم التي قاموا نساء النهضة بتوجيهها لعبير موسي من قبل ''عميلة الإمارات'' واتهموها بأنّها تقوم بالعنف والهرسلة والإستفزاز للنواب وندّدوا رفقة رئيس الكتلة نور الدين البحيري شعارات ''يسقط حزب الإمارات، يسقط حزب الخرفان''. 

مشهد برلماني مشوّه تسوده الصراعات والتراشق بالتّهم وكلّ عبارات الشتم بين نواب إنتخبهم الشعب ومنحهم الثقة ولكنّ المشهد الذي قدّموه دليل على خذلانهم لأصوات انتخبتهم وخيّرتهم دون غيرهم. يوميا، أصبح البرلمان مسرحا يقدّم مشاهد مُخزية ورديئة، كشفت حقيقة النواب ومستواهم السياسي والأخلاقي الحقيقي للشعب الذي انتخبهم، وهذه الصراعات  زادت من أزمة الوضع في البلاد وزادت في تعقّد المشهد السياسي خاصّة في إطار اختيار رئيس حكومة جديد وصعوبة امكانية تشكيله لحكومة تضمّ كل تلك الأحزاب المُعادية لبعضها البعض. 

يسرى رياحي