الصحة النفسية زمن الكوفيد- ارتفاع مخيف لحالات الانتحار
نشر المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية التقريرالخاص بشهر أكتوبر 2020، حول الإحتجاجات الجماعية والإنتحار والعنف والهجرة. تقرير المنتدى قام برصد 871 تحرك احتجاجي و 18 حالة انتحار ومحاولة انتحار و 1328 مهاجر(ة) فقط خلال شهر أكتوبر 2020.
الملاحظ في هذا التقرير تواصل عمليات و محاولات الانتحار في نسق مرتفع في صفوف الاناث و الذكور في تونس فحسب المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية و الاجتماعية تم تسجيل 18 حالة و محاولة انتحار، وشكل الذكور 56 فاصل ستة بالمائة و الاناث 48 فاصل أربعة بالمائة من حالات الانتحار خلال شهر أكتوبر 2020 :"13 ضحية منهم 72 بالمائة من الفئة العمرية 16-35 سنة " التقرير اظهر وجود حالتي انتحار لأطفال اقل من 15 سنة و 5 حالات من الفئة العمرية من 15 الى 25 سنة و 7 حالات من 26 الى35 سنة.
اما بالنسبة للتوزيع الجغرافي لحالات الانتحار فقد تم رصد 4 حالات في جندوبة و حالتين في كل من الكاف و تطاوين و قبلي و القيروان و سوسة و حالة واحدة في بنزرت و مدنين و سيدي بوزيد و نابل.
ارتفاع نسب انتحار الاناث
ارتفع عدد حالات الانتحار في تونس خلال شهر أكتوبر مقارنة بشهر سبتمبر من نفس السنة اذ تم رصد 15 حالة انتحار ومحاولة انتحار خلال شهر سبتمبر و شكل الذكور نسبة 80 بالمائة من اجمالي ضحايا حالات ومحاولات الانتحار التي تم رصدها و تعتبر الفئة العمرية من 16 الى 45 سنة الفئة العمرية التي سجلت اعلى ارقام الانتحار حيث بلغ عدد ضحايا الانتحار من هذه الفئة العمرية 7 ضحايا، بينهم امرأتان اما بالنسبة للأطفال فقد شكلوا ثلث الضحايا
و مقارنة بشهر أكتوبر 2019 يمكننا القول ان عدد حالات الانتحار في استقرار نسبي ففي الوقت الذي بلغ فيه عدد الحالات في أكتوبر 2020 18 حالة تم خلال شهر أكتوبر 2019 تسجيل 20 حالة ومحاولات الانتحار ، الا انه و خلافا لشهر أكتوبر 2019 ارتفع عدد حالات الانتحار في صفوف الاناث في أكتوبر 2020 و شكلن 48 بالمائة من اجمالي عدد حالات و محاولات الانتحار في حين بلغ عدد الضحايا من الاناث خلال نفس الفترة من السنة الماضية 4 حالات فقط و بلغ عدد حالات الانتحار في صفوف الذكور 16 حالة ، وتمثل الفئة العمرية 45-26 سنة حوالي 35 بالمئة في أكتوبر 2019 في الوقت الذي مثلت فيه هذه الفئة العمرية 81 بالمئة من عدد ضحايا الانتحار ومحاولته خلال شهر أكتوبر 2018 . لم يتم تسجيل حالات انتحار في صفوف الأطفال و المسنين في أكتوبر 2018 على عكس ما تم تسجيله في أكتوبر 2019 حيث تم تسجيل انتحار 4 أطفال و3 مسنين النسبة انخفضت نوعا ما في أكتوبر 2020 بتسجيل حالتي انتحار لأطفال دون ال15 سنة و سجلت حالة انتحار لدى مسن تجاوز سنة ال60 عاما .
و بحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية :" مثل الانتحار شنقا ابرز أشكال الانتحار المرصودة وذلك بنسبة تناھز 39 بالمائة ثم الانتحار حرقا بنسبة 33 بالمائة ثم الالقاء بالنفس بنسبة 7.16 بالمائة وطعن النفس بنسبة 11 بالمائة ".
من التهميش و البطالة الى الانتحار
ليس من الغريب ان تسجل الولايات التي تعاني من التهميش و من غياب التنمية اعلى نسب الانتحار في تونس فولايات جندوبة والكاف مثلا و هي الولايات التي سجلت اعلى نسبة انتحار خلال شهر أكتوبر 2020 تتصدر نسب الفقر و البطالة على المستوى الوطني و حسب خارطة الفقر التي نشرها المرصد الوطني نسبة الفقر في هذه الولايات في نسق تصاعدي :" نسب الفقر في مستوى الشمال الغربي التي تضم أربع ولايات (باجة وجندوبة والكاف وسليانة) سجلت نبر نسبة فقر ب 45.4 بالمائة، والروحية 40.7 بالمائة، وساقية سيدي يوسف 39.7 بالمائة المعتمديات الأفقر بالجهة، في تعد معتمدية جندوبة 10.7 بالمائة، وبوسالم 16.6 بالمائة، وسليانة الشمالية 16.8 بالمائة، وطبرقة 16.7 بالمائة.
و نجد ان تواصل حالات الانتحار في كل من القيروان و تطاوين و سيدي بوزيد يعكس واقعا اجتماعيا متدهورا فحسب نفس الدراسة ارتفعت نسبة الفقر:" بشكل كبير على مستوى الوسط الغربي المتكون من ثلاث ولايات (القيروان والقصرين وسيدي بوزيد) وهو أحد أفقر الجهات بمعدل 29.3 بالمائة. تم تسجيل أعلى نسب فقر بمعتمديتي حاسي الفريد (53.3 بالمائة) والعيون (50.1 بالمائة).
في المقابل سجلت معتمديات تونس الكبرى على غرار المنزه وحلق الوادي وأريانة المدينة أقل عدد من نسبة الفقراء و هي أيضا الأقل عدد من حيث حالات الانتحار في تونس.
هذا و اتفعت نسبة البطالة خلال الثلاثي الثاني من السنة الحالية 2020 مقارنة بالثلاثي الأول من نفس السنة و بلغت 18 بالمائة وطنيا ، و تسجل ولايات الجنوب و الشمال الغربي اعلى نسب البطالة على المستوى الوطني ففي ولاية جندوبة مثلا فاقت نسبة البطالة فيها ال 20 بالمائة.
فيروس كورونا و الانتحار
يمكن تفسير ارتفاع عدد حالات الانتحار خلال بداية انتشار فيروس كورونا بالحالة النفسية التي عاشها التونسيون خلال الموجة الأولى و التي انطلقت في شهر مارس 2020 اذ تشكل حالة الخوف و الهلع من فيروس كورونا احد أسباب الانتحار فمع انتشار الفيروس انتشر معه الخوف من المستقبل والخوف من الإصابة بالفيروس فجائحة كورونا هي فيروس جديد لا يعرف كيف ينشأ و لا دواء له.
و قد يكون الخوف الذي يعيشه البعض من إمكانية الإصابة من الفيروس او من إمكانية الإفلاس خاصة بعد اغلاق عدة مؤسسات احد العوامل التي تأدي بالأشخاص الى الانتحار هروبا من الواقع الذين يعيشونه . فأدت حالة الاكتئاب التي عاشها البعض خلال فترة الحجر الصحي الى تفاقم عدد حالات الانتحار فخلال شهر أفريل الماضي مثلا تم تسجيل 30 حالة ومحاولة انتحار أغلب ضحاياها من الذكور بنسبة 87 بالمائة الفئة العمرية ما بين 26 و45 سنة وهي الفئة التي تعتبر الأكثر اقداما على الانتحار ومحاولة الانتحار بنسبة فاقت 66 بالمائة خلال شهر افريل 2020 و هو ما أكدته ريم عبد الملك عضو لجنة مكافحة فيروس كورونا و التي تحدثت عن ارتفاع عدد محاولات الانتحار خلال فترة الحجر الصحي.
و في تصريح اعلامي ادلى به في افريل الماضي قال الدكتور ماهر البرصاوي رئيس قسم جراحة العظام بمستشفى الرابطة ان قسم الاستعجالي رصد عدد هاما من الحالات الاستعجالية التي استوجبت عمليات جراحية نظرا لحساسية وضعها الصحي وان اغلب اسباب هذه الحالات كانت نتيجة محاولات انتحار و أضاف في نفس الاطار ان :" الانتحار عبر القاء النفس من العلو زاد بنسبة 30 بالمئة خلال فترة الحجر الصحي مقارنة بالمعدلات العادية وان اغلب الضحايا هنّ إناث من الفئة العمرية دون 35 سنة"..
الإحاطة النفسية و التشريع القانوني الحاضر الغائب
تأسست لجنة مكافحة الانتحار في تونس سنة 2015 من قبل وزارة الصحة و ترأستها الاخصائية في الامراض النفسية فاطمة الشرفي الا انه لم يسمع أي خبر عن هذه اللجنة خلال ازمة كورونا في حين ان دور هذه اللجنة هام في هذه الفترة و لعل ابرز دليل على هذا هو الكم العائل من المكالمات التي تلقته خلية الإحاطة النفسية بضحايا الكوارث خلال شهر افريل 2020 فاق ال30 الف مكالمة و هو ما يؤكد الحاجة الملحة للإحاطة النفسية في فترة الحجر الصحي و الى اليوم أيضا.
على المستوى التشريع توجد تناقضات في التعاطي القانوني مع ظاهرة الانتحار ففي الوقت الذي تجرم فيه المجلة الجزائية في فصلها 206 المساعدة على الانتحار بعقوبة تبلغ 5 سنوات سجنًا :"يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام الإنسان الذي يعين قصدا غيره على قتل نفسه بنفسه".
لم تجرم المجلة الدعوة الى الانتحار و هو ما قد يحصل في بعض حالات او محاولات الانتحار، هذا النقص الموجود في المجلة الجزائية يتناقض و احكام الدستور التونسي و الذي ينص في فصله 22 أن "الحق في الحياة مقدس، لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون".
فيروس كورونا و الانتحار في العالم
حسب منظمة الصحة العالمية يؤدي الانتحار بحياة 800000 شخص سنويا وهو يعد ثالث سبب للوفاة عند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عامًا ، و تسجل البلدان المتوسطة الدخل و الفقيرة نسبة 79% من حالات الانتحار في العالم.
ارتفاع حالات الانتحار زمن كورونا لم يقتصر على تونس فقط بل شمل جل دول العالم فالعوامل النفسية لعبت دورا سلبيا و دفعت بالأشخاص الى انهاء حياتهم . ففي بريطانيا مثلا اكد تحالف القضاء على الانتحار ان عدد حالات الانتحار ارتفع مقارنة بالسنوات الماضية و أشار في ذات السياق الى ان :" 503 آلاف شخص أتموا دورة التي يوفرها خلال فترة الإغلاق العام المفروض لمواجهة وباء فيروس كورونا هذه الدورة تهدف إلى التعرف على المؤشرات التي تنبه إلى أن شخصا ما بحاجة لمساعدة".
في اليابان سجلت حالات الانتحار ارتفاعا غير مسبوق وصلت الى حدود 2153 حالة و ارتفعت الحالات بنسبة 300 حالة مقارنة بشهر سبتمبر الماضي و أيضا مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية ، و في فرنسا و بحسب دراسة أجرتها مؤسسة جون جوريس 3.4 بالمائة من الفرنسيين فكروا في الانتحار خلال فترة الحجر الصحي 25 بالمائة منهم من تجار و 27 منهم رؤساء مؤسسات و 27 بالمائة منهم عاطلون عن العمل.
تضطلع الإحاطة النفسية في ظل تواصل انتشار فيروس كورونا بأهمية بالغة فالاكتئاب او التوتر حالات نفسية قد تصيب أي شخص في أي مكان او زمان و ليس من المخجل التعرض لها ، انما المخجل هو عدم وعي المجتمع و السياسيات الاجتماعية للدولة بخطورة ما قد تؤول اليه الضغوط النفسية و التي قد تتسبب في الانتحار بعد فقدان الامل و تراكم الازمات النفسية.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires